أما الكلمة التي هي للقراء، الذين كانوا الليلة البارحة -عندما أرعدت السماء وأبرقت ونزلت على الأرض- كانوا على المقاعد المريحة في الغرف الدافئة فلم يعرفوا ما حال الفقراء في تلك الليلة.
إني أقول لهم:
إن في البلد، في حيِّكم، بين جيرانكم، كثيرات من أمثال السيدة التي كتبت إليّ. وإن في البلد من يرتجف هذه الليلة من البرد في البيوت التي ثلّجها الشتاءُ، لا يلقى جمرة مشتعلة، وإن هنالك تلميذات وتلاميذ، يقرؤون بعيون تزيغ من الجوع والقرّ ويكتبون بأصابع محمرة من البرد. وإن في هؤلاء من لو أُمِدّ بالطعام واللباس وأُعينَ على الدراسة، لكان عبقريًا تعتز بمثله الأوطان وتسمو الأمم. واذكروا أن بين أُجَراء الخبّازين وصِبية المحامين مَن خُلق ليكون من كبار العلماء وأفراد النابغين، ولكن الفقر عطل مواهبه وسدّ أمامه طريق النبوغ، فلم يجد ذكاؤه مسربًا يسرب منه إلا الإجرام.
إن أكثر المجرمين الذين يسكنون السجون كانوا صبية أذكياء، ولكن المجتمع قال لهم: حرام عليكم الدرس والتحصيل لتكونوا من أفذاذ المثقفين، فكونوا -إذن- من أذكياء المجرمين!
إن الذي ينفقه الأغنياء على الترف والسرف، يكفي لتعليم كل ولد في البلدة، وإطعام كل جائع، وإسعاف كل فقير. إن عرسًا واحدًا من أعراس الموسرين الكبار تكفي نفقاته لإطعام عشر عائلات شهرًا كاملًا، وما ينفَق على أكاليل الزهر في الجنائز وطاقات الورد
1 / 32