في القارب على سطح الماء والليل مفرود على الوجود.
ليس فيما حولي من حسيس، بل كان شيء ساكت ساكن وتجري إلى جانب قاربي القمر والنجوم النائمة على الأمواج الخفيفة، ثم تحجبها السحب وهي تطلب من بينها منفذا كأنها تحس بعظيم شوقي لها، وما تكاد ترى أضيق سم في تلك الحجب حتى تبعث لي منه قبلاتها.
والبحيرة البديعة تحوطها الجبال والشجر، ناعسة تحت ستار الظلمة، كل شيء في تلك المملكة الصغيرة ذاهب في أحلامه وأنا والقمر متناجيان: وهناك هناك من أعلى الجبل عين ترقبنا جميعا، وتطلع على خفايا ما يدور في نفوسنا، نور ضئيل معلق في السماوات.
تلك بحيرة ليمان، هي ليمان الجبال وسجن الأحلام اللذيذة، هي المرآة تضم على سطحها كل ما في الوجود من إبداع وتبعث به للناظرين.
ثم يقف قاربي وإلى جانبه مجدافاه، وأنظر أنا للقمر الهائم، كم ناجى ذلك الوجه الشاحب محبيه، وكم سهر الليل صاحبه من أجلهم.
مغرور الإنسان أن يحسب أن جنسه وحده القدير على الحب، كل شيء للحب أطوع من يده إلا هو، هو أقسى الموجودات وأضلها في طريقه، وهاته العوالم الكثيرة والكواكب العديدة أليست هي الأخرى هائم بعضها ببعض.
لم تتطلع هاته النجوم البعيدة للأرض بنظرات عاشقة؟ ولم لا تكون مصلتة النظرات إن كانت صلدة جامدة كما يقولون؟ كل شيء يحب ويجن هدى إلا الكافر لا قلب به.
20 أغسطس
في أيامنا على الأرض لذائذ شتى، نتذوقها وننهل من كل منها حين يحلو لنا، ولكن ألذ هاته اللذائذ، اللذة التي تجعل الحياة سعيدة كلها خالية من الآلام والأفكار السوداء، هي في حياة بسيطة متشابهة يجلس فيها الإنسان لابسا أبسط ما عنده وأكثره ضمانا لحريته، تاركا كل، يدخن سجارته ويفكر في أحلام مختلفة، يتنقل من واحدها إلى الآخر، كلما حلا ذلك له سواء كان بينها مناسبة أو لم يكن، يجلس من غير ما تكلف، وينسى كل ما سواه والماضي والحاضر، لا يفكر في شيء غير هاته الأحلام.
ألذ من هذه حياة أخرى مستوحشة حياة بين جنات الطبيعة وغدرانها إلى جانب محبوب جميل بريء النظرات عذبها، يتكلم ويسكت من غير انتظار المناسبات أو تحين الفرص، بل لأن كلاما جاء في باله أو لأنه سارح في حلو أحلامه، والسكوت حولنا ترق على أوتاره أغاريد ما يحيط بنا من الطير، فيزيد عالم أحلامنا حلاوة ولذة، والغدير ينساب إلى جانبنا هادئا يلعب الهواء على سطحه أحيانا فيبعث فوقه موجات خفيفة لامعة، لا أدري إن كان في الإمكان تحقيق واحدة من هاتين الحياتين أو الأخرى، الناس مشغولون دائما بآمال وأفكار يقطعون بها وقتهم، لا يهمهم أن يكون ذلك لذيذا فيضطرون غيرهم ممن لا يدين برأيهم، ولا يعتنق مذهبهم لشيء من الكد والسعي، ويفسدون عليه كثيرا وينغصون أحلى ساعاته.
Página desconocida