La Imaginación de Khandaris: ¿Quién teme a Usman Bashri?
مخيلة الخندريس: ومن الذي يخاف عثمان بشري؟
Géneros
تعد صناعة العرق صناعة مستحدثة في السودان؛ لأنه لا توجد قبيلة لديها اسم غير مركب له، وتقريبا ترجمة اسمه في أكثر من عشر من اللغات المحلية هي بالشيء المر، «أتى بقائمة طويلة من أسماء العرق، من كثير من القبائل الشمالية، الجنوبية، قبائل شرق وغرب السودان، باللغات المحلية، من أراد أن يستزيد معرفة فليسأل جدته في البيت، وكلها تعني الشيء المر.» إذن، ظل هذا الشيء المر عابرا في الثقافات السودانية قديمها وحديثها، ولو أن تقطيره بدأ مع دخول العرب للسودان، فهو كذلك احتفظ باسمه الأصيل الذي يشرح ويعبر تماما عن طريقة استخلاصه، فهو ليس سوى عرق البلح أو العنب عندما يتعرض لدرجة حرارة عالية، نفس فكرة تقطير العرق. أما المجموعات السكانية القديمة فهي بارعة في صناعة المريسة بكل أنواعها، وهي خمور طيبة وصديقة، أقرب للغذاء منها للكحول، هي متعمقة في الثقافات الأفريقية وتسمى في بعض البلاد الأفريقية بالبيرة المحلية. تصنع بتخمير النشويات الطبيعي بتعرضها لبكتيريا التخمر العالقة بالهواء. كان هذا الكتاب ممتعا، والتصميم الإيضاحي لصناعة العرق كان مفيدا أيضا، وخاصة خطوات تصنيعه من الذرة المسماة بالفيتريتا؛ حيث تبدأ بعمل:
الزريعة: «وهي عملية تنبيت (زراعة) الذرة في وسط رطب، غالبا ما تكون بين سطحين من الخيش أو الكتان.»
السورج: «وهو خلط مسحوق الزريعة مع عجين شديد الحموضة بفعل التخمير مع إضافة قليل من الماء وتقليب الخليط في صاج كبير من الحديد على نار موقدة بالحطب إلى أن يحمر أو يصبح بنيا، وهو الذي يعطي المريسة لونها المميز ورائحتها الزكية أيضا، وتستخدمه بعض القبائل مثل قبيلة الأدك في النيل الأزرق كوجبة غذائية كاملة.»
الفطارة: «وهي عجين فطير يتم تقليبه على النار في ذات صاج السورج إلى أن يتحول إلى عصيدة عملاقة.»
يتم خلط المكونات الثلاثة مع بعضها البعض، ثم تترك ليوم كامل معرضة لبكتيريا التخمير بعد إضافة قدر محسوب من المياه، بعد ذلك تقوم الفدادية بتصفية الخليط، مستخدمة قطعة من قماش الدمور الخفيف؛ لتنتج المريسة ومعها المشك، وهذا الأخير ألذ وجبة يمكن تقديمها لحيوان عزيز للنفس: حمارك المفضل، بقرتك الحلوب، أو ثورك الخاص، أو بيعه كعلف لأصحاب الماشية. لكن معظم الفداديات يحتفظن بماشية في منازلهن للاستفادة من المنتج المصاحب للمريسة الذي هو المشك، والخليط نفسه يمكن أن يصنع منه عرق العيش، عندما تقوم الفدادية بقليه على النار بعد أن تم تخميره - خليط السورج والفطارة - جيدا بمعزل عن الهواء. وتمد