Del Traslado a la Creación
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
Géneros
ويصف الفارابي المسار الفكري لأرسطو كيف يبدأ وما هو مساره وإلى أي شيء ينتهي، يربط بين الفصول، المتقدم بالمتأخر واللاحق بالسابق. يحيل إلى نفس الموضوع في الفصول السابقة أو اللاحقة. يسير معه خطوة بخطوة. يتابع نشأة فكر وتكوينه، ويعلن بداية القضية ونهايتها. يحول النص الميت إلى فكر حي ويبعث أرسطو من بين الرفات.
ويعمق الفارابي قول أرسطو ويزيده إحكاما ويدفعه إلى أقصى حد له، ويستنتج أكبر قدر ممكن من النتائج فيه.
27
يفهمه ويعذره، ويبين مقدماته ونتائجه وأهدافه ومقاصده. يدخل في عقله أكثر مما يدخل أرسطو نفسه، ويفهم أرسطو أكثر من فهم أرسطو لنفسه كما يعرف الغزالي في «تهافت الفلاسفة» الفلسفة أكثر من الفلاسفة. ويحذر من سوء التأويل الخاطئ لأرسطو مراجعا هذه التأويلات ومصححا إياها. وهي غالبا من عمل الشراح الإشراقيين الذين أخرجوا أرسطو من مسار فلسفته الطبيعية وأرجعوه إلى أفلاطون وهو البيئة الثقافية الغنوصية المانوية التي خرجت منها المسيحية بعد ذلك. وهي الثقافة الشعبية التي يسودها الإشراق ويغيب عنها العقل. يضع الفارابي أرسطو مع أصحاب العلم الطبيعي لأنه فيلسوف طبيعي، وهنا يبدو الفارابي المؤرخ الحصيف للفلسفة القادر على الحكم على المذاهب بالإضافة إلى الفيلسوف العقلاني . تأويل المفسرين لأرسطو تحريف له وإخراجه عن مساره الفكري وميل بمذهبه نحو أحد البعدين الأفلاطوني الإشراقي على حساب الآخر، الأرسطي الطبيعي. يخلص الفارابي قول أرسطو من سوء تأويلات المفسرين قائما بدور القاضي العدل في الحكم بينه وبينهم كما فعل ابن رشد بعد ذلك أيضا في الحكم بين أرسطو والشراح الإشراقيين المسلمين، الفارابي وخاصة ابن سينا. وينتهي الفارابي بالحكم لصالح أرسطو ضد المفسرين. أرسطو بريء من الإشراق، والمفسرون متهمون به. ويصدر الحكم من قاضى هواه مع الإشراق ولكن هواه لا يتدخل في حكمه. تصحيح الوافد وفهمه فهما صحيحا إذن عملية ضرورية قبل تركيبه في الموروث وإعادة إنتاجه من خلاله، ويكون شرح الفارابي هو الأكثر اتفاقا مع أرسطو من تأويلات المفسرين. ويرجع تأويلاتهم إلى أرسطو في النهاية إلى مصدرهم الأول، وسبب أخطائهم هو أنهم يتقولون على أرسطو ما لم يقله، ويقول أرسطو شيئا لم يلتفتوا إليه. كما أنهم يشرحون ظاهر الألفاظ دون معانيها، ويقتصرون على العبارة دون الأشياء التي تشير إليها. وأبرقليس هو نموذج الشراح الإشراقيين الأفلاطونيين الذي يتم تحرير أرسطو منه وكما فعل ابن رشد في تخليص أرسطو من أيدي الإشراقيين المسلمين خاصة ابن سينا، عودا إلى أرسطو وتفسير أرسطو بأرسطو. وأحيانا يكون تحرير أرسطو من جالينوس الطبيب الذي يتهم أرسطو بأنه كثر من القياس حتى يصبح أرسطو ميزان عدل بين الإشراقيين الأفلاطونيين والطبائعيين الأطباء.
28
وللفارابي نظرة كلية للأمور وهو يشرح كتاب العبارة، مدخلا الجزء في الكل. يجمع مؤلفات أرسطو كلها، ويحدد مكان كتاب العبارة فيها. ثم يشرح الكتب بعضها بالبعض حتى يجد في النهاية نسق أرسطو. فنظرا لعدم إحالة أرسطو في كتاب العبارة إلى كتاب المقولات ظن البعض أن كتاب العبارة كتب قبل كتاب المقولات. الفارابي إذن على وعي بترتيب كتب أرسطو وبعلاقة بعضها بالبعض الآخر حتى تنتظم الأجزاء كلها في نسق واحد هو مذهب أرسطو. يشرح أرسطو بأرسطو، ويفسر كتابه بكتبه. ويضع جزأه في كله حتى ينتهي التعجب من هذا الموضوع أو التساؤل والاستفسار عن هذه القضية. فلا معنى للجزء إلا في الكل الذي ينتسب إليه. وفي نفس الوقت يضع الحدود بين كتب أرسطو المنطقية، ويقسم العمل بينها، ويخصص لكل منها موضوعها، ويحيل بعضها إلى بعض ليكمل النسق، ويفسر الجزء بالكل، ويشرح النص بالمذهب كله، ويحدد الصلة بين عناصر المذهب، بين المنطق والطبيعة، وبين المنطق وما بعد الطبيعة بعد أن يحدد العلاقة بين كتب المنطق بعضها بالبعض. بل إنه يربط بين المنطق والهندسة، بين اللفظ والنقطة، الخط والعبارة، القياس والتوازي.
29
ثم يضع الفارابي أرسطو في إطار تاريخ الفلسفة اليونانية خاصة مع نظيره ومقابله أفلاطون. يميز بينهما، وهو الذي جمع بينهما في «الجمع بين رأيي الحكمين». لم يناقض أفلاطون أرسطو أو أرسطو أفلاطون وهو الذي قال: «أحب أفلاطون ولكن حبي للحق أعظم.» ويتتبع القياس وتطوره قبل أرسطو وبعده، واعتبار أرسطو مجرد مرحلة في تاريخ العلم من أجل منظور أعم للعلم اليوناني قبل أن ينتقل إلى العالم الإسلامي. ليس المهم شخص أرسطو بل مساهمته كجزء في تاريخ المنطق اليوناني.
30
بل إن أرسطو أو أرسطوطاليس يكاد ينتهي بشخصه وباسمه فهو صاحب المنطق مما يدل على أن الفارابي لا يشرح أرسطو بشخصه ولكن بمساهمته في تاريخ المنطق.
Página desconocida