أبو طالب
وكان أبو طالب - خليفته في الوصاية على النبي - أشبه أبنائه به في جميع خصاله ومناقبه.
والخلاف كثير في إسلام أبي طالب؛ إذ لم يتفق الرواة على إسلام أحد من أعمام النبي غير حمزة والعباس وهما في مثل سنه، والعباس يكبرهما بنحو ثلاث سنوات.
ولكن لا خلاف على حمايته له، وحبه إياه، وصبره على عداوة قريش كلها في سبيل نصرته، ورد أذاهم عنه، وقد لقي في ذلك ما يطيق وما لا يطيق، وعظم عليه الخطب، وأشفق من مغبته عليه وعلى ابن أخيه، فقال له في ساعة من أشد ساعات الحرج: «أبق على نفسك يا بني ولا تحملني من الألم ما لا أطيق.» فحزن النبي وحسب أنه سيخذله، وقال له وهو يهم بمفارقته: «والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته.»
فلم يبرح النبي غير قليل حتى ناداه عمه وقال له وهو حزين لحزنه: «اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا.»
وفي رواية ابن إسحاق: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا، فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان، فقال لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
يا ابن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: «أي عم، هذا دين الله ودين رسله ودين أبينا إبراهيم، بعثني الله به رسولا إلى العباد، وأنت - أي عم - أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه، وأعانني عليه.» فقال أبو طالب: «أي ابن أخي، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن - والله - لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت.»
Página desconocida