فهو مرتكب حرام بالإجماع وبنص هذه الآية، حيث يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ أي: بترك الهجرة ﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾ أي: لم مكثتم هاهنا وتركتم الهجرة ﴿قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: من الآية٩٧) انتهى.
وقال شيخنا الشيخ عبد اللطيف _رحمه الله تعالى_ في بعض رسائله، وقد سأله بعض الإخوان عمن كان في سلطان المشركين، وعرف التوحيد، وعمل به، ولكن ما عاداهم ولا فارق أوطانهم. فأجابه بقوله:
إن هذا السؤال صدر عن عدم تعقل لصورة الأمر، والمعنى المقصود من التوحيد والعمل به، لأنه لا يتصور أنه يعرف التوحيد ويعمل به ولا يعادي المشركين. ومن لم يعادهم لا يقال له: عرف التوحيد وعمل به.
والسؤال متناقض _وحسن السؤال مفتاح العلم_ أظن مقصودك من لم يظهر العداوة ولم يفارق، ومسألة إظهار العداوة غير مسألة وجود العداوة: فالأول يعذر به مع العجز والخوف، لقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ (آل عمران: من الآية٢٨) والثاني لا بد منه، لأنه يدخل في الكفر بالطاغوت، وبينه وبين حب الله ورسوله تلازم كلي، لا ينفك عن المؤمن، فمن عصى الله بترك إظهار العداوة فهو عاص لله. فإذا كان أصل العداوة في قلبه فله حكم أمثاله من العصاة. فإذا انضاف إلى ذلك ترك الهجرة فله نصيب من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ الآية. لكنه لا يكفر لأن الآية فيها الوعيد لا التكفير. وأما الثاني الذي لا يوجد في قلبه شيء من
1 / 29