يتوقف الإقرار على الدفع حتى لا يكون صحيحا إلا به إن كان الدفع- إذا وجد- تصديقا للمدعي كما كان قوله باللسان تصديقا. وما ذاك إلا لأن القول صريح، والدفع أمارته. فلم يجز أن يتوقف صحة الصريح على وجود الإمارة. فكذلك هذا في الإيمان والله أعلم.
ووجه آخر: وهو أن الاعتقاد والإقرار معا إيمان بالله ﷿ ونزلا منزلة واحدة. وأما الأعمال فإنها إيمان لله ﷿ ولرسوله ﷺ، والإيمانان جميعا واجبان، غير أنهما متغايران في الحد والحقيقة، فلم يتوقف أحدهما على الآخر لذلك، ولا تغاير بين الاعتقاد والإقرار في حقيقتهما، فاحتيج إلى وجودهما معا ليقع به الجمع بين ظاهر الإيمان وباطنه والله أعلم.
فإن قيل: إن كانت الأعمال إيمانا لله ﷿، فهل وجدتم في كتاب أو سنة إيجابهما بهذا الاسم؟ فإن كنتم لم تجدوه، فليس علينا أن نقبله منكم بلا رهان.
فالجواب: إنا وجدنا ذلك لأن الله ﷿، أخبر عن قوم نوح ﵇: ﴿أنؤمن لك واتبعك الأرذلون﴾ قدمهم بذلك، فدل ذلك على أن نوحا ﵇ كان يدعوهم إلى أن يؤمنوا له فيمتنعون ولولا ذلك لما جادلوه بأن يقولوا له: ﴿أنؤمن لك واتبعك الأرذلون﴾، ولا ذم الله تعالى ذلك منهم إذ قالوه. وهكذا قوم موسى ﵇: ﴿فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا﴾ فدل ذلك على أن موسى وهارون ﵉ كانا يأمرانهم أن يؤمنوا لهما. وإذا ثبت ذلك في غير شريعتنا، وكانت الشرائع كلها متفقة على أنها أعمال وقع التعبد بها. صح أنا من حيث أمرنا بها مأمورون بالإيمان لنبينا ﷺ. فصح لنا ما قلناه من هذا الوجه.
فإن قيل: ما أنكرتم أن معنى قولهم: "أنؤمن لك، أنؤمن بك، وكذلك معنى أنؤمن لبشرين مثلنا، أنؤمن ببشرين مثلنا!
قيل: ليس كذلك! لأن قوم نوح لما قالوا: "أنؤمن لك، وصلوا ذلك بقولهم:
1 / 32