148

Memorias de juventud

مذكرات الشباب

Géneros

ليس ما عندنا في قانون الأحوال الشخصية مأخوذا عن عصر النبي

صلى الله عليه وسلم

وحده ولا من تفسير الإمام أبي حنيفة ولا واحد أو اثنين ممن تبعه من أصحابه، ولكنه يتناول شيئا من كل عصر، ويضم بين مواده أقوال الرسول وأحكام الخلفاء وتفاسير الشراح وقضاء الولاة على مختلف القرون، ولما كانت هذه الأحكام والتفاسير وهي صادرة من بني آدم يخطئون بالطبع ويصيبون، لم تجد نقادة من العلماء في كل جيل يضعها موضع البحث، وتسلل منها إلى عصرنا زيف أكثر مما تسلل إليه من الحق، ودخلت إلى الشريعة التي نستمسك بها أقوال ليس من السهل أن يقبلها العقل ولا أن تسير مع قواعد الدين وأصوله.

من ذلك الزيف الذي دخل إلى قانوننا مواد كثيرة جدا نذكر منها المادة (218) من قانون الأحوال الشخصية التي نصها (يقع طلاق السكران الذي سكر بمحظور طائعا مختارا لا مكرها ولا مضطربا)، ولا أدري أي ذنب على المرأة يوجب انفصالها وأولادها الضعاف عن الرجل ولم يقصد هو من ذلك شيئا، ولقد رأى ذلك أستاذنا الشيخ محمد زيد الأبياني فقال في كتابه (شرح الأحوال الشخصية) صحيفة (297) ما نصه:

والظاهر عدم وقوع طلاق السكران ولو سكر بمحظور؛ لأن الطلاق ليس عقابا له فقط، بل يترتب عليه قطع الزواج المترتبة عليه المصالح الدينية والدنيوية والإضرار بالزوجة وبأولادها منها وبأهلها، فلو أوقعنا طلاق السكران لعاقبنا غير المذنب ممن ذكر وهو غير جائز، فلا يعاقب إلا السكران وعقابه يكون بالحد لينزجر عن مثل هذا ويعتبر غيره.

وقوله هذا موافق لما قال به جمع من الصحابة ووافقهم عليه بعض الحنفية.

لذلك يجب أن لا نجعل أبعد نظرنا ما سطر في قانون الأحوال الشخصية أو بعض كتب الفقه وإن كانت كبيرة؛ لأن مقصد الإنسان الأسمى في الوجود أن يصل إلى الحق حيث يكون وأن يعضده وينصره.

كل الآيات التي وردت في باب الطلاق لم تفرق بين الرجل والمرأة، بل جاءت به على معنى أن لكل منهما حقا فيه، فمن ذلك قوله تعالى:

الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، فلم يجعل هنا شيئا من حصر معنى الطلاق في أيهما، بل جعله على صيغة المصدر حتى لا يكون من معنى الحصر ما يمنعه عن المرأة، ثم لما كانت قوة الرجل على زوجته قد تبلغ الاستبداد أحيانا ويفرط صاحبه فيه، نزلت بقية الآية نصيحة للرجل أن يعامل المرأة بالمعروف إن بقيت معه أو يتركها بالإحسان ومن غير إجحاف إن هي فارقته، وأما الآيات التي نزلت خطابا للرجل وحده كقوله تعالى:

فطلقوهن لعدتهن

Página desconocida