Muawiya Ibn Abi Sufyan

Abbas Mahmud al-Aqqad d. 1383 AH
74

Muawiya Ibn Abi Sufyan

معاوية بن أبي سفيان

Géneros

وما من تربية ليزيد تصلحه للخلافة بعد هذا «التنعيم» الذي يملي له في شهواته، وهو مقدم على رئاسة قريبة عهد بابن الخطاب بل بابن عفان، فإن الخليفة الثالث - رضي الله عنه - قد أجاز لنفسه من المتعة الدنيوية ما لم يجزه الفاروق، ولكنه لم يحدث نفسه قط باقتناء الخصيان والجواري على سنة القياصرة والشواهين، ولولا تلك الخليقة الأموية التي تمادى بها اتساع الملك في أهوائها وغواياتها، لما فات رجلا - وسط الذكاء - أن هذه التربية لا تعد إنسانا لحياطة الملك المنتزع بالحيلة والحول، قبل استقرار الأمور بين مطامع الأقرباء من العشيرة فضلا عن الغرباء. •••

وكان معاوية ينازع طبعه بين الخليقة الأموية وبين آداب الدين الذي يتولى خلافته، فينزل بنفسه درجات دون منزلة الخلفاء الراشدين؛ لافتتانه بالدنيا واستسلامه لغوايتها، وله أكثر من كلمة في هذا المعنى يقول في بعضها: «إن أبا بكر سلم من الدنيا وسلمت منه، وعمر عالجها وعالجته، وعثمان نال منها ونالت منه، أما أنا فقد تضجعتها ظهرا لبطن وانقطعت إليها فانقطعت لي ...» ويقول في بعضها من خطبة بالمدينة: «إن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما عثمان فنال منها ونالت منه، وأما أنا فمالت بي وملت بها، وأنا ألبنها

16

فهي أمي وأنا ابنها، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم.»

وكأنما كان يشهد على نفسه هذه الشهادة تواضعا من جهة، وتزكية لقدرته على الملك الدنيوي من جهة أخرى، فإن كان الرعية لا يرتضونه قدوة للصلاح والتقوى، فهم مرتضوه مدبرا لشئونهم وقائما على مصالح دنياهم.

ويشعر معاوية بالمنازعة بين الخليقة الأموية وآداب المروءة العربية، كما يشعر بالمنازعة بينها وبين آداب الدين، فإن طالب السيادة يكره أن ينزل في منزلة دون منازل الشرف والكرامة بين قومه، فإن لم يكره ذلك حبا للخلق المأثورة فلعله يكرهه حبا لنفسه، وغيرة على سيادته وعلوه في نظر المكبرين لآداب المروءة، سواء تحلوا بها أو تجردوا منها.

ومن نوادر معاوية في هذه المنازعة المتكررة بين خلائق عشيرته، وآداب العرب عامة أنه جلس يوما مع خاصته يسألهم فيما بقي له ولهم من لذات الحياة بعد ذهاب الشباب، فإذا هي عنده لذات لا تعدو مذاق الشراب السائغ وسروره بالنظر إلى بنيه، ثم نبهه منبه إلى إسفافه هذا، فانتبه ولم يكابر طبعه؛ لأن الأمر وراء المكابرة بإجماع العرف وإجماع الدين.

روى الواقدي أن عمرو بن العاص «دخل يوما على معاوية بعدما كبر ودق ومعه مولاه وردان، فأخذا في الحديث وليس معهما أحد غير وردان، قال عمرو: يا أمير المؤمنين! ما بقي مما تستلذه؟ فقال: أما النساء فلا أرب لي فيهن، وأما الثياب فقد لبست من لينها وجيدها حتى وهى بها جلدي فما أدري أيها ألين، وأما الطعام فقد أكلت من لذيذه وطيبه حتى ما أدري أيه ألذ وأطيب، وذكر مثل ذلك عن الطيب وغيره من مناعم الحياة، ثم قال: فما شيء ألذ عندي من شراب بارد في يوم صائف، ومن أن أنظر إلى بني وبني بني يدورون حولي .

وعطف معاوية سائلا: فما بقي منك يا عمرو؟

قال عمرو: مال أغرسه فأصيب من ثمرته ومن غلته.

Página desconocida