[مقدمة المؤلف]
<<وبه ثقتي>> رب يسر وأعن يا كريم.
الحمد لله الذي جعل علماء العدل ورثة الكتاب والسنة ، وهداهم بنبيه -صلى الله عليه وآله وسلم - فبين لهم السبب الموصل إلى رضاه ودخول الجنة، وجعل أقاويلهم عاملة في نحور الظالمين عمل السيوف والأسنة، وأعاذهم في الاعتقاد من شر وساوس الجنة، وأثنى عليهم في كتابه الكريم بقوله <<تعالى>> : [ ]{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}[آل عمران:18] وأحمده على نعمه الجليلة، وآلائه الجزيلة، واستزيده من فضله العميم، وأساله طريقة هادية إلى الصراط المستقيم قائدة لنا إلى سكون جنات النعيم، وسيلة إلى رضاه [ ]{يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}[الشعراء:88،89]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ينجينا بها من العذاب الأليم؛ والصلاة والسلام على من كان إذا مشى في البر الأقفر تعلقت الوحوش بأذياله في الليل البهيم ، وعلى آله الهداة قفاة أقواله وأفعاله أهل التقديس والتكريم وبعد :
Página 56
فهذا مختصر لطيف، وأنموذج تحيف، جمعت فيه المشاهير من علماء مدينة ذمار ، المحمية بالملك القهار، ومن قرأ فيها وحقق في أهل الأمصار، كثر الله عددهم، ووالى مددهم. وأشرت إلى ما وقفت عليه من شمائلهم الرضية، وأحوالهم الجليلة المرضية، وقدمت في الترتيب[7ب-أ] من تقدم في المشيخة أو السن على غيره طالبا من الله تعالى الإعانة والسداد، والتوفيق إلى تحصيل المراد؛ {وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب}[هود:88]؛ ولما رمت ذلك، واستطار القلب شوقا لما هنالك تبركت بذكر القاضي العلامة:
Página 57
[(1 )على بن أحمد السماوي ]
(10311117ه/ 16181704م)
بدر الكمال وكمال البدور، من فاض بحر علمه بالجواهر القليلة النظير في البحور، صدر العلماء الأكابر، ونور أرباب المحابر والمنابر: علي بن أحمد [بن علي] السماوي -رحمه الله- الذماري النشأة والدار.
كان فلكا عليه الشمس تدور، وبحرا إذا غاضت البحار فلن يغيض ولن يغور .
سكن ذمار فهي بلده ومنشأه، درس فيها فنون العلم من: الفقه ، والأصولين ، والحديث، والنحو والتصريف، والمنطق، والمساحة، وغير ذلك؛ وبلغ في العلوم كمالها، ورسخ بمعرفته على كيوانها حتى صار إنسان العيون[5ب ب]، وعين الإنسان.
Página 58
[مشايخه ومقروآته] قرأ الفقه على السيد العلامة: أحمد بن علي الشامي، وعلى غيره، والأصول على السيد العلامة أحمد بن محمد الحوثي، وعلى القاضي: عبد الواسع [بن عبد الرحمن بن محمد] العلفي، والنحو والتصريف على السيد محرم -وهو من علما ء صنعاء ، وعلى العلامة: عبد الرحمن الحيمي ، وفي الفرائض والمساحة على القاضي العلامة: محمد بن صلاح الفلكي رحمه الله؛ وله سماع كتاب البحر على الفقيه: حسين بن علي الشوكاني، وعلى القاضي: محمد بن علي قيس، وعلى الفقيه: أبي بكر راوغ، وشيخ الشوكاني القاضي: سعيد الهبل، والقاضي: إبراهيم بن يحيى السحولي، وشيخ أبي بكر السيد: محمد بن عز الدين المفتي، وشيخ القاضي محمد بن قيس القاضي: إبراهيم بن يحيى السحولي وله سماع كتاب (الثمرات ) على السيد: أحمد بن علي الشامي، وشيخه <<السيد>> : محمد بن عز الدين المفتي؛ وله سماع (التذكرة ) على السيد: حسين بن محمد التهامي، النعمي، وشيخاه السيد: محمد بن عز الدين المفتي[8أ-أ]، والقاضي: أحمد بن يحيى حابس- إلى [باب] (الرهن)، ومن (الرهن) إلى آخرها على القاضي حسين الشوكاني، وشيخاه القاضي: سعيد