Desde las Grietas de la Oscuridad: La Historia de un Prisionero cuya Inquietud es que Aún no ha Terminado

Nahid Hindi d. 1450 AH
40

Desde las Grietas de la Oscuridad: La Historia de un Prisionero cuya Inquietud es que Aún no ha Terminado

من شقوق الظلام: قصة سجين أكثر ما يؤرق فيها أنها لم تنته بعد

Géneros

أوقفنا بمواجهة حائط آخر من حيطان كثيرة تأملتنا بصمت وانكسار ونحن ندير قفانا لهراوات في هذه المرة وفي غيرها وهي تنزل على أجسادنا بقسوة تتكسر ولا يرحمها حاملها، يدفعها مهشمة ويسحب أخرى، ومع ذلك كنا لم نزل نملك الجرأة لنسأل أنفسنا والعجب يتملكنا لماذا يحملون كل هذا الكم من الحقد والضغينة لأناس لا يعرفون حتى أسماءهم. أكثر ما في الحروب مدعاة للقرف أن ترى عدوا يحاربك ويفتك بك بأقصى ما عنده من همة ونشاط فقط لكي يستمر هو في الرزح تحت العبودية ليس غير.

زججنا في زنزانة لا تكفي لأن يمتد فيها أحد، وفي آخرها كان يوجد مرحاض ومثل طفل يحظى بلعبة جديدة انتشينا فرحا به. فهذه أول مرة يصبح في قبضتنا مرحاض بعد أن حجزتنا عنه طويلا سلاسل وأقفال وأبواب مصفحة. وسط هذه الدهشة والفرح اغتسلنا بماء وفير نراه لأول مرة أزاح عنا رهق الرحلة المرة. فتحت الأرض ذراعيها، صارت هي الوسادة والغطاء والفراش واستقبلت غفوتنا عليها، تنتظر مخاضا جديدا بالشجى ولن يكون الأخير.

طرقتنا شمس أربعاء حزيراني ولأول مرة على خلاف عادتها معنا بالاحتجاب وراء أسوار المعتقلات، أطلت علينا هذه المرة من نافذة سيارة الدورية التي راحت تشق الزحام وتاهت نظراتنا في الشوارع لتنشر الملح على الجروح وتسقينا مذاق ألم الفراق ممزوجا بدموع تسربت من المآقي بلا استئذان لتروي ظمأ النفوس.

أيتها المدينة التي طالما نثرنا عشقنا لك على أوراق سرية نرسم لوحة جميلة فوق أسوارك التي كانت تخنق أنفاس ساكنيها. في طرقاتك سحنا ولهين نبوح بهوى تيم قلوبنا، همسنا به في آذان من أوشك أن يبلغ سن الرشد ويقع في غرام أحلام الحرية والعيش الرغيد لكل الناس. كنا نخلط كل هذا بخلاصات الكتب وعصارة الأفكار نتبادلها في غرف مزوية صغيرة نرسم مستقبلا جميلا لا نعرف متى يحل أوانه.

إيه أيتها المدينة، ما لك نسيت كل هؤلاء العشاق وأشحت بوجهك عنهم بعيدا، لم لا تقولين للمتسكعين على أرصفتك، إن قيسا المفتون عشقا بك ما عاد يراك إلا من خلف قضبان؟ وأنت أيتها العربة ما لك تندفعين بهذه الخطوات مستعجلة، لا تلتفتين يمينا ولا شمالا، تخوضين في بركة حزن يتطاير منها وحل الأسى فيغطي الوجوه الشاحبة؟ تأني تمهلي تريثي فما بعد هذا الخلاء الواسع هوة من نسيان مجنون. شبحت نظراتنا بعيدا تلتهم كل ما تراه ولم نكن بحاجة إلى نصيحة من ناصح لفعل هذا ومع ذلك لم أقدر على منع نفسي من القول لصحبي: «تمعنوا جيدا وأطيلوا النظر فإنها آخر النظرات، نبوءة عن دهر عصيب قادم أتى بها وحي العذابات المتواصلة.»

بلغنا مبنى قذرا في ثكنة عسكرية لننزل إلى صالة مملوءة بكراس خشبية على شكل أريكة طويلة لا مساند لها، لونها أخضر كأنه مقتبس من لون مخافر الشرطة. المصطبات موزعة في اتجاهات شتى كأعمار الجالسين عليها بلا جامع واحد ولا قاسم مشترك. شيبا وشبانا بملابس مدنية متهرئة وبعضها عسكرية، يجلسون طويلا ينتظرون محكمة لن تدوم سوى دقائق يسيرة. اضمحل الخوف وانمحى الارتياب تماما من قلوبنا وأفعمنا بهمة زائدة تتنفس ثمن الحرية وتهزأ بالظلام. نعم طمأنينة كاملة وسكون شامل حل علينا ولم نعد نبالي بما ينتظرنا.

نزعنا ألبسة التوجس ونحن نتبادل الكلام مع حرس انتشر في كل مكان من القاعة أو مع صحبة من معتقلين آخرين لم نقابلهم من قبل ولا أذكر أني رأيت أحدا منهم بعدها أبدا. ساعات من ترقب ونحن نرى أفواجا تصعد وعندما تنزل تغيب منها وجوه سيقت من باب جانبي إلى قسم الإعدام.

لأول مرة نسمع بمواد في قانون العقوبات ونسأل بعض الحاضرين عنها وعن الأحكام المتوقعة وفقها. فكان واحدا من أغرب الأجوبة التي سمعتها طوال حياتي، إنها مادة قانونية تشمل أحكاما من الإفراج إلى الإعدام!

جواب كان يلخص حقيقة الإجراءات القضائية التي تتم في هذه المحكمة، لا منطق فيها تماما ولا تدري ماذا سيفعل بك لأنك باختصار لا تعرف عن تهمتك شيئا سوى أنك عدو للحزب، للثورة، ولا يوجد أي دليل ضدك على هذا الاتهام سوى الاتهام نفسه.

لحسن حظنا أننا قدمنا للمحاكمة في حقبة جديدة قللت فيها أحكام الإعدام بشكل كبير. في الحقبة الأولى التي امتدت إلى نهاية السنة الثانية من الحرب. كان الإعدام يشمل كل متهم بغض النظر عن السن أو الفعل الذي ارتكبه، أو في الحقيقة بغض النظر عن التهمة التي وجهت له سواء كانت عن وشاية أو نميمة أو اعتراف منتزع تحت التعذيب أراد صاحبه الخلاص منه فأوقعه على غيره ولم ينج منه لا هو ولا صاحبه الذي وشى به. في تلك الفترة الدموية كان من ينجو من الإعدام ثلة قليلة أغلبهم بأعمار دون الثامنة عشرة، بل إن بعض اليافعين كانوا ينقلون إلى قسم طبي في أحد المستشفيات ليعاد تقدير أعمارهم ويرفع سنهم إلى الثامنة عشرة بتوصية من لجنة خاصة ليقدموا بعدها إلى المحاكمة وينفذ بهم حكم الإعدام. لن أقدر أن أقدم عددا دقيقا للذين حكموا بالإعدام في تلك الفترة إنما أقدر أن أقدم صورة يمكن أن تقرب المشهد لمن لا يعرف خبايا محكمة الثورة.

Página desconocida