87

La Minah Makkiyya

Géneros

============================================================

واختلفوا هل كان يتعبد بشرع من قبله؟ والجمهور لا، وإلا. لنقل، ولأنه لو تعبد بشرع أحد.. لظن أنه من أتباعه، ولاحتج أهله به عليه ولم يوجد، وعلى الأول فقيل: بشرع لم يعرف، وقيل: بشرع نوح، وقيل: ابراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى ومعنى : { أن أتبع ملة إبرهير) أي : في التوحيد، وخص؛ لأنه الأب الأقرب المبشر به الداعي ببعثته، مع مدحه له بأنه صاحب الكتاب والحكمة البالغين من كمال التزكية ما لم يبلغه كتاب غيره، على أن المراد: في كيفية الدعوى من الرفق والحلم الذي لم يوجد كماله إلا لإبراهيم، وغايته إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم، وقد آمر باتباع الكل في: فبهدنهم أقتدة} مع اختلاف شرائعهم ، ومع أن فيهم من ليس برسول كيوسف على قول، فتعين أن المراد : أصول التوحيد والأخلاق: فإن قلت : لا يحتاج للجواب عن ذلك ؛ لأن الكلام فيما قبل النبوة ، والذي في الاية بعدها قلت : بل يحتاج إليه كما صنعوه؛ لأن القائلين بأنه كان متعبدا بشرع غيره يستدلون به ناظرين إلى آنه أمر باتباعه فيما لم ينزل عليه فيه شيء، فأمره بذلك بعد النبوة يدل على أنه كان يألفه ويعمل به قبلها، وإلا. فكيف يؤمر باتباع ما لم يعرفه ؟!

قال السراج البلقيني : (ولم يجىء في الأحاديث التي وقفنا عليها كيفية تعبده عليه الصلاة والسلام، للكن روى ابن إسحاق وغيره : أنه كان يخرج إلى حراء شهرا في كل عام يتنسك فيه، وكان من نسك قريش في الجاهلية أن يطعم الرجل من جاءه من المساكين، حتى إذا انصرف من مجاورته.. لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة) اه والظاهر - كما قاله غير واحد - : أن عبادته كانت الذكر والفكر مع إكثاره للخلوة والانعزال عن الناس بحراء وغيره (وهكذا النجباء) أي : ومثل هذا الشأن العلي شأن الكرام، فما بالك بأكملهم وسيدهم على الإطلاق ؟! ويليه في ذلك أبوه إبراهيم صلى الله عليهما وسلم، فإنه اعتزل قومه وانقطع إلى الله تعالى ينتظر الفرج من مولاه، فإن انتظاره عبادة كما في الحديث(1).

(1) أخرجه الترمذي (3571)، والبيهقي في 9 الشعب" (1124)، والطبراني في " الكبير"

Página 87