De la Doctrina a la Revolución (2): La Unidad
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Géneros
50
ويلاحظ في أسطورة التدبير عن طريق التفويض تضخم محمد وتحوله إلى كون ومدبر أول للعالم وواسطة بين الله والخلق. والإمام وريث لمحمد، لإرادته وتفويضه، مما يعطي إمام الجماعة المضطهدة قدرة إلهية، وتمثيلا للحق من خلال النبي. تضخم النبي ناتج من أنه في علاقة قرابة مع إمام الجماعة المضطهدة فقرابة الدم حامل لتفويض الرسالة. ومعروف في تاريخ الأديان أن بولص قال مثل ذلك في المسيح الأزلي الخالد السابق على الكون والخليقة المتحد بالله قبل المسيح عيسى ابن مريم.
51
وهو ما يحدث في كل بيئة يقع الاضطهاد على قائدها، فترفعه وتجعله يند عن كل اضطهاد ويتجاوز كل هزيمة، ويتغلب على كل ظلم. وأقصى درجات الرفع هي الألوهية بما تتصف به من خلود وأولوية على كل شيء، وعزاء وتعويض من كل شيء. ويتضخم الإمام حتى يبتلع الكون كله فيكون الكون هو الشخص، والشخص هو الكون، ويصبح الرسول وأهله السماء، وعلي وأهله الأرض.
52
وكأن التأليه الذاتي للعقائد وحده لا يكفي للتعبير عن العظمة والجلال، فيتحول إلى تأليه موضوعي ولأهله وللكون. وتتضخم ذات العقائد، إماما أو رسولا، وتتجه نحو الموضوع وتتحد به وتتمثله وتحتويه في باطنها. وكلما قوي الإحساس بالهزيمة والضياع اشتد التأليه للشخص حتى يحوي الكون كله. وقد يحدث هذا التشخيص للطبيعة كنوع من إسقاط العواطف الإنسانية على الطبيعة في حالات الهستيريا. فالمجنون يخاطب الأشياء، ويتحدث مع الموضوعات، ويوجه الحديث إلى الكون. قد يكون تشخيص الطبيعة نوعا من آثار الصدمة الأولى التي تلقاها الشعور الجماعي فأفقدته صوابه وأصبح لا يتحدث إلا مع الأشياء كما هو الحال في الديانات البدائية وفي المسرح اليوناني القديم عندما يخاطب البطل الموتور أو الكورس أو الأشياء المحيطة به. (4)
هذه الأولوية للشخص، سواء كان آدما أو محمدا أو عليا أو عيسى، ليست أولوية مادية كونية فحسب، بل هي أيضا أولوية معنوية خلقية. فالشخص هو الإنسان الذي رضي بحمل الأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض والجبال وعلى الناس كلهم أن يمنعن عليا فأبين جميعا ولم يقبل إلا أبو بكره فأمره أن يتحمل منعه. وأعانه عمر غدرا كي يأخذ الخلافة من بعده. وهنا نجد تحويرا للأفكار الدينية وتوفيقا لها مع الظروف النفسية للجماعة. أولا، لم تعد الأمانة كما هو الحال في النصوص الدينية تطبيق الوحي، أي الإيمان بالله وفعل الخير، بل منع علي من القيام بالرسالة. وقد حدث هذا التحوير بالقلب من الضد إلى الضد، من القيام بالرسالة إلى منع القيام بها. ثانيا، بدل أن تعرض الأمانة على الطبيعة وحدها، كما هو الحال في أصل الوحي، عرضت على الطبيعة والبشر معا. فالبشر جزء من الطبيعة، والطبيعة مشخصة. ثالثا، بدل أن يكون الإنسان العام هو الذي يقبل الأمانة أصبح الإنسان الخاص هو الذي يقبلها وهو أبو بكر. فالظروف النفسية للجماعة حولت الأفكار الدينية إلى أسطورة بطريق القلب والتخصيص. (5)
هذا الإمام الكوني تسوده الأهواء والانفعالات، يسر ويغضب، ينافس ويصارع، يمحق ظله في البحر لأنه لا يريد إلها غيره، فهو ليس إلها عاقلا حكيما خلق الكون بناء على نظام وقانون، بل إله منفعل، وكل شيء خاضع لهواه. بل إن انفعالاته النفسية يصاحبها ظواهر جسمية. فهو يغضب ومن شدة غضبه يعرق بدنه. وهذا طبيعي بما أن هذه الصورة من خلق الشعور الانفعالي الذي هزته الصدمة وأفقدته الهزيمة التوازن النفسي. غاضب لما ألم به من ظلم وعدوان، يصارع الأعداء، ولا يقبل أحدا بجواره؛ لأنه لم يعد يثق بأحد، وهي الصورة التي أصبحت فيما بعد صورة المتسلط القاهر. (6)
والإمام المؤله لا يموت. فكما أنه أزلي لا أول له فهو أيضا أبدي لا نهاية له. وهو ليس وحده خالد، بل يكون أيضا كل من اتصل به أو عبده أو على الأقل البعض منهم، فالخلود يسري بالاتصال وينتشر بالتبعية. كل من اتصل بالخلد فهو خالد، وكأن الإمام يشع خلوده على الآخرين، وتسري عدوى خلوده في جماعته. ليس الخلود صفة خاصة ثابتة، بل هي صفة مشعة. وقد يكون الخلود لأبدان الآلهة، ففي لحظة الموت يرفع الإمام ببدنه إلى السماء، وتحل روحه في بدن إمام آخر. فالإمام خالد بدنا وروحا.
53 (7)
Página desconocida