الهبل، والقاضي: إبراهيم بن يحيى السحولي؛ وله سماع (الأحكام) على أبي بكر راوغ، وشيخه المفتي ؛ وله سماع (أصول الأحكام ) على الإمام المتوكل على الله: إسماعيل بن القاسم عليهما السلام؛ وله سماع(الكشاف ) من أول سورة آل عمران على سيدنا: محمد بن علي العنسي، وشيخه القاضي: عبد الرحمن الحيمي، ومن أول [سورة]الرعد إلى سبحان على: القاضي حسن بن حابس، وشيخه: أخوه القاضي أحمد بن يحيى حابس، ومن []{الذين سبقت لهم منا الحسنى }[الأنبياء:101] إلى سورة النمل على القاضي: محمد بن إبراهيم السحولي، وشيخه القاضي: عبد الرحمن الحيمي، ومن قوله: []{أفمن شرح الله صدره للإسلام }[الزمر:22] إلى: []{إنا فتحنا لك }[الفتح:1] على: القاضي محمد إبن إبراهيم السحولي، وشيخه القاضي: عبد الرحمن الحيمي - هكذا نقلته من خط تلميذه السيد العلامة/ يحيى بن علي الحبسي/ - رحمه الله تعالى - وكتب القاضي: علي - رحمه الله بخطه بعد خط تلميذه المذكور ما لفظه: "الحمد لله وحده صح ما ذكر سماعا للعبد الفقير إلى الله تعالى: علي بن أحمد السماوي -وفقه الله تعالى لما يرضاه- على من ذكر من المشايخ؛ وقد أجزت لسيدي: السيد المقام الأكرم <<الأعظم>> ، عماد الإسلام: يحيى بن علي الحبسي- ما صح لي سماعه -مع أنه بحمد الله تعالى قد قرأها وحققها ،وحصلت بركات ملازمته الفائدة، وأفاد أكثر مما استفاد جزاه الله خيرا، ونفع بعلومه آمين- وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم- بتأريخ يوم الأربعاء <<ثامن>> من شهر محرم الحرام سنة (1093ه).
وكان -رحمه الله- من كبار الشيعة، وذوي الجاهات الوسيعة، ومن الزهد [8ب-أ] والورع في أعلىالدرجات لا يختلف فيه اثنان، ولا يجادل عنه إنسان، ولا يحتاج إلى إقامة برهان [6أ-ب]، كثير الطاعات، والأعمال الصالحات، حليف المسجد والقرآن، كثير الصيام- سيما رجب وشعبان.
Página 60
[من أخذ عنه] وممن قرأ على المذكور ولازمه السيد العلامة: عامر بن محمد بن عبد الله بن عامر ، والسيد العلامة القاسم بن المتوكل على الله إسماعيل -عليه السلام- والقاضي العلامة المتفنن: إسحاق بن محمد العبدي، والقاضي العلامة: (قاسم) بن أحمد الخمري <<الحاكم>> في جهات السودة ، والسيد العلامة/ يحيى بن علي الحبسي/، والسيد العلامة: الحسين بن الحسن بن الإمام القاسم -عليه السلام- فإنه قرأ عليه: في (البيان) و(الشفاء ) و(أصول الأحكام )؛ ولما وصل الإمام المتوكل على الله إسماعيل- عليه السلام- إلى محروس (ذمار ) في سنة تسع وسبعين وألف؛ وصل إليه من رداع السيد العلامة شرف الدين: الحسين بن الحسن- رحمه الله- وكان القاضي جمال الدين من أصحابه الملازمين لحضرته وقراءته.
[الأعمال التي تولاها]
وعرفه الإمام وراجعه؛ فوجده بمحل من الكمال؛ فأعظمه وأبره وأنزله منزلته، وطلب منه المعاونة بالقضاء ولاية عامة؛ فلم يسعد إلا على مشقة، وبعد مراجعة عظيمة، وإلزام الحجة؛ فدخل في ذلك؛ وظهر من جواهر علمه، وكماله ما سارت به الركبان حتى ذكر في أقصى البلاد من مكة والمدينة والهند ، و(جميع) قطر اليمن؛ واعتمدوا عليه واستفتوه؛ وكان مهاب الجناب؛ فبقي في القضاء من سنة: تسع وسبعين وألف إلى سنة أربع ومائة وألف؛ وعذره الإمام الناصر: محمد بن أحمد لأسباب يطول شرحها -خيرة من الله تعالى له- وكأنه كان كالمبتلى بالقضاء؛ فلزم مسجده ، وحاله المعروف، وخيره المألوف على تقوى وقراءة؛ واعتمد الناس على فتواه في جميع قطر اليمن وما أفتى به كان عليه المعول.
