الثامن عشر: أن هذه المقالة لو ثبتت، لكانت بناء على القول بالمصلحة المرسلة، اذ لا أصل لها غير ذلك، وبناؤها على المصلحة المرسلة باطل، لأن المرسل من شرطه أن لا يكون ثبت إلغاؤه، ووصف الكثرة التي فضل بها الثلثين على الثلث ملغى بدليل الآية، لأنها اقتضت أن حرمة الواحد كحرمة الجماعة، وحرمة القليل كحرمة الكثير، لأن الجماعة إذا تمالؤوا على قتل واحد قتلوا كلهم، عذبوا كلهم على ما اقتضاه الحديث السابق آنفا. وإذا كان (26=197/أ) وصف الكثرة ملغى شرعا، فكيف يصح المبني ويبطل ما بني عليه، ولأنها قضية بديعة خارجة عن أحكام الإسلام وأصول الشريعة لم يعهد مثلها في الأولين. قال إمام الحرمين: "وأما التأديب بالقتل لضبط الدول وضبط السياسة لمن عادات الجبابرة، وماحدثت إلا بعد العصر الأول"(¬1).
التاسع عشر: يكفيك من بطلان المقالة، اعني: فساد الثلث في إصلاح الثلثين، أنها لم توجد على هذه الصفة، والموجود منها وهو فساد ثلث الأمة في صلاح ثلثيها تبرأ منه جميع أهل المذاهب. وما نقله إمام الحرمين على أنه زلة، وشنع به ولم يعرفه، وأنكره المالكية على ما سبق.
العشرون: مما يدل على بطلانه، أعني: هذا النقل عن مالك رحمه الله، أعني قول القائل: لابأس بإفساد الثلث في صلاح الثلثين، أن مالكا رحمه الله سئل عن حصن العدو يكون فيه مسلم، ومركب العدو يكون فيه مسلم، قيل: أيجوز أن يحرق ويغرق؟، فقال: لا(¬2)واحد من الحصن والسفينة أقل من الثلث، وكيف يقول بإفساد الثلث في إصلاح الثلثين، ويدعي أنه مذهبه الذي جرت عليه أحكامه مع هذا؟.
Página 151