وبالغ سرحان في حكي النوادر حتى سقطت قلوبنا من الضحك. ومنصور قد ينفجر ضاحكا ثم سرعان ما يتقهقر إلى قوقعته. •••
اسمعوا ... اقرءوا ... هذا حكم بالإعدام ... هل يقف الإنجليز مكتوفي الأيدي حتى تجتاحنا الشيوعية! •••
بدأ الغناء. بدأ السماع. كالعادة شملني توتر. أجل، إني أستطيع أن أتابع مقطعا أو مقطعين ثم يدركني التشتت والملل. ها هم يهيمون في الطرب. وها أنا أغرق في وحدة. والذي أدهشني حقا أن المدام تحب أم كلثوم كالآخرين. ولعلها لاحظت دهشتي فقالت: سمعتها عمرا طويلا.
وراح طلبة مرزوق يستمع بعمق، ثم مال إلى أذني هامسا: من نعم الله أنهم لم يصادروا أذني!
أما قلاوون فقد أغمض عينيه وراح يسمع أو راح في سبات. استرقت النظر إلى زهرة فوق مقعدها عند البارفان. جميلة حقا ولكن هل تسمع؟ فيم تفكر؟ أي أمل يراودها؟ هل تحيرها الحياة كما تحيرنا؟ ومضت بغتة إلى الداخل والجميع بالطرب سكارى، فقمت إلى الحمام لألتقي بها في الطرقة، داعبت ضفيرها وهمست: لا شيء أجمل من الطرب إلا وجهك.
جفلت في صلابة فتقدمت منها لأضمها إلى صدري، ولكني توقفت أمام نظرة باردة منذرة. - طال انتظاري يا زهرة!
تراجعت بخفة ثم ذهبت إلى مقعدها. حسن. في سراي علام بطنطا عشرات من أمثالك، ألا تفهمين؟ أم ترين ثقافتي دون الكفاية يا روث الجاموسة؟ رجعت إلى مجلسي. وبتأوهات مفتعلة إعجابا بغناء لا أتابعه داريت غيظي. ثم وثبت بي رغبة ملحة في الجهر برأيي لأكون صادقا مع نفسي ولو مرة واحدة في السهرة الطويلة، ولكني لم أفعل. وفي الاستراحة انتهزت فرصة التفرق المؤقت للمجتمعين، فغادرت البنسيون.
انطلقت بالسيارة إلى كيلوباترا. كان الجو باردا عاصفا ولكنني كنت مشتعلا بحرارة الخمر. قصدت مسكن قوادة مالطية كنت أتردد عليها في ليالي الصيف. وقد دهشت لحضوري بعد انتصاف الليل وفي ذلك الوقت الموحش المقفر من العام. وقالت لي: لا أحد في البيت سواي، ولا أستطيع أن أدعو واحدة الآن.
وقفت أمامي في قميص النوم، في الخمسين أو أكثر، بدينة مترهلة، لا تخلو من مسحة أنثوية، وثمة زغب يعلو شفتها كالشارب. دفعتها إلى حجرتها وهي تقول بدهشة: ما هذا! .. لست مستعدة.
فقلت ضاحكا: لا أهمية لذلك، ولا أهمية لشيء.
Página desconocida