Fundador del Egipto Moderno
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Géneros
وقد غاضت موارد مصر وتلاشت بسرعة في عصر هؤلاء المحاربين السخفاء؛ فالترع التي لم يكن للزراعة حياة بدونها أصبحت مسدودة بسبب الإهمال، وبينما كان العمران يتلاشى في المدن كانت الصحراء تطغى على الجهات التي كانت يوما ما آهلة بالسكان. ثم إن الإسكندرية تدهورت إلى مدينة صغيرة لا يزيد عدد سكانها على 5000 نسمة بعد أن كانت ميناء عظيمة زاهية بتجارتها ومصنوعاتها. وكثيرا ما شن البدو الرحل الغارة على الجهات المسكونة، ولم يكن يخطر لأية قافلة من القوافل أن تقطع الطريق من السويس أو القصير إلى القاهرة في أمان إلا إذا كانت مصحوبة بقوة كبيرة من الحرس العسكري، وبالجملة فإن مصر في عهد المماليك كان مثلها كمثل السند في عهد الأمراء المغول سواء بسواء.
وقد أدى ظهور الأتراك العثمانيين إلى العدول عن طريق التجارة القديمة بين بغداد والخليج الفارسي أو بين الإسكندرية والبحر الأحمر، وهي التي كانت خلال العصور الطويلة وسيلة لنقل الجزء الأكبر من التجارة بين الشرق والغرب. ولكن حوادث الهند في أواسط القرن الثامن عشر اقتضت إيجاد وسائل للمواصلات مع أوروبا تكون أكثر سرعة من طريق رأس الرجاء الصالح.
فمشروعات «دبليه»، وأعمال «كليف»، ومعارك «وارن هاستنجز»، مضافا إليها مسألة المسائل؛ وهي: هل تحكم الهند بحيث يكون الإشراف على تجارتها بواسطة لندن أو باريس، كل هذه الشئون تطلبت اتخاذ قرارات عاجلة وإرسال الإمدادات على جناح السرعة، ومن ثم أصبحت لشئون مصر وسوريا والعراق أهمية عظيمة في نظر الدولتين الأوروبيتين المتنافستين.
وكان من عادة شركة الهند الشرقية الإنجليزية من عهد بعيد إذا أرادت إرسال بريد مستعجل إلى الشرق أن ترسل رسلها برا عن طريق حلب فبغداد، على أن يستقلوا السفن عند رأس الخليج الفارسي، ولكن هذا الطريق لم يكن مأمونا بحال ما؛ بسبب ازدياد القلاقل في «بشلك» بغداد من ناحية، وبسبب غارات القبائل البدوية المتوالية من ناحية أخرى. على أن الطرود التي كانت ترسلها الشركة لم تكن تحتوي على ما يمكن أن يسيل لعاب البدو أو يحرك شهواتهم، ولكنهم حتى وإن اعتقدوا أن الرسول لا يحمل في جعبته قسطا كبيرا من المال؛ فإنه كثيرا ما كان يعن لهم أن يتسلوا بقتل ذلك «الكافر».
ومع أن كثيرا من الطرود وصلت سالمة إلا أن حاملها كان عرضة للقتل أو على الأقل لأن يرغمه البدو على إتلاف أوراقه.
1
على أنه كانت هناك طريق أخرى عدا هذه الطريق بواسطة مصر ثم البحر الأحمر، وكان في اتباع هذه الطريق فائدة لا يستهان بها؛ وهي تقصير مدة السفر في المنطقة التي تقطنها القبائل الرحل من القاهرة إلى السويس. وليس من ريب في أن السفر بهذه الطريق كان يكفل انتظام الطريق وسلامته، بشرط الاتفاق قبل ذلك مع البكوات المماليك في مصر، فلما هبط الرحالة «جيمس بروس» إلى وادي النيل في سنة 1768م وجد علي بك حاكم مصر الفعلي رافعا راية العصيان علانية ضد الأتراك وشديد الميل لمصادقة «الكفار»؛ ليأمن بمساعدتهم له شر الاعتداء التركي، وقد كان من الذكاء، بحيث أقول بأنه سيتمكن بتشجيعه التجارة من زيادة إيراداته. وسرعان ما وجدت اقتراحات بروس المؤيدة من التجار الطليان المقيمين في الإسكندرية ظهيرا في الاقتراحات المقدمة مباشرة من القباطنة الإنجليز الذين رءوا تدهور التجارة في البحر الأحمر، فتصوروا أنهم قد يجدون لبضائعهم الواردة من البنغال سوقا رائجة في القاهرة.
وكان لعلي بك من الاهتمام بالموضوع أنه بعث بخطاب إلى ولاة الأمور الإنجليز في البنغال، مقترحا عليهم أن يفتحوا طريقا للتجارة مع السويس رأسا، وتحدى أوامر السلطان بأن لا يسمح لأي سفينة مسيحية بالاقتراب من الموانئ الواقعة في شمال جدة.
2
وعندما أصبح «وارن هاستنجز» حاكما لقلعة وليام في سنة 1772م أدرك فورا بثاقب رأيه ما عسى أن تفيده البنغال من قبول الاقتراحات المذكورة، وقد أرسلنا فعلا بإرشاده عدة قوافل تجارية، وهكذا إلى أن عقدت اتفاقية مؤقتة تعهد بها خلفاء علي بك بأن يضمنوا سلامة البضائع عند إرسالها من السويس إلى القاهرة.
Página desconocida