صبابة (ماسورة) ملفوفة بقطع قماش مبلولة بالمياه، تنتهي في وعاء آخر مغلق وهو أيضا غارق في مياه باردة، تقوم بتغييرها كلما سخنت. والفدادية البارعة تعرف من درجة سخونة المياه كمية العرق ونوعيته؛ فتقوم في الحال بتعبئته في زجاجات، وهذا البكر لا يباع إلا لخاصة الزبائن، وهو الأثينول النقي التي تحدثت عنه ميمونة سكوسكو في حكاية أمي، ويدلل كثيرا من قبل الندماء، على الرغم من أنه يقتلهم في بطء وصمت، بتحطيم خلايا أكبادهم الحزينة وإتلاف البنكرياس. ومن ثم تنتظر تقطير الفدادية العرق درجة ثانية، الذي يتم بيعه للعامة، وهو الأكثر خطورة؛ لأنه يحتوي على الأثينول والميثانول وكثير من الشوائب التي بعضها شديد السمية، وهذا يفضله الشعراء المفلسون وأغنياء المتشردين وبعض المبتدئين في مهرجان السكر الذين لا طاقة لهم بتناول السكوسكو النقي، مثل صديقنا الطيب الحلزون وحبيبته مها عبده. هم يحتاجونه لنسيان شرور العالم الكثيرة التي تحيط بهم، أو تأجيل الإحساس بها إلى حين. الفكي لا يتعاطاه، ليس لأنه يتسبب في تليف الكبد أو إتلاف البنكرياس، وهو لا يعرف عنهما شيئا، ولا يدري ما إذا كان له بنكرياس أم لا؛ لكن قلبه هو الذي رفض هذه الأشياء، كما قال، ويقصد بخبث شديد أن قوة خفية خلفه تمنعه من إتيان المهلكات، وهي أيضا محاولات بائسة للنصب والاحتيال علينا.
لم ينم الفكي ولم تنم زوجته إلا متأخرين؛ وذلك لعدم تعودهما على النوم في حجرة أو على فراش، هي المرة الأولى في حياتهم جميعا أن يدخلوا حجرة نظيفة - دخل الفكي السجن عدة مرات - وينامون على سرير وملاءة. ولأول مرة أيضا تدور مروحة فوق رءوسهم، قد أرعبهم صوتها المخيف، وظنوا أنها ستسقط عليهما، لم يعرف أي منهم كيف يتم إيقافها. أخيرا توكلوا على الله ... رقدوا جميعا على فرش فوق الأرض متلاصقين، عندما صعب عليهم النوم، فتحوا الباب وجميع النوافذ. كانوا يحتاجون لهواء أكثر ... لفضاء أرحب ... لرائحة الشارع؛ حتى يناموا. وأخيرا اضجعوا حيث وجدتهم أمي في الصباح الباكر، عندما استيقظت لأداء صلاة الصبح. كانوا منكمشين على بعضهم البعض، تحت حائط الديوان ما بين الباب وأصص الزينة المتراصة في فناء البيت، ملتحفين الأرض، تغطيهم السماء الشاسعة الرحيمة، تحوم حولهم قطتان ضالتان، كأنهم يمثلون لوحة وحشية منسية لهنري ماتيس!
العرس الوحشي
أصبح كل شيء واضحا الآن بعد أن تناقشنا بكل صراحة ووضوح، قال - كما هو الحال - إنه يحبني لكنه أيضا ليس بإمكانه أن يفعل شيئا من أجل أمي. أمي تريدني ألا أدخل في علاقة ما، ما لم أكن متأكدة أنها سوف تنتهي بالزواج. وهو يعرف ذلك جيدا، قلت له: شوف لي عريس.
