Muawiya Ibn Abi Sufyan
معاوية بن أبي سفيان
Géneros
فعمر بن عبد العزيز - أشبه الملوك في دولة بني أمية بالخلفاء الراشدين - كان كما جاء في أسانيد ابن الجوزي: «رأيته في المدينة وهو أحسن الناس لباسا، ومن أطيب الناس ريحا، ومن أخيل
5
الناس في مشيته، ثم رأيته بعد ذلك يمشي مشية الرهبان.»
واتفق الرواة، كابن عبد الحكم والأصفهاني وابن الجوزي في أطراف من أسانيده، أنه كان يتطيب في شبابه، فينتظر الناس ثيابه عند الغسال ليغسل لهم في موضعها، وأنه كان يرجل شعره ويتبختر في مشيته حتى عرفت له مشية عمرية يحكيها الفتيان والفتيات، وكان يتختم بالجواهر ويلبس الإزار بمائة دينار، ولا يرى مرتين في كساء واحد، وربما تأخر في صباه عن موعد الصلاة لاشتغاله بترجيل
6
شعره، وسأله مؤدبه صالح بن كيسان مرة عن تأخره وهو ينتظره لإقامة الصلاة، فاعتذر له بإبطاء مرجلته - أي: الجارية التي تعنى بترجيل شعره - فغضب المؤدب الصارم، ولامه أن يغفل عن موعد صلاته ليعنى بتسكين شعره.
وما برح الخليفة الصالح في نصب من أمر عاداته هذه حتى أقلع عنها بعد جهد، وآب من ترف المسرفين إلى نسك المتزمتين، وقيل: إنه ترف من بني أمية ونسك من الفاروق؛ لأنه ينتمي من ناحية أمه إليه ...
وعلى هذا الجهد بقيت معه تلك المشية تعاوده، ولا يأمن أن يسهو عن نفسه فيثوب إليها في طريقه، فجعل له قرينا يلازمه ويصفقه بيده كلما هم أن يثوب إليها ... •••
ولا ننسى أن بني أمية عشيرة عربية كبيرة قد تتميز بخلائقها الأموية، ولكنها لا تنفصل عن المجتمع العربي، ولا تشذ عن عرفه التقليدي الذي ترعاه جميع العشائر الكبرى ولو من قبيل المحافظة على المراسم والأشكال، ومن تقاليد هذا العرف أن تروض بيوت الرئاسة أبناءها على نظام كالنظام العسكري، في صباهم وبعد بلوغهم مبلغ الشباب الذي يندب للقتال أو لتصريف الأمور، وسواء اختاروا البادية لتدريب الأبناء على هذه الرياضة، أو عهدوا بها إلى المربين في المدن والدور، فلا ينشأ الناشئ منهم إلا على رياضة من هاتين الرياضتين، وكذلك فعل عبد العزيز بن مروان في تربية ابنه عمر، فاختار له المؤدب الذي يثقفه ويأخذه بفرائض دينه ودنياه، ولما بلغه من هذا المؤدب - صالح بن كيسان - أن الفتى الصغير يتأخر عن موعد الصلاة لاشتغاله بترجيل شعره أرسل إليه من قبله رسولا خاصا، فأمره ألا يكلمه حتى يقص شعره ويبلغه غضب أبيه، ولا نحسب أن أحدا من رؤساء البيت غفل عن مثل هذه الرياضة في تنشئة بنيه، ولكنها رياضة تنتهي إلى القدوة البيتية، فلا يبقى لها من أثر أو لا يبقى لها إلا الأثر الضعيف، وكان عبد العزيز يعاقب عمر ذلك العقاب، وهو ينزع في الترف منزعا لا يستطيع ابنه - وإن أسرف - أن يذهب إلى مدى أبعد من مداه، فاقتنى الدور في مصر وجملها بالأثاث الفاخر، وجعل يهديها إلى أبنائه وذويه، واشترى أرض حلوان بعشرة آلاف دينار؛ ليقيم عليها قصره المنيف الذي موه جدرانه بالذهب، وأنفق على فراشه وأثاثه عشرات الألوف، وكان له كل يوم ألف جفنة للقرى بدار الضيفان، وكانت أيامه كلها كأنها أيام أعياد كما جاء في معجم البلدان:
كل يوم كأنه عيد أضحى
Página desconocida