De la Doctrina a la Revolución (2): La Unidad
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Géneros
46 (1)
يتم الخلق بطريقة كونية خالصة دون أي تمييز بين خالق ومخلوق. فالإمام الإله والكون شيء واحد، خالق ومخلوق معا. الله لا ينفصل عن الأكوان والأشخاص، بل يتجلى فيها كما هو معروف في الديانات البدائية في أساطير الخلق وتفسير نشأة الطبيعة من ذاتها ما دامت الطبيعة هي الله. يبدأ العالم من وحدة واحدة هو الله. كان الله ولا شيء معه، وحدة مجردة خالصة لا انفصام فيها ولا تعدد أو تكثر، خالصة بلا مادة أو تعين. ولما كان على صورة بدن له رأس، يطير ويحط، له ملبس وعلى رأسه تاج، فإن الخلق يحدث بانفصال جزء خارجي عنه وهو التاج، ولكنه جزء فاضل عزيز طبقا لتفاضل الأعضاء، فالوجه أفضل من اليدين، واليدان أفضل من الأرجل، يبصر ظله في البحر فهو والعالم وجهان لشيء واحد، يخرج الكون من بدنه طبقا للصلة الكونية بين بدن الله وبدن الطبيعة. البحران من عرق الله، ومعروف في تاريخ الأديان أن النيل من دموع إيزيس، والعالم جسد المسيح، والكنيسة رأسه. الشمس من ظل بدن الله في البحر، والعالم كله صورة لله أو انعكاس له في الماء. وقد تم الخلق بالكلام لا بالإرادة بمجرد أن تحدث الله باسمه. فالعالم صدى لكلامه ورنين لصوته. وعلى هذا النحو يفسر التجسيم نشأة الطبيعة نشأة أسطورية عندما يتم الخلط بين النفس والبدن، بين الروح والطبيعة، وتتوحد الثنائيات من خلال الإشراقيات، وفي هذه الأحوال تسبق الطبيعة الإنسان، ويخرج الإنسان من الطبيعة، وتكون الطبيعة هي الكون كله علوه وسفليه، ويخرج الجماد من السائل، والسائل من الجماد، الحي من الميت والميت من الحي. الدورة أساس الطبيعة. تتشخص الطبيعة، ويحيا الجماد، وتظهر للأشياء إرادة وعقل، وتتحدث الموجودات، تأبى وترفض، تجادل وتقترح حتى يمحى الفرق بين «الله» والطبيعة والإنسان. (2)
يكشف الخلق الكوني في حقيقة الأمر عن سيكلوجية الاضطهاد. فقد كان الله وحده أي تدمير العالم الظالم باستثناء الله العادل. وتم الخلق بالكلمة، فالكلمة سبب الشهادة. وقد ركز شعراء الجماعات المضطهدة على أهمية الكلمة، وكذلك في تاريخ الأديان، في البدء كانت الكلمة. ويرمز التاج الواقع إلى السلطة السياسية المنهارة، واقعا أو بالتمني، كرغبة مكبوتة، كما تعبر الأسطورة عن قدرية الأفعال، وجبرية المصائر، والقدر المحتوم في مسار التاريخ ليس فقط في الظلم بل أيضا في العدل، أو في الهزيمة وحدها بل أيضا في الانتصار. وقد كانت كثير من الحركات الثورية جبرية بمعنى اتحادها مع حتمية قوانين التاريخ، طبقا لجدل السيد والعبد. كما تبين الأسطورة رفض المعاصي والظلم والغضب من الشرور والآثام، فالوعي ما زال خالصا لم يتزيف بعد بفعل الدولة والنظام القائم. ويشير التعارض بين العذب والمالح، بين النور والظلمة، إلى الصراع بين الحق والباطل، بين العدل والظلم على ما هو معروف في الجماعات الإسلامية المعاصرة التي تمثل جماعات الاضطهاد اليوم.
47
وتكشف الأسطورة في ظل «الله» عن التمايز بين الوجود والظهر، بين الباطن والظاهر، بين الحق والباطل. بين الحقيقة والوهم. أما فردية الإله ووجوده ولا شيء معه فإنها تعبر عن الحكم المطلق والرغبة في التسلط: «لا ينبغي أن يكون معي إله غيري». أما عدم تحمل الأمانة وتخلي الناس عن مناصرة الحق، فإنه وصف لواقع جماعات الاضطهاد. ومن ثم تعبر الأسطورة مرة عن الواقع ومرة عن الحلم، مرة عن مرارة الألم والاضطهاد والهزيمة، ومرة أخرى عن قرب الفرج والفرح والانتصار. وبالرغم من هذه الوحدة الأولى في الخلق، فإنه يمكن التمييز في عملية الانفصال بين طرفين يمثلان الثنائية الخالدة المعروفة في تاريخ الأديان بين الخير والشر، وتشخيصهما في الطبيعة أو في الألوهية. هناك بحر مظلم، والآخر نير عذب، الأول يمثل الشر والثاني يمثل الخير، الأول خلق منه الكفار والثاني خلق منه المؤمنين.
48
وبالتالي يتحول البشر الفانون إلى أنماط أبدية للسلوك البشري تجسيدا للخير المطلق والشر المطلق. (3)
بعد الخلق الكوني يأتي الخلق الشخصي، ويبرز من الكون الشخص الأول كما هو الحال في حكايات الخلق والنصوص الدينية من خلق آدم بعد خلق الكون. ولكن الشخص الأول هنا هو محمد، وهو ظل، أي وهو صورة مجردة قبل أن تتمثل في مادة، وحقيقة خالصة أبدية قبل أن تتعين وتتزمن ثم إرسال هذا الظل إلى الناس قبل إرساله وهو رسول بشري. وهو ما قاله الصوفية فيما بعد عن «الحقيقة المحمدية» التي تشارك في صفاته ووظائفه، محمد الخالد الأزلي السابق على الخلق والتكوين الذي يوجه ظواهر الطبيعة، والذي تنبع منه العلوم والمعارف.
49
وفي أسطورة أخرى يأخذ على الدرجة الثانية بعد آدم. وفي أسطورة ثالثة أن الله لم يخلق شيئا، بل فوض كل ما فعله إلى محمد أو إلى علي، وهو الذي قام بهذه الوظيفة الكونية.
Página desconocida