دفنت جدتي في حفرة سطحية تحت أول شجرة لوز. وقبل أن يغادروا المكان وقف جدي ينظر إلى الأشجار، ويتحسس أوراقها، ويمسح الغبار، وآثار الإسمنت والحجارة عنها، فأمسك أبي يده قائلا: «لا وقت للحنين، هناك صوت دبابة قادمة.»
رغبت جدتي أن يزرع الكرنب في المزرعة الموسم القادم، وكان جدي مترددا، ولكن حين ماتت جدتي زرع الكرنب، وما زال يزرعه إلى يومنا هذا.
محاولة
بعدما حملا جدي إلى ظل الشجرة، كان قفصه الصدري يرتفع، ويهبط بصورة غريبة، تعبا وغيظا مما حدث لمزرعتنا، وما أحدثه الجدار فيها.
قال أبي: «يا أبي خفنا عليك.»
فقال جدي: «لو تركتموني أحطم الجدار، بفأسي، برأسي، هو من قتل مزرعتنا، أمكم لم تمت إلا منه، حين شعرت أنه سوف يبعدها عن أول أشجارها التي زرعناها معا، وسوف تختفي عن نظرها مرضت، وماتت.»
صمت الجميع، وتعرق جدي بغزارة في مشهد أرعبني من فكرة الموت، الخسارة، القهر، الضعف.
التفتنا إلى الجدار في لحظة واحدة بغضب واشمئزاز، كأن الجدار صغر وبدأ يتلاشى. تعلمت آنذاك أنك عندما ترفض شيئا، أو تغضب عليه بحق، يبدأ بالتلاشي والاختفاء من داخلك، مهما كان عظيما ومخيفا في نظر الآخرين . الرفض والغضب أول درجات العقاب.
كل شيء يأتي خطوة خطوة، الصراخ أول الأشياء، المطر أول الشتاء، ولكن هذا الشيء الطويل الإسمنتي جاء دون سابق إنذار.
ظل جديد يستمتع بأرض المزرعة لا يفارقها، ظل ثقيل علينا، يركض ويلعب بين أشجارنا. نحن نكره هذا الظل الجديد القاتم، الذي يمتص معادن ومياه مزرعتنا، ويحبسها.
Página desconocida