Página 61
[مولده ووفاته] وكانت ولادته في سنة إحدى وثلاثين وألف في أول خلافة المؤيد بالله: محمد بن القاسم -رضوان الله تعالى عليهما؛ ووفاته يوم عيد الفطر من سنة سبع عشرة ومائة وألف[9أ-أ]؛ فيكون عمره: ستة وثمانين سنة- (إلى أيام صاحب المواهب: محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم- سلام الله عليهم) ؛ ولم يمرض مرضا يتعذر معه القيام والقعود بل صام شهر رمضان جميعا، وصلى المغرب جماعة؛ فصلى ركعة، وفي الثانية سجد الأولى أو الأخرى، وأبطئ؛ فخرج بعض أولاده من الصلاة وأرقده؛ فإذا قد قبضت روحه الكريمة على تلك الحال؛ وكان عنده جماعة ينتظرون للإفطار في داره؛ فذهب أولاده لإكرام الضيف، وآذنوا الناس بموته، وترك بعد غسله وتكفينه في محل يقرأ عليه القرآن حتى كان الصباح؛ وخرجت العوالم المحمدية لصلاة العيد وهو أمامهم، فكان يوما مشهودا حضره من أهل الذمة فوق ألف نفر يصرخون وينثرون التراب عليهم؛ فرحم الله تلك الغرة المباركة.
قال السيد العلامة عامر بن محمد : ولقد أخبرني من أثق به وتواتر ذلك: أنهم سمعوا في مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هاتفا يقول : رحم الله القاضي السماوي مات في هذا اليوم؛ فأقاموا عليه الصلاة في المدينة، وكذلك في مكة والمخاء وزبيد ، وجهات حضرموت وعدن لما بلغهم وفاته؛ وذلك على مذهب الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- من الصلاة [6ب-ب] على الميت الغائب؛ وقبر -قدس الله روحه- في مقبرة العابد بمحروس رداع وقبره مشهور مزور.
وكان تأريخ وفاته -ماقاله بعض الأدباء في مرثية له - قدس الله روحه-:
Página 62
قاضي القضاة جمال الدين سيدنا .... علي بن أحمد عين المتقين قضى
بعد القيام بشهر الصوم معتقلا .... لطاعة الله لم يستثقل المرضا
نال الكفاف كما اختار العفاف بها .... ومن تورط في لهو بها خفضا
كم مد باعا إلى العلياء سما رتبا .... في الفضل وهو إلى رضوانها قبضا
مثواه في جنة الفردوس مر تقيا .... فأرخوه: ومأوى جاء بيوم رضا
[9ب-أ] (سنة1117ه)
قال في بعض الكتب ما لفظه: "رأيت بخط السيد العلامة صلاح بن الحسين الأخفش -رحمه الله- في بعض كتبه ما لفظه: وصل إلي كتاب من السيد العلامة/ علي بن حسن الديلمي/ يذكر أنه توفي القاضي: علي بن أحمد السماوي- رحمه الله- وكان تأريخ وفاته: وطلب مني نظم ذلك، (فقلت) : ثم كتب أربعة أبيات علق بحافظتي منها هذان البيتان وهما:
لقد عظم الخطب لما قضى ال .... سماوي قاضي العلا نحبه
فصفه بميمون تأريخه .... وأر خ تجده :(خشى ربه)
=1117ه
وإلى موته ساجدا قال الأديب الشاوش: وأشار إلى ذكر تأريخ وفاته ووفاة الشيخ العلامة على الموزعي مؤلف كتاب (تيسير البيان في آيات الأحكام) بقوله:
وكلا الحبين قد أرخته .... (قل علي في جنان الخلد حي)
240 194 683
= 1117ه
Página 63
[(2) أحمد بن محمد الحوثي]
(... 1100ه/ ... قبل 1687م)
السيد العلامة الغرة الشادخة في وجه الشرف الأكمل، والدرة الباذخة في آل النبي المرسل، ترجمان علماء العترة، وإنسان عيون الأسرة: أحمد بن محمد [بن أحمد بن عبد الله بن أحمد] الحوثي -رحمه الله تعالى.
