Muerte del único hombre en la Tierra
موت الرجل الوحيد على الأرض
Géneros
ثم همس وهو يبصق في عبه: اللهم اجعل كلامنا خفيفا عليهم.
ضحك الجميع، وكان أشدهم ضحكا هو الشيخ حمزاوي الذي حاول مرة أخرى أن يذيب الثلج بينه وبين العمدة فهمس في أذنه: نساء أسرة كفراوي يا عمدة معروف عنهم منذ زمن أن عيونهم مفتوحة عن آخرها.
ورد العمدة ضاحكا: عيونهم فقط يا شيخ حمزاوي؟
وانفجر الجميع في الضحك مرة أخرى، وارتفعت القهقهات في الظلمة الساكنة فوق سطح النيل، قهقهات صادرة عن صدور تخففت إلى حد كبير من كآبتها ومرارتها.
حتى العمدة نفسه شعر أنه قد تخلص نهائيا من المرارة التي بدأت منذ اللحظة التي رأى فيها صورة أخيه في الجريدة، وأصبح في غير حاجة إلى السهر أو السمر، فتثاءب بصوت عال، فاتحا فمه مظهرا صفين من الأسنان البيضاء الحادة الطويلة المدببة كأسنان ثعلب أو ذئب، وقال بصوت آمر وهو ينهض ناظرا في ساعته: هيا بنا ...
فأصبح الرجال الثلاثة وقوفا على أقدامهم في أقل من غمضة عين. •••
ساوت بكفها التراب، ملقية بضع قطع من الحجر والزلط في بطن الجسر، ثم اتكأت بذراعها فوق الأرض، وجلست مسندة ظهرها إلى جذع شجرة جميز. سرت في جسدها الساخن رطوبة الأرض، وتسرب إلى عظام ظهرها المرهقة شيء ندي من جذع الشجرة، فأسندت رأسها إليه، ومسحت وجهها فيه، لاعقة بلسانها الجاف لبنه الأبيض كالندى.
ذكرها الجذع بالضرع السخي الدافئ الذي ما إن كانت تلمسه بشفتيها حتى ينسكب اللبن الدافئ في فمها. مسحت بطرف كمها حبة عرق سقطت من منتصف جبهتها فوق أنفها، وامتدت يدها تمسح عينيها، لكنها وجدتهما جافتين فهمست بغير صوت: «الله يرحمك يا أمي.»
رفعت وجهها إلى السماء فسقط ضوء الفجر على عينيها الواسعتين المرفوعتين إلى أعلى كعيني عمتها زكية، فيهما غضب لكنهما غير متحديتين، تطفو عليهما سحابة متحركة كالقلق أو الضياع أو الخوف من المجهول. تاهت عيناها في السماء الضخمة الممتدة فوق رأسها، وانتابتها رعشة حين رأت الأرض تلتحم بالسماء في الأفق البعيد، وقرص الشمس يبرز من بينهما شيئا فشيئا، يلون الحقول والنيل بضوء برتقالي. رفعت طرف طرحتها السوداء وأخفت وجهها قبل أن يسقط عليه ضوء النهار، ونظرت أمامها فرأت النيل هو النيل، والجسر ممتد بغير نهاية. نظرت خلفها ورأت النيل هو النيل، والجسر ممتد أيضا، ولكن في نهايته كانت تعلم أن هناك كفر الطين، وهناك بيتهم الطيني الصغير وإلى جواره بيت عمتها زكية، يواجهه البيت الكبير ذو الباب الضخم والعمدان الحديدية.
كانت تزحف على بطنها أمام البيت في الحارة المتربة، وحين ترفع رأسها ترى الأعمدة الحديدية كالسيقان الطويلة الضخمة تتحرك نحوها وتكاد تسحقها وتصرخ من الخوف تحملها الذراعان الكبيرتان وتشم رائحة أمها كرائحة الجميز، وتناولها أمها حبة جميز تأكلها بنهم والدموع لا تزال في عينيها.
Página desconocida