وكان الإمام المؤيد بالله - عليه السلام - يخص إبراهيم بمزيد التكريم والتعظيم كما يقتضيه علوه وشرفه، وكان الإمام حريصا على إنزال الناس منازلهم، وكان لا يفارق الحضرة، ودرس على الإمام دروسا نافعة في كل فن، وعلى الشيوخ القادمين من الآفاق والملازمين للحضرة أيضا، فما من فن في الغالب إلا وقد لقي الكملة من شيوخه؛ لأن الحضرة كانت مجمعا للعلماء من الأعارب والأعاجم، ولما اتفق في جهات(1) آنس وما صاقبها(2) من بغي بعض شيوخها، وجهه الإمام إلى تلك الأقاليم لتأديب أهل العدوان بجيش كثيف فيه من عيون الدولة وأعيان المسلمين من يظن فيه الكفاية لذلك، كالسيد العلامة عز الدين ابن دريب الحسني الآتي ذكره، وغيره، فاستصلح السيد أحوال البلاد، وعاقب من يستحق العقوبة، وقبض شيئا من سلاح البغاة، واستقر بالجهة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولما ظهر صيت كرمه /16/ في الأقاليم جاء الناس على اختلاف أنواعهم إليه أفواجا، فأماح(3) المستمنح(4)، وبذل الجزل حتى استأصل الموجود من المال في الجهة، ثم عين للوفد من ثمار ما قد بذرت حتى ضاقت الحال، فعاد إلى القرض فتناول أموالا يجل حصرها، فلما بلغ الإمام استدناه إلى الحضرة، وناصحه مناصحة الأب والأم التي ترأب وناصحه سيدنا العلامة حواري أمير المؤمنين أستاذ العلماء أحمد بن سعد الدين - طول الله عمره - بمناصحة أهل الصدق والصداقة، ولما اشتد المرض بالسيد - رضي الله عنه - قال له القاضي كالمعتذر: بأن تلكم المناصحات وإن اشتدت عباراتها فمصدرها لله - عز وجل - فأجابه السيد بصوت خفي: إني أعد ذلك من الإحسان، وإن ذلك طريق السلف الصالح أو كما قال، وأنشد:
ما ناصحتك خبايا الود من رجل ... مالم ينلك بمكروه من العذل محبتي فيك تأبى أن تسامحني ... بأن أراك على شيء من الزلل
Página 32