كان عالما جليلا فطنا ذكيا، من عيون الآل المطهرين، ومن أهل الفضل والورع في الدين وخلوص اليقين.
قرأ وحقق ودرس ودقق وتفنن في العلوم أصولها وفروعها ومعقولها ومسموعها حتى صار واحد الزمان، وعين الأعيان؛ وهو أحد شيوخ القاضي علي بن أحمد السماوي -رحمه الله- في الأصول وأحد شيوخ السيد العلامة: الحسين بن الحسن بن الإمام القاسم -عليه السلام- صاحب رداع في النحو والتصريف، وأحد شيوخ السيد العلامة/ يحيى بن علي الحبسي/ - رحمه الله- في أصول الفقه؛ وكانت أخلاقه رضية، وشمائله مرضية.
اشتغل بالتدريس وإحياء معالم الدين حتى أتاه اليقين؛ فرحمه الله من عالم عم نفعه، وبذل في الخيرات وسعه؛ فلقد كان له في العلم السابقة الأولى، واليد الطولى، ووفاته في سنة [.........] .
Página 64
[(3) صالح بن داود الآنسي]
(... 1062ه/ ... 1649م)
الفقيه العلامة صدر العلماء، وأحد شيوخ العلم العظماء [10أ-أ]، ضياء الدين، ورحلة الطالبين: صالح بن داود الآنسي [الحدقي] -رحمه الله تعالى-.
كان في العلم والذكاء الغاية والنهاية؛ محققا في الأصول والفروع، والمعقول والمسموع.
وهو أحد شيوخ السيد العلامة/ يحيى بن علي الحبسي/ - رحمه الله - (وشيخ السيد العلامة/ علي بن حسن الديلمي/ - رحمه الله - وأحد شيوخ السيد العلامة: الحسين بن الحسن بن القاسم - صاحب رداع - في علم الكلام؛ وكان له اليد الطولى في فنون العلم.
وهو الذي اختصر حاشية السيد العلامة: يحيى بن قاسم العلوي التي على(الكشاف ) اختصرها اختصارا عجيبا لم يخل بشيء مما هو متعلق بالأصل، وله: (شرح العقيدة بصحيحية) للإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم عليهم السلام شرحها شرحا في غاية النفاسة، وله سماع (شرح الشفاء ) على: المتوكل [7أ-ب] على الله إسماعيل -عليه السلام- وأجاز له ر وايته، ورواية (الجامع الصغير ) للسيوطي-أيضا- على ما سيأتي في ترجمة العلامة /يحيى بن علي الحبسي/؛ ووفاته -رحمه الله- في سنة[...] .
Página 65
[(4) يحيى بن محمد الشبيبي]
(... 1063ه/... 1650م)
القاضي العلامة تاج العارفين، وقدوة الناسكين، أحد الأعيان المشار إليهم بالبنان؛ يحيى بن محمد بن علي بن معوضة بن علي ، الحودي، المقرائي الشبيبي -رحمه الله-.
كان من علماء الشيعة وكبرائهم، محققا في الفقه؛ وكان له شجاعة، وفراسة.
وتولى القضاء مدة طائلة في ذمار للإمام المتوكل على الله إسماعيل -عليه السلام- وكان عامل ذمار -يومئذ- السيد المقام: عبد الله بن الإمام القاسم عليهم السلام فشكا منه أهل ذمار زيادة التأديب والعقوبة بأخذ المال، واعترضه القاضي، وشكاه إلى المتوكل، وقبح سيرته وتخبطه، ورحل إلى حضرته بنفسه؛ وكان الإمام في جهات السودة ؛ فأجله الإمام وأعظمه، واعترف له بالحق الذي يليق بحاله وجلاله[10ب-أ]، ورجح عزل أخيه: عبد الله بن القاسم؛ وأن يجرى له كفايتة ومن يلوذ به من مواد ذمار.
وعين الإمام عاملا السيد العلامة: أحمد بن هادي بن هارون الهدوي -رحمه الله تعالى؛ وكان من أعيان الزمان جلالة وعلما؛ وكان له خبرة بها لأنه قد تولاها أيام المؤيد بالله: محمد بن القاسم -عليه السلام؛ ولما وصل السيد أحمد إلى ذمار والقاضي: ثقل ذلك على عبد الله بن القاسم -عليه السلام- وأوحشه ما لم يكن يتوقعه؛ فجمع حاشيته ولزم بيته، وأنفق عليهم من مخزونه ما كان حاصلا إلى أن أجحف به الحال، ولم يلبث بعد ذلك إلا أياما يسيرة وتوفي .
