وقال الله تعالى: ﴿يا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ (العنكبوت:٥٦)، قال الإمام محمد بن جرير الطبري في تفسيره على هذه الآية:
يقول _تعالى ذكره_ للمؤمنين من عباده: يا عبادي الذين وحدوني وآمنوا برسولي إن أرضي واسعة، لم تضق عليكم، فتقيموا بموضع منها لا يحل لكم المقام فيه، ولكن إذا عمل بمكان منها بمعاصي الله فلم تقدروا على تغييره فارهبوا منه. وساق بسنده عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ (العنكبوت: من الآية٥٦) قال: إذا عمل فيها بالمعاصي فاخرج منها. وساق من طريق وكيع عن سعيد بن زيد مثله، قال: اهربوا؛ فإن أرضي واسعة. وعن عطاء: إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا. وعنه: مجانبة أهل المعاصي. وعن مجاهد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ (العنكبوت: من الآية٥٦) قال: فهاجروا وجاهدوا. انتهى.
وقد توعد الله _سبحانه وتعالى_ من أقام بين أظهر المشركين وهو قادر على الهجرة ولم يهاجر بقوله _تعالى_: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ (النساء:٩٧_٩٩) قال ابن كثير _رحمه الله تعالى_: "فهذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين،
1 / 28