Sociedad Civil y Cultura de la Reforma: Una Visión Crítica del Pensamiento Árabe
المجتمع المدني وثقافة الإصلاح: رؤية نقدية للفكر العربي
Géneros
والغريب أن دعاة هذا الرأي جميعا هم أعلى الأصوات في الدعوة إلى التمسك بالتراث، ولكن تراثهم هم، ويكفي أن نقول إن الغرب - على سبيل المثال - حين شرع في ثورة التحديث لم ينكر ماضيه، ولم يستنكره، بل إن التحديث اعتمد على الولاء الإبداعي للماضي، وليس قطع الصلة به، وهذا هو ما ندعو إليه: إيمان عقلاني نقدي بوحدة التاريخ المصري في اطراده، ومراحله المتعاقبة وصولا إلى العصر الحديث، وإيقاظ الوعي به على نحو موضوعي صادق. (9) علم التاريخ الذي نريده
لهذا لا نريد التاريخ روايات صماء، ولا نثار أحداث، ولا رؤية تصادر على الفهم الموضوعي، فلم يعد التاريخ رواية حدث ولا مجرد تأويل لهذا الحدث من منطلق التسليم به أو الانتقاء الأيديولوجي، بل التاريخ إسقاط العلوم الاجتماعية على الماضي في ضوء حركة مستقبلية، ومن ثم فأهم ما يعني المؤرخ الآن الذي يؤمن بأن التاريخ هو الزمان الوجودي والفعل الواعي للإنسان/المجتمع/البيئة هو فهم التحولات المادية والنفسية التي أثرت بقوة ووضوح على العوامل الإنسانية الحاكمة للحياة، واستكشاف الأطر المعرفية التي جرت في سياقها وعلى ضوئها الأحداث، كيف تشكلت، وكيف تكونت؟ ولماذا؟ وفهم العوامل الأساسية الصانعة للإنسان، منتج التاريخ، وفهم الظروف: البؤس، المجاعات، والتسلط، والعلاقات، والطقوس ... إلخ؛ أسبابها وآثارها على الإنسان/المجتمع، لهذا فإن فهمنا للإنسان المصري منطلقه تاريخية الوجود: الفعل والفكر، ولكننا نتحدث عن نهضة وتغيير، وصحوة وانتماء ... إلخ، ودون تحليل نقدي لمعنى مصر والمصريين في ضوء التاريخ باعتباره ظاهرة وعملية نشوئية تكوينية دينامية نتعامل معها، وباعتباره موضوعا للوعي النقدي، وأداة لإنتاج المستقبل. •••
إنني لست من دعاة الردة، ولا تجاوز مراحل التاريخ أو الافتئات عليها، كما إنني لست من دعاة الإغراق في البحث عن الذات بالمعنى المبهم، أو تصور أن الذات وجود مضى نبحث عنه ونستعيده من بين أطلال الماضي، ذلك لأن الذات القومية وجود متصل وفعالية ممتدة وتفاعلا مطردا، ولا أومن بالتحيز إلى نهج بذاته عند الدعوة إلى البحث عن الذات، أو تعريفها مسبقا، فإن التحيز لغير الواقع الموضوعي والمنهج العلمي، يفضي إلى حجب حقائق تاريخية، ومن ثم يدفع إلى الافتعال، وهو ما نعاني منه، وأحد أسباب اختلال الأنا وقصور الفعل، والتحيز يفضي عادة إلى تضييق مجال البحث عن الهوية الثقافية وحصره دون مقتضى في أي من الدوائر النظرية الثلاثة: الدينية أو القومية أو الإقليمية بالمعنى اللاتاريخي، وواقع حالنا اللاتاريخي حافل بمحاولات افتعال صورة للذات ليست هي الحقيقة، وإنما إشباع لهوى طغى، والتزام أو انسياق، أو لنقل انصياع لمحورية هي بطبيعتها منافية للعلم، حينا محورية أوروبية خضوعا لهيمنة الفكر الأوروبي، وحينا محورية ذاتية تمثل أيديولوجية ماضوية ضيقة الأفق تنطوي على ردة إلى واقع محدود هو أيضا لاتاريخي وغير دينامي، ونحن في جميع الأحيان نردد الوافد بعد اقتلاع الجذور.
إننا في مصر باعتبارنا دائرة لواقع له تاريخه وامتداده العضوي والفكري الأفريقي والعربي والمتوسطي بحاجة إلى التزام منهج التحليل والتركيب لتحديد صورة الذات التي تولدت في تعاقب زمني حضاري صعودا أو هبوطا، وأسهم هذا كله بإيجابياته وسلبياته في صياغة تراث نحن في مسيس الحاجة إلى دراسته سوسيولوجيا، وإن سبر أغوار نفسنا الاجتماعية، أو وعينا أو تراثنا الواعي وغير الواعي لا يكون إلا باعتراف منا بالبعد الزماني وبالفاعلية والتفاعلية أو الانفعالية الإنسانية في التاريخ، والنفاذ إلى البعد الزماني يعني نفاذا إلى العمق النابع من دراسة المجتمع باعتباره تجمعا ديناميا لقوى تعبر عن ذاتها وتتجلى في صيرورة مطردة ومتصلة، الكشف عن البعد الإنساني في التاريخ وعاء التراث باعتباره امتدادا، ولن يكشف لنا هذا غير فهم العمليات الاجتماعية والمؤسسات الاجتماعية في الزمان.
وفي هذا الاتجاه تضع الدراسات النقدية المعاصرة عناصر فلسفة جديدة هي فلسفة تحرير ووفاء أو رد اعتبار للإنسان الأفريقي، وهدفها هو تحرير أنفسنا وتحرير أوروبا وكل أصحاب الأقنعة الأيديولوجية من أخطاء التاريخ ومن ممارسات غير موضوعية، بل عنصرية وعرقية.
ولا ريب في أن هذه الدراسات - شأن كل الأعمال التي تتصف بجرأة الريادة - قد تشوبها بعض المآخذ من حيث التأويل أو الاستنتاجات على الرغم من صواب جزئيات المعلومات، من ذلك مثلا أننا لا نستطيع أن نقول إن الثقافات، شأنها شأن الجوامد في حركتها تنتقل من مجتمع إلى آخر، أي من بيئة إنسانية واجتماعية وطبيعية إلى بيئة أخرى انتقالا آليا فتكون نسخة طبق الأصل على مدى الحياة المغاير، دون أن تظهر عليها بصمة البيئة الجديدة، خاصة إذا كانت بيئة نشطة ولها عناصر تميزها وتفردها، ولها مجالات تفاعلها، هذه وغيرها من قضايا علمية تجعل إشكاليته منطلقا لدراسات مهمة «وجادة» وموضوعية التماسا للحقيقة، فالسبيل الوحيد إلى النهوض هو التفكير والعمل من خلال الحقيقة، حقيقة التاريخ وحقيقة الواقع الراهن هداية صائبة لخطونا نحو مستقبل نحن صناعه.
المراجع
(1)
الحضارة الغربية .. الفكرة والتاريخ، تأليف توماس سي باترسون، ترجمة شوقي جلال، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2001م. (2)
التنمية حرية، تأليف أمارتيا صن، ترجمة شوقي جلال، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة، الكويت، 2004م. (3)
Página desconocida