Página 66
قال القاضي يحيى بن الحسين في (أنباء الزمن) ما لفظه: في هذه السنة -يعني سنة(1063ه) -مات القاضي يحيى الشبيبي، الذماري، كان المذكور هو الحاكم ببلاد ذمار ، واستمر كذلك مدة من الأعصار، وبلغ من العمر فوق الثمانين -ممتعا بسمعه وبصره- في جميع الأحايين ؛ وكان بسببه عزل فخر الدين: عبد الله بن أمير المؤمنين -عليه السلام- عن ولاية ذمار، ورفع يده عن جميع تلك الأقطار؛ وذلك أنه تنافر هو، والمذكور في تلك الأيام، وسار مغاضبا شاكيا إلى حضرة الإمام -يعني المتوكل عليه السلام- وشدد الشكوى وغلظ الكلام، وقال بلسانه: يا باطلاه من أعمال المنكر -في الملأ الكبير الأعظم-، فتغير الإمام من ذلك الكلام، وحمله على عزل صنوه: عبد الله، وولى بذمار السيد: أحمد بن هارون من بلاد الشام رجل صليب لا يداهن ولا يماري، ولا يحابي ولايجاري؛ فلما استقرت ولايته واستمرت يده قبض على القاضي ذلك الشاكي ما كان يعتاد في الماضي، وقصر عليه من أحواله ما كان خافيا عليه وغايبا؛ فعض القاضي على يديه بالنواجذ وقال: يا أسفا على من تعدينا عليه بالشدائد وهكذا الدنيا تجري على غير اتساق، ولا يحصل في الغالب [11أ-أ] فيها الاتفاق ، لا سيما عمن لم ينظر في العواقب، ويوازي ما بين الحاضر والغائب، ولقد كان يصير إلى القاضي المزبور من الصلات[7ب-ب] الفاضلة على المقررات الجارية، طواري ونفحات لا تزال جارية.
Página 67
ورأيت القاضي -مرة- عن يسار الإمام المؤيد بالله: محمد بن القاسم -عليهما السلام- في حضور قراءة (البحر ) تلك الأيام فوصلوا إلى أجرة القاضي وما يصير إليه من الرزق الجاري؛ فقال الإمام -عليه السلام: تحرم الأجرة له ولا تحل له؛ فقام القاضي على قدميه مغاضبا، طالبا الإذن والعذر عن القضاء جازما؛ فسكته الإمام -عليه السلام- وقال: اقعد وعلينا التمام؛ فقعد في مجلسه، وأعرضوا عن مساءلته.
قال سيدنا العلامة جمال الدين /علي بن حسن بن أحمد الشبيبي/ -رحمه الله- ورأيت كتابا بيد بني دادية من المؤيد بالله: محمد بن القاسم -عليه السلام- تحريضا لأخيه الحسن بن القاسم على الوفاء إلى القاضي يحيى الشبيبي والقاضي إبراهيم حثيث؛ فهما عينا ذمار .
وكان وفاة القاضي يحيى المذكور في سنة ثلاث وستين وألف، وقبر بالقرب من قبر السيد محمد بن قاسم لقمان .
Página 68
[(5) علي بن يحيى الشبيبي]
(... ...ه/ ... ...م)
القاضي العلامة- الذي لا امتراء في فضله، ولا اختلاف في شرفه ونبله- جمال الدين: علي بن يحيى بن محمد الشبيبي -رحمه الله تعالى-.
كان عالما، زاهدا، متورعا.
ولما ولاه الإمام المتوكل القضاء في ذمار ؛ اعتذر المذكور بأنه لا يصلح للقضاء؛ لقصور يده في العلم وحداثة سنه -إرادة منه للخلوص- وإلا فهو أهل لذلك. فقال المتوكل على الله عليه السلام: أنت من بيت علم وورع، وأنا أشترط في الحاكم الورع، وقد عينت عليك ذلك؛ فأسعد، وبقي في الحكومة إلى أن مات مع اشتغاله خلالها بتدريس العلم.
