158

Memorias de juventud

مذكرات الشباب

Géneros

6

قيل إن امرأة كان لها صاحب تجلس إليه ويتقاصان الأحاديث، فأراد يوما أن يضحك منها فحكى لها أن السلطان أمر بأن الزوجة يمكنها أن تطلق زوجها، فما لبثت أن سمعت الخبر حتى قامت مسرعة وأخبرت به جماعة من صاحباتها، وما غربت شمس اليوم حتى قررن جميعا تطليق أزواجهن.

سمعت هذه الأحدوثة مرات من رجال ومن سيدات، ويريد كل من قصها البرهان على أن وضع الطلاق في يد المرأة يدعو إلى جعلها تسيء استعماله إلى حد فظيع، فلا يكون أقرب على لسانها من لفظه عند كل صغيرة أو كبيرة تحدث بينها وبين زوجها.

إذا صح هذا فهو لا يمس المشروع الذي نريد أن يكون في قانوننا بشيء، فإنا لم نعط المرأة الحرية في الطلاق إلى آخر درجاتها، كلا بل ولا إلى قليل منها، بل حددنا هذا الحق لها وحصرناه ووضعنا له الضمانات بحيث لا يكون ألعوبة في يد المرأة، وفي الوقت عينه يكون المؤدب الذي يتقي الرجل شره، على هذا فليس لأحد أن يجعل موضع مناقشة للمواد أن المرأة سريعة الغضب أو أنها خفيفة العقل، فإنا لم ندع لها أن تجعل من غضبها سببا في فساد.

هذا من جهة المواد في ذاتها، وأما من جهة تقرير الواقع فلست أرى من السهل الحكم في المسألة بحيث نعطي عنها حكما عاما، وأخيرا كالذي تفيدنا إياه هذه الأحدوثة، وكما يفتكر كثيرون فإنا لم نخبر المرأة بعد في هذا الموضوع، والنظريات كثيرا ما يبين الواقع فسادها إلى حد كبير، كما أن بعضهم يرى العكس من ذلك ويريد أن يكون الطلاق بمجرد إرادة أحد الزوجين في يد المرأة دون الرجل، قال ذلك الكاتب: «الطلاق بإرادة أحد الزوجين تريدون؟ إذن فليكن طلاق المرأة زوجها لا الرجل زوجه؛ إذ أن الطلاق بعض ما يسر به الرجل نفسه في حين أنه للمرأة دواء محزن مؤلم لا تلجأ إليه إلا للضرورة المطلقة» على أنه لا ضرورة للتمسك بشيء من هذا ما دام كل طلبنا ينحصر في نقطة محدودة وبسيطة وظاهرة.

يفكر آخرون ويظهر أن هؤلاء أكثر عددا من الأولين في إخراج الطلاق من يد كل من الرجل والمرأة ووضعه في يد القاضي، فإذا ما اختلفا تخاصما إليه في خلافهما، وله هو إذ ذاك الحكم ببقائهما أو بالتفريق بينهما بمقدار ما تثبت له الأدلة الموضوعة أمامه من كلا الطرفين، وحكمه ككل الأحكام نافذ عليهما.

هذا كلام قد يتفق مع ظاهر القانون، ومن الممكن جدا لأصحابه أن يقولوا إنه يضمن بقاء رابطة الزوجية، ويعطي للعائلة القوة اللازمة لحفظ كيانها؛ وبالتالي لحفظ كيان الأمة، وإن الطلاق يكون معه نادرا مما يجعل الصلة بين المرء وزوجه تصبح على ما يقصد منها شركة الحياة.

كل هذا حسن إذا صح ولكنا مع الأسف نراه غير صحيح ؛ فإنه أولا لا يتمشى بقليل ولا بكثير مع روح القانون؛ إذ القاعدة العامة حرية التعاقد وأن كل شخص مكلف بالقيام بما تعهد به، فإذا لم يقم به كان للقاضي أن يقدر مبلغ الضرر الذي ينتج عن هذا الامتناع في شكل غرامة مالية، وليس في طوقه أن يجبره على سوى هذا؛ وإذن فإعطاؤه حق إرغام المرأة على بقائها مع زوجها أو الرجل على بقائه من امرأته منافاة لروح القانون وللحرية الشخصية.

على هذا فإن ما يظهر على هذه الدعوى لأول نظرة من اتفاقها مع القانون غير صحيح، ولا وجه للاحتجاج بما عند أوروبا؛ فإنهم كما ذكرت قبلا منتقلون من أن عقد الزواج عقد فيه يد الله ولا يمكن حله، في حين أن عندنا حق الطلاق مطلق بيد الرجل يصرفه كما يشاء، وإما أن هذا الرأي يعطي للعائلة قوة فهو تزويق ينجلي لأقل تدقيق؛ إذ لو فرضنا تنفيذ قانون كهذا وحكم قاض ببقاء زوجة كارهة في عصمة زوجها كان ذلك مما يدعوها لإدخال أبناء في العائلة لا حق لهم أن يكونوا فيها، ويفسد بذلك أمرها وينقلب بنيانها وتضعف الروابط فيها بين الزوجين وبين الرجل والأولاد، ويصبح حالها مزريا يستحق الرحمة.

وإن الشكوى التي عمت أنحاء أوربا اليوم من فساد العائلة هي في الواقع نتيجة هذا الحجر على الحرية عندهم؛ فإن المرأة التي لا تجد وسيلة للخلاص من زوجها بالقانون وتسد في وجهها أبواب الفرج، تلجأ إلى حمى غيره حتى تستريح من عنائه، وما أدري إذا كان الحال على هذا عندنا غير أني أعرف أن كثيرات من طبقة العمال والأوساط في الريف يركن إلى شيء يشبهه، فتجد الواحدة منهن من اللذة في خيانة زوجها الذي تكره ما يحرضها على ارتكاب أشياء لم تكن ترضاها من قبل؛ وذلك لتحمله على تطليقها.

Página desconocida