وأنت ترى مصعبا لا يأخذ الأمور بالحزم وقوة الشكيمة، ولا يتلافى الشر من أوله؛ فهو يتعرف من صديقه سر المؤامرة التي دبرها له أعداؤه ثم يأبى أن يعد لها ما هو جدير بإعداده من وسائل وقوى.
ويطلب إليه صديقه أن يستنجد بأهل الكوفة - وهو في مثل هذا المأزق الحرج - فلا يقبل له قولا.
وإذا كانت هذه حاله وهو يجابه أشد ساعات حياته هولا وضيقا، فكيف به في أيام رخائه وسلمه؟
وإذا كان غيره يأخذون الأبرياء بالظنة، أفما كان جديرا أن يفحص هذه التهمة ويتعرف صدقها من كذبها على الأقل؟ ولكنه لم يفعل، بل فرط وتهاون فلقي جزاء تهاونه وتفريطه. •••
وقد قلنا في الفصل السابق إن الفرق بين السياستين عظيم جدا، وإن سياسة عبد الملك وأضرابه مبنية على الدهاء والإيقاع وبذل الرشا والمال، حينما نرى سياسة مصعب بن الزبير وأخيه عبد الله بن الزبير قائمة على الاعتقاد بحقهم الشرعي في الخلافة وحب الناس إياهم. ولكن ماذا ينفعهم إقبال الناس عليهم ما داموا لا يستزيدونهم منه ولا يعرفون كيف يستثمرونه ويتعهدونه.
لقد كان عبد الملك - كما كان معاوية - يجعل أمامه هدفا لا يحول عنه. وهو أن يقر الناس ببيعته، فإذا رأى زعيما من زعمائهم تخلف وعصى أغراه بكل وسيلة من وسائل المال والأماني الخداعة، فإذا خدعه أدرك بغيته منه، وإلا لجأ إلى إغراء أنصار هذا الزعيم بالمال وبذل لهم من الوعود والمغريات مثل ما بذل لصاحبهم من قبل.
ألا ترى إلى عبد الملك يكتب إلى «عبد الله بن خازم السلمي» يدعوه إلى بيعته ويطمعه في خراسان سبع سنين.
2
فإذا رأى إصرار عبد الله على الوفاء لخصومه، كتب إلى خليفة «ابن خازم»
3
Página desconocida