وفي (الجوهرة المنيرة) -سيرة المؤيد بالله: محمد بن القاسم -عليه السلام- ما لفظه: (القاضي، العالم، الورع الكامل، جمال الدين: علي بن يحيى- إليه القضاء في مغارب ذمار ، وفيه أناءة [11ب-أ] وحلم مع الصبر والورع مفيدا في التدريس أطال الله بقاه . انتهى.
واتفقت في حكومته أي أيام توليه القضاء في ذمار قضيتان عتب عليه فيهما المتوكل.
الأولى: أن امرأة ضربت في بيت مشرح ، وكان الضارب لها من أصحاب محمد بن الحسن بن القاسم ؛ فطلبه القاضي علي؛ فامتنع، فحلف القاضي ليخربن بيته، وخرج ومعه جماعة من أهل ذمار لخراب بيت المذكور؛ فتمنع صاحب البيت بالبنادق؛ فحضر الفقيه الفاضل يحيى العتمي وقال: نخرب التجواب إبرارا ليمين القاضي؛ فامتثل صاحب البيت وأخرب التجواب.
Página 69
والثانية: أنه زوج شريفة كانت تحت بيته في ريشة برجل عربي؛ خشية عليها؛كونها غريبة، فاتفق القاضي بالمتوكل على الله -عليه السلام- فعاتبه على عدم إخرابه لبيت مشرح) ، وعلى تزويجه الشريفة بالعربي ، فقال: يامولانا خشيت الفتنة في القضيتين، وإني خشيت الافتتان على الشريفة لضعفها، وعدم الولي؛ وأما عدم [8أ-ب] خراب بيت مشرح ؛ فتركته لئلا تقع فيه فتنة بسبب ذلك تؤدي إلى شغلتكم؛ فقال: أحسنت في الترك، وأخطأت في الفعل؛ وكانت وفاته رحمه الله سنة[....] .
Página 70
[6) مهدي بن علي الشبيبي]
(1038 1107ه/ 1625 1694م)
القاضي العلامة، بدر الزمان، وزينة الأوان: مهدي بن علي بن محمد الشبيبي -رحمه الله تعالى-.
كان عالما محققا في الفروع، مشارفا على غيره؛ وقرأ على شيوخ عصره، واستفاد وأفاد.
وتولى الوقف الغساني للمتوكل على الله إسماعيل، ولم يتعلق بشيء سواه، واشتغل بدرس العلم وتدريسه.
وأخذ عنه: جماعة من جملتهم ولده القاضي العلامة/ أحمد بن مهدي الشبيبي/ وكان حسن الخط، كثير النسخ، نسخ جملة كتب، ومصاحف، ومقدت ؛ ووقف على المدرسة مقدمة معظمة بخطه،وكان معظما عند الخاصة والعامة.
ومولده يوم الخميس ثامن شهر شوال سنة ثمان وثلاثين وألف، ووفاته في عشرين من شهر صفر سنة سبع ومائة وألف؛وتأريخ موته قد غاب وقبره في طة[12أ-أ] وعليه لوح .
Página 71
[(7) المطهر بن محمد الحسني]
( ... بعد1061ه/ ... 1648م)
السيد العلامة زينة الأعلام في نجد وتهامة، واسطة عقد الزعامة: المطهر بن محمد بن علي بن عبد الله [بن] المفضل بن الإمام المتوكل على الله المطهر بن محمد بن سليمان -عليه السلام-.
كان رحمه الله عالما جليلا وسيدا نبيلا، عين من الأعيان وصدرا لأرباب البلاغة والبيان، من خيار العترة الزكية، وأعلام الدولة المتوكلية ، مركونا عليه عنده من مهمات الأمور، كبيرا عند أرباب الدولة في العيون والصدور، باهر الفصاحة، طاهر الجناب والساحة.
أخذ في العلوم عن شيوخ عصره، فصار أمير بلده ومصره، ولم أقف على شيء من أخباره ولا على تأريخ وفاته خلا أني وقفت على كتاب من المتوكل على الله -عليه السلام- إليه بعد البسملة: السيد المقام الأمجد الأوحد حسام الدين المطهر بن محمد حماه الله وأتحفه بشريف السلام ورحمة الله، وبعد: فما تعين على أهل البلاد من مطلبة أو زكاة أو نفاعة أو أدب أو شجار أو غيره وسلموه جعلتم لهم فيما سلموه نظيرا منكم ليكون وجها لهم، وهذا هو الواجب عليكم والعمل على هذا والله يبارك فيكم ويصلح أحوالكم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، شهر جمادى الأولى سنة(1061ه)، وفي أعلاه علامة المتوكل -عليه السلام- المعروفة.
