إنه ليس بنادر فى هذا العصر الحاضر أن يجرؤ بعض الناس فيتحدث عن الرسول- صلوات الله وسلامه عليه-، وعن خطئه- معاذ الله- فى الرأى، وعن إصابته فيه، ويسير هذا البعض فى حديثه أو فى كتابته مستنتجا ومستنبطا وحاكما، وينسى فى كل ذلك:
وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى «١»، وينسى فى كل ذلك:
يُوحى إِلَيَّ، وينسى: «لست كهيئتكم»، وينسى:
لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا «٢» .
وينسى أن بعض المسائل يمكن أن تكون لها حلول مختلفة، كلها صحيحة: بعضها رفيق رحيم، وبعضها عادل حاسم، وأن الله ﷾ قد بيّن للأمة الإسلامية أن رسوله- صلوات الله وسلامه عليه- وهو على صواب دائما- إنما يتخذ الحل الذى يتناسب مع ما حلاه الله به من الرأفة، وما فطره عليه سبحانه من الرحمة، وهو الحل الذى يتناسب مع طابع الرسالة الإسلامية العام:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «٣» .
والله سبحانه ببيانه ذلك فى هذه المواضع التى كان من الممكن أن يقف فيها الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- مع العدالة الحاسمة، فعدل عن ذلك إلى الرأفة الرحيمة ... أن الله ﷾ ببيانه ذلك، إنما يمدح الرسول- صلوات الله وسلامه عليه-، ويبين أن منزع الرحمة إنما هو الغالب عليه، - صلوات الله وسلامه عليه-.
ولم يلغ الله سبحانه اتجاها عاما سار فيه الرسول، ولم ينقض قضية كلية أقرها، - صلوات الله وسلامه عليه-، ولم ينف مبدأ أثبته رسوله، فما كان- صلوات الله وسلامه عليه- يسير إلا على هدى من ربه، وعلى بصيرة من أمره، وقد شهد الله له بذلك حيث قال:
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللَّهِ.. «٤» .
وما فعل الله فى كل ما تمسك به المنحرفون، وتمحك فيه المتمحكون إلا بيان رحمة الرسول، - صلوات الله وسلامه عليه-، ورأفته: أى أنه سبحانه كان يبين فى هذه المواطن فضله- صلوات الله وسلامه عليه- وأنه- كما وصفه سبحانه-: على خلق عظيم، والبون شاسع بين هذه الوجهة الربانية، وبين التحدث عن خطأ وصواب، وأوضاع بشرية يركز عليها ولا يلتفت لسواها.
ولنضرب لذلك مثلا: أن الذين ديدنهم الجدل يتحدثون كثيرا عن قوله تعالى:
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «٥» .
ويقذفون مباشرة بقولهم: أن العفو لا يكون إلا عن خطأ.
ولهؤلاء نقول: أن الأساليب العربية فيها من أمثال هذا لكثير، ومنها قولهم مثلا: غفر الله لك، لم تشق على نفسك كل هذه المشقة؟
_________
(١) سورة النجم: ٣.
(٢) سورة النور: ٦٣.
(٣) سورة الأنبياء: ١٠٧.
(٤) سورة الشورى: ٥٢، ٥٣.
(٥) سورة التوبة: ٤٣.
المقدمة / 8