والعدل في الإنشاء من الأقوال والأعمال تصلح جميع الأحوال، وهما قرينان قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ ١، وقال في الحديث "من صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم" ٢ إلى آخره.
(٦٠) الأدلة العقلية الشرعية إنما تدل على الحق،
وهذا ظاهر يعرفه كل أحد، لأن الدليل الصحيح لا يدل إلا على حق، يبقى الكلام في أعيان الأدلة، وبيان انتفاء دلالتها على الباطل، ودلالتها على الحق هو تفصيل هذا الإجمال.
والمقصود هنا شيء آخر، وهو أن نفس الدليل الذي يحتج به المبطل هو بعينه إذا أعطى حقه تبين أنه يدل على فساد قول المبطل في نفس ما احتج به عليه، وهذا عجيب قد تأملته فيما شاء الله من الأدلة السمعية، والمقصود هنا أن الأدلة العقلية كذلك.
فأما السمعية فقد ذكرت أمورا مما احتج به الجهمية والرافضة وغيرهم مثل ﴿اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ ٣ وبينت أنها تدل على نقيض مطلوبهم، وهذا مبسوط في الرد على الرازي في كتاب تأسيس التقديس، فإني لم أر لهم مثله، جمع فيه عامة حججهم.
وكذلك احتجاجهم على نفي الرؤية بقولهم له: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ ٤، وكذلك قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ ٥، ونحو ذلك.
وكذلك احتجاج الشيعة بقوله: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ﴾ الآية وبقوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنْزلة هارون من موسى" ٦ ونحو ذلك كما بسط في منهاج أهل السنة. والمقصود هنا
_________
١ سورة الأنعام آية: ١١٥.
٢ الترمذي: الفتن (٢٢٥٩)، والنسائي: البيعة (٤٢٠٧،٤٢٠٨)، وأحمد (٤/٢٤٣) .
٣ سورة آية: ١-٢.
٤ سورة الأنعام آية: ١٠٣.
٥ سورة الشورى آية: ١١.
٦ البخاري: المناقب (٣٧٠٦) والمغازي (٤٤١٦)، ومسلم: فضائل الصحابة (٢٤٠٤)، والترمذي: المناقب (٣٧٣١)، وابن ماجه: المقدمة (١١٥،١٢١)، وأحمد (١/١٧٠،١/١٧٣،١/١٧٤،١/١٧٥،١/١٧٧،١/١٧٩،١/١٨٢،١/١٨٤،١/١٨٥) .
1 / 43