في الحق كنت جادة معه؛ لقد تغيرت آرائي كثيرا في هذه الأيام القليلة، لقد تعلمت درسا مهما من الفكي وأسرته أن السعادة لا تحتاج لتكلفة باهظة، تفكير، شروط أو تخطيط، إنها دائما هناك، في القصر كما هي في المزبلة. قال إنه سوف لا يفعل. كان يعلم نقطة ضعفي، وهي أنني أحبه بعمق؛ لذا كان دائما لا يتنازل عن مواقفه. يدفعني أنا للتنازل، ويعرف تماما أنه يستطيع أن يجدني كلما شاء. من جانبي لا أرى في ذلك مشكلة، فكل ما أفعله معه كان دافعه الحب والرغبة الأكيدة في الفعل. لكن قررت أن ينتهي كل شيء اليوم، في هذا اليوم بالذات. لم ننتبه إلى أننا كنا نتحدث بصوت عال ومزعج إلى أن دخلنا المكتب. رأينا الدهشة في وجوه الزملاء، اعتذرنا لهم، واصلنا الحوار بهدوء في المكتب، لكن كان هذه المرة عن أسرة الفكي، لقد أصبحنا مرتبطين بهذه الأسرة المتشردة بصورة غير مهنية، وكنا نعرف أننا لا نستطيع أن نحل مشاكلهم الإنسانية، لا يمكننا أن نجعلهم يسكنون معنا في البيت، فبيتنا صغير، ولا يتحمل أسرة أخرى. ليس بإمكاننا أن نستأجر لهم بيتا، فالإيجار غال جدا في الخرطوم، هذا إذا قبل صاحب المنزل استئجار بيته لمتشردين. كما أننا لا نستطيع أن نلتزم بالدفع شهريا، وليس للفكي دخل يمكنه من دفع الإيجار، بل لا يستطيع أن يوفر الطعام اليومي لأسرته التي تتغذى الآن من سوبر ماركت الطبيعة؛ وهي المزابل! وفقا لتجاربنا الكثيرة مع المتشردين نعرف أيضا أنهم لا يميلون للإقامة الدائمة في مكان ما، ما لم يتم ذلك تحت شروط إنسانية معينة تضع حالاتهم الخاصة في الحسبان. الشيء الأخطر هو كيفية الحفاظ على أمنهم وحملات تجميع المتشردين تقوم بدورياتها المعتادة في كل الشوارع. المنظمة لا تستطيع أن تفعل شيئا في كل هذه الأمور ولا توجد أي مؤسسة تساعد في حل هذه المحنة. كان علينا في الآخر أن نقوم بطردهم من بيتنا، طبعا إلى الشارع! هذا مؤلم، ولا يمكن تحمله ولو أنهم لا يتوقعون منا خيرا من ذلك. أحسست بألم في معدتي. كان بيتنا في الجانب الآخر من المنظمة، وهي كما سبق أن قلت هي جزء من بيت ورثناه من والدي رحمة الله عليه. لم أعمل بنصيحته: امشي البيت. اتفقنا على أن نشرك كل الموظفين في الحوار الخاص بأسرة الفكي، وهم جميعا يعملون في مجال العمل الإنساني، ولهم خبرات في التعامل مع المتشردين والأطفال لا يستهان بها.
المدير العام رجل خمسيني أصلع ... لا يتحدث كثيرا، لكنه يتميز بعلاقاته الواسعة وسنوات عمله الطويلة في المجال؛ فلقد عمل مع منظمات لها سمعتها في مجال حقوق الأطفال، مثل: اليونيسيف، منظمة رعاية الأطفال السويدية والأمريكية، وأطفال الحرب، عمل أيضا في منظمة رعاية كبار السن. ومن الزملاء: حليمة حسين، وهي على الرغم من صغر سنها إلا أنها عملت مع المتشردين كثيرا وخاصة في دارفور وجنوب السودان. هنالك عماد، مصطفى، أنا وبقا كما هي العادة ضيفا دائما علينا وهو في إجازته السنوية. توصلنا سريعا لحل فيما يخص الأطفال والأم أيضا؛ وهو أن نودعهم بيت الحماية بالمايقوما، والأم سوف تقوم برعاية أطفالها بنفسها وخدمة الأطفال الآخرين بمقابل مبلغ ضئيل. المدير العام يستطيع أن يسهل ذلك، والآن. أما الأب فبإمكانه أن ينام في المنظمة مع الخفير، وأن يعمل نهارا في غسيل السيارات في وسط الخرطوم طالما كان يستطيع أن يحتفظ بملابسه نظيفة ولا يتردد على المزابل وأوكار المتشردين الآخرين، ويمشط شعره بالمشط عندما ينمو له شعر. وهو لحسن الحظ - على حسب إقراره - لا يتعاطى المخدرات أو المكيفات، ومستعد لترك الدجل والشعوذة. لكن بقا كان له رأي آخر، وهو: أن نجعل منه نجما.
Página desconocida