Memorias Geográficas en los Países Sirios
المذكرات الجغرافية في الأقطار السورية
Géneros
27
ولبنان واللكام وسرة الأرض المقدسة في الجبال المطلة على الساحل.»
وكل هذه الفروق في الوضع الطبيعي قد عللت بتتابع الأيام أطوارا تاريخية مختلفة، وكثيرا ما عاش أهل تلك الأنحاء يجهل بعضهم بعضا، فالجبليون يتحصنون في مشارفهم الطبيعية كما في قلاع حريزة، وكذلك أهل المنعطف الشرقي كانوا مبتعدين عن سكان السواحل، وهؤلاء لا يفكرون إلا في سفنهم وبحريتهم ، لا يكترثون لمن توطن السهول الداخلية، وقد أدت بالفينيقيين عزلتهم وحبهم للتفرد أن كل فئة كانت تقصر نظرها إلى قطعة من الأرض ورثتها من أجدادها، فتكتفي إما برأس ساحلي وإما بخليج أو جزيرة، كما ترى في أرواد وجبيل وصيداء وصور، لكل منها استقلالها النوعي؛ ولهذا السبب نرى السوريين منذ أقدم الأجيال «منقسمين إلى عدة طوائف متخاصمة، تسعى كل واحدة منها حتى أصغرها في حفظ منافعها الخاصة، ولا تزال تدافع بالحرب العوان عن قطعة من الأرض، أو بعض فدادين من المزارع أو بعض الأحراج الجبلية، فترى القتال قائما على ساق بين هذه المقاطعات، فيستولى عليها الخراب والدمار، كأن عدوا مغوارا دخل فيها وأعمل فيها السيف والنار.»
28
وإن اعتبرت تاريخ سورية وجدت هذا الإقليم متقسما إلى إيالات منفردة تسكنها العشائر المنفصلة، ففي سورية تعددت رؤساء القبائل وشيوخ الطوائف ورؤساء الربع، فيجد محب المسكوكات والمكاتبات مادة واسعة لدرس آثارهم، لكن المؤرخ يتيه في بيداء أقسامهم السياسية.
وكانت نتيجة هذه الانقسامات الشعبية والتفرقات في الأغراض والأملاك أن البعض وجدوا فيها ما يوافق مطامعهم ويعظم أشخاصهم، لكنها أضعفت القوى وقسمت الكلمة، وهذا ما نراه في تاريخ سورية في أقدم الآثار، تشهد عليه مراسلات تل العمارنة التي ترتقي إلى المائة الخامسة عشرة قبل المسيح (اطلب تسريح الأبصار، ج1، ص71-79)، فيؤخذ من هذه المكاتبات أن دولا عديدة كانت تتزاحم مذ ذاك في سورية، منها في السهول، ومنها في الجبال، بل كانت كل مدينة عبارة عن دولة يتحصن فيها أهلها، ويردون غارات الدولة المجاورة، ولو شاء المسافر لقطع في اليوم الواحد تخوم عدة أملاك مستقلة, هذا ما ورثه تاريخ الشام بكثرة التقاسيم الجغرافية والحواجز الطبيعية.
كتبة العرب وجغرافية سورية
ذكرنا في مقالتنا السابقة بطيب الثناء أحد جغرافيي الإسلام «شمس الدين المقدسي»، وليس هو الكاتب الوحيد من العرب الذي ضمن تأليفه الفوائد المتعددة في وصف سورية، وفي نيتنا أن نعود مرارا إلى ذكر هؤلاء الكتبة في أثناء مقالاتنا الآتية عن هذه البلاد، وعليه أردنا أن نفرد لهم فصلا كاملا ليكون القراء على بصيرة من شهاداتهم، ويقدروا كتاباتهم قدرها. ***
الجغرافيون العرب الأقدمون
كان أول فتح سورية على يد القائد الكبير خالد بن الوليد، الذي دخل دمشق بعد أواسط السنة 635 للميلاد، ثم أتم فتح بقية بلاد الشام في السنين التالية، فلما انتشرت العلوم بين العرب في القرن التاسع أخذ كتبتهم في ذكر الشام ووصف محاسنها، وواصلوا هذه المصنفات إلى أواخر القرن الخامس عشر، فمنهم من اتسع في وصفه، ومنهم من اقتصر على بعض الفوائد، فلو جمعت كل هذه المآثر المدونة في زمن لا يقل عن ستة قرون لانذهل الأدباء من وفرتها، والحق يقال: إن كتبة العرب في الأبحاث الجغرافية - كما في غيرها من الفنون - قد خلفوا لنا من الآثار ما لا يجاريهم في كثرته غيرهم من الشعوب. فيتحتم علينا أن نبين شأن هذه التآليف، ونعرف قدرها وما يمكن العلماء أن يستخلصوا من فوائدها. •••
Página desconocida