مفسدة للمرء أي مفسدة
ولكني أكره الشعر كما أكره سيرة الشهادات. وشعرت باستعلاء فارس تركماني يعيش بين رعاع. حق قد صقل الحظ بعضهم. نفس الحظ الذي ينفخ شمعتنا لتنطفئ. وقلت لنفسي إن الثورة ظاهرة غريبة مثل الكوارث الطبيعية. وإنني كمن يستقل سيارة فارغة البطارية.
وإذا بشاب جديد يظهر من وراء البارفان متجها نحو الباب الخارجي فدعته المدام للجلوس وقدمته إلينا قائلة: مسيو منصور باهي.
مذيع في محطة الإسكندرية. شهادة عالية جديدة، ووجه وسيم دقيق، ولكنه خلو من الرجولة. وهو أيضا من الرعاع المصقولين. وفي تحفظه ما يغري بلكمه. وقد سألت المدام بعد ذهابه: نزيل عابر أم مقيم؟
فقالت بتيه: مقيم يا عزيزي، أنا لا ينزل عندي العابرون.
ورجعت زهرة من الخارج بحافظة من البلاستيك مثقلة بالبقالة. تابعتها وهي تمضي بنهم. البلد مكتظة بالنسوان، ولكن البنت مثيرة لغرائزي.
فريكيكو .. لا تلمني. ••• - أخيرا وقعت في الحب؟ - طانط .. لا حب ولا هيام .. لكنها فتاة ممتازة .. ومن لحمي ودمي .. وأنا أريد أن أتزوج. - على أي حال فأنت شاب تتمناك أي فتاة. •••
ليلة أم كلثوم متوجة حتى في بنسيون ميرامار. أكلنا وشربنا وضحكنا. خضنا في كل موضوع حتى في السياسة. لكن الخمر نفسها لم تستطع أن تقهر عاطفة الخوف. صال عامر وجدي وجال فحكى على الربابة أساطير مجد لا شاهد عليها إلا ضميره. صمم الرجل الخرب على إقناعنا بأنه بطل قديم، وإذن فلا يوجد إنسان عادي في هذه الدنيا اللعينة. كذلك لا يوجد فرد واحد غير متحمس للثورة. حتى طلبة مرزوق، حتى حضرتي. علينا بالحذر. سرحان منتفع ومنصور غالبا مرشد، حتى العجوز فمن يدري، والمدام نفسها لا يبعد أن تكلفها جهات الأمن بنوع من المراقبة. ولما جاءتني زهرة بزجاجة صودا سألتها: وأنت يا زهرة .. تحبين الثورة؟
فقالت المدام: أوه .. انظر إلى الصورة المعلقة في حجرتها!
هل أعتبر ذلك إذنا بالتسلل إلى الحجرة؟ ورغم أن الويسكي صهرنا في بوتقة ألفة حميمة إلا أنني شعرت بأنها عابرة، وستظل عابرة. لن تقوم صداقة حقيقية بيني وبين سرحان أو منصور. مودة عابرة ستمضي كما مضت البنت التي التقطتها من بوفيه مترو. وقلت لنفسي إن علي أن أجد عملا أفرغ فيه طاقتي وأملأ به وقتي، وإلا تعرضت لأن أرتكب حماقة خرقاء أو جريمة قتل تناسب المقام. ومن المسلم به أنني سأبقى عازبا إلى الأبد كي لا أرتطم بلفظة «لا» مرة أخرى، ولأنه لن توجد الفتاة الكفء لي في مجتمعنا النامي. يمكن بعد ذلك أن أعتبر جميع النساء حريما متنقلا لمزاجي، إلى خادمة ممتازة لملء فراغ شقتي المستقبلة؛ خادمة مثل زهرة، بل هي زهرة بالذات. وسوف ترحب بذلك بكل امتنان. ستمارس مهنة ست البيت مع الإعفاء من متاعب الحمل والولادة والتربية. وهي جميلة، وسوف تروضها حقارة أصلها على تحمل نزواتي وغرامياتي اللامتناهية. وإذن فالحياة مقبولة رغم كل شيء، وواعدة بمسرات لا بأس بها.
Página desconocida