Página 72
[(8) القاسم بن محمد لقمان]
(... (11ه)/ ... 17م)
السيد العلامة العلم المفرد، المحرز لقصبات السبق عن يد -زينة الأعيان: القاسم بن محمد بن لقمان بن أحمد بن شمس الدين بن المهدي لدين الله أحمد بن يحيى المرتضى عليه السلام.
كان عالما جليلا، نبيها نبيلا، حافظا لعلوم الآل، حائطا بمذاهب آبائه مطلعا عليها، صاحب ذكاء وفطنة وقادة، كثير الفوائد، ميمون المقاصد؛ وكان المتوكل على الله اسماعيل يجله ويعظمه.
Página 73
section [بينه وبين المتوكل إسماعيل]
ووقفت على كتاب من المتوكل -عليه السلام- إليه كأنه يحرضه على تشريد المشعبذين المتسمين بالصوفية) -لفظا بلا معنى- وطردهم، والتنكيل بهم، ولفظه بعد -الحمد لله-: الولد السيد الأكرم الأمجد، العلم السامي المعتمد، علم الدين: القاسم محمد بن لقمان؛ أسعده الله تعالى ورفع، وحسم به مواد الضلال وقطع. وسلم عليه سلاما متواصلا ما غاب بدر وطلع، وبعد : فقد عرفتم أحوال الصوفية -أقماهم الله تعالى- الفضيعة، وطرقهم المصادمة للعقول والشريعة، ولا سيما الفقراء منهم الممخرقون ، والطائفة الضلال المتمخلعون، اللآئي يدخلون الأسواق والمجامع، ويأتون من البدع ما يقذي العيون ويصك المسامع، من اللعب بالأفاعي والحشرات، والإجتماع على الملاهي والمنكرات... إلى آخر كتابه -عليه السلام- إذ المراد التنبيه على جلالة صاحب الترجمة.
Página 74
section [منزلته لدى المهدي أحمد بن الحسن]
وكان المذكور من خاصة المهدي أحمد بن الحسن بن القاسم -عليه السلام- مرفوع المكان، معظم الشأن ، يخصه بجزيل الإحسان، ويتحفه بنجائب الخيل لأنه من الفرسان، ومن الكماة الحماة الشجعان [8ب-ب] فكان ملازما له في السفر والحضر، وفي فتح المشرق وظفار والشحر وخنفر ، فأصاب من الغنائم [12ب-أ] شيئا واسعا سوغها له الإمام، وهو خارج عما أتحفه به من نوامي الإكرام؛ وكانت وفاته -رحمه الله تعالى- في اللحي ة في سنة[.....] .
Página 75
section [ذو الفقار وخير ضياعه]
ونقلت من خطه ما لفظه: بسم الله الرحمن الرحيم، من سيرة الإمام الأعظم المهدي لدين الله: محمد بن المتوكل على الله المطهر بن يحيى المظلل بالغمام ما لفظه: ومن كراماته -عليه السلام- اختصاصه بذي الفقار من بين سائر الأئمة الأطهار، صار إليه من آل الهادي بني الأشل.
وكان السيف المذكور مدفونا، قيل: في دعامة من وقت الهادي -عليه السلام-.
وهو يزيد على السيوف في الطول المعتاد بأربع أصابع، وليس بالعريض، وفي متنه ما يشبه العمود الذي في الخنجر، وفي أحد صفحتيه سبع فقرات، وفي الآخر ثمان فقرات، وهي حفر ملوزة لوحظ في أحد الحفر لوزة لجأت مكانها، وهذه الحفر مطليات ذهبا.
وكان المهدي محمد بن المطهر يجاهد به، وكان يحمله له منصور بن حاجب، فلما كان في بعض الأيام انتوله من الشيخ منصور وسله فوجد فيه قطرا من دم أخضر فعجبوا من ذلك، فقال الإمام المهدي: ربما أنه جاهد ممن علم الله سبحانه. قال الواثق المطهر بن المهدي محمد : قال لي الشيخ منصور: اشهد علي بهذه الشهادة. وهذا مما يستدل به على فضل الإمام المهدي محمد، وأن جهاده مرضي عند الله.
ثم بقي هذا السيف مع الإمام المهدي إلى أن توفي قدس الله روحه-.
Página 76