لا يكمل لنقص الإقرار السابق إذ كان المكره لا يتكلم به لما تحته من المعنى، وإنما يتكلم به لأنه محمول عليه بعينه، فلا يخلص نفسه إلا به. فأوجب ذلك إهدار كلامه حتى إذا هدر كان دوام الإيمان بالاعتقاد وبما تقدم من الإقرار الذي سلم عما ينقصه ويرفعه لا بالاعتقاد وحده، والله أعلم.
فإن قال: الإقرار عمل بإحدى الجوارح الظاهرة، فهو كالصلاة والصيام والحج والجهاد. ومعلوم أن كافرا لو أسلم وقت صلاة أو قبل الفجر من ليلة من ليالي رمضان، أو في وقت قد وقع النفير، لم يتوقف انتقاله عن الكفر وبراءته منه، على فعل ما قد وجب من هذه الأعمال. فكذلك الإقرار شبيه بها، فكان حكمه حكمها!
فالجواب: أن الاعتقاد يتوقف عن الإقرار لأن المقدمة هو المعتقد، والذي يجري على اللسان من الإيمان هو الذي يخطر على القلب ويعقد عليه. وإنما يفرق بين الأمرين الأدلة والوصف، فإن أحدهما يفعل باللسان، والآخر بالقلب، وأحدهما يظهر والآخر لا يظهر. وأما العمل نفسه، فإنه متفق غير مختلف ولا ممنوع فيوقف الاعتقاد على الإقرار للجمع بين ظاهر الإيمان وباطنه. وأما سائر الأعمال، فإنها غير المعتقد بالقلب، والمعبر عنه باللسان، وكلها تزد من الاعتقاد والإقرار منزلة الإمارات من الصحيح، لأن كل واحد بين الاعتقاد والإقرار صريح تصديق، ولا يمكن أن يكون فوقهما أشد صراحة منهما. وأما الأعمال الأخر، فإنها أمارات التصديق يعني أنه إذا كان عاقلا لا يخضع بالتقرب إلى من ينكر وجوده، ولا يتحمل الجهد والمشقة الغليظة في تكلف الأعمال وهو لا يثبته. وإن كان يثبته لا يرى أنه موضع رغبة إليه أو رهبة منه، كانت إقامة العبادات المشروعة ممن يقيمها تصديقا بصانعه، وثقة بوعيده ووعيده، وتصديقا لمن أدى إليه عنه، أنه مريد منه ما هو فاعله ومتعرف عليه. فأما أن يكون ذلك صريح تصديق، فلا! فلم تجز إذا وجد الصريح منه أن يتوقف الحكم به على وجود ما هو أمارة. لأن التوقف على الحكم بأقوى الدلالتين انتظارا لوجود أضعفها، لا معنى له، والله أعلم.
ودل على ما قلنا: أن رجلا لو أقر لرجل بمال ادعاه عليه، لأخذ بدفعه إليه، ولم
1 / 31