﴿قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ لو اقتصر على الجمع أعرض العاصي عن ذم نفسه، والتوبة من الذنب، والاستعاذة من شره، وقام بقلبه حجة إبليس فلم تزده إلا طردا، كما زادت المشركين ضلالا حين قالوا: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ ١. ولو اقتصر على الفرق لغابوا به عن التوحيد والإيمان بالقدر، واللجاء إلى الله في الهداية، كما في خطبته ﷺ "الحمد لله نستعينه ونستغفره" ٢ فيشكره ويستعينه على طاعته، ويستغفر من معصيته، ويحمده على إحسانه، ثم قال "ونعوذ بالله من شرور أنفسا" ٣ إلخ.
لما استغفر من المانع استعاذ من الذنوب التي لم تقع، ثم قال: "ومن سيئات أعمالنا" أي من عقوباتها ثم قال: "من يهده الله فلا مضل له" إلخ. شهادة بأنه المتصرف في خلقه، ففيه إثبات الصفات الذي هو نظام التوحيد، كل هذا مقدمة بين يدي الشهادتين، فإنما يتحققان بحمد الله وإعانته واستغفاره واللجاء إليه والإيمان بأقداره، فهذه الخطبة عقد نظام الإسلام والإيمان.
(٥١) كون الحسنات من الله إلى عبده
فخلق الحياة وأرسل الرسل وحبب إليهم الإيمان، وإذا تدبرت هذا شكرت الله فزادك، وإذا علمت أن الشر لا يحصل إلا من نفسك تبت فزال.
الثالث: أن الحسنة تضاعف.
الرابع: أن الحسنة يحبها الله ويرضاها، فيحب أن ينعم ويحب أن يطاع، ولهذا تأدب العارفون فأضافوا النعم إليه والشر إلى محله، كما قال إمام الحنفاء ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾ ٤ إلى قوله: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ ٥.
الخامس: أن الحسنة مضافة إليه، لأنه أحسن بها بكل اعتبار، وأما السيئة فما قدرها إلا لحكمة.
السادس: أن الحسنات أمور وجودية متعلقة بالرحمة والحكمة،
_________
١ سورة الأنعام آية: ١٤٨.
٢ الترمذي: النكاح (١١٠٥)، والنسائي: الجمعة (١٤٠٤)، وأبو داود: النكاح (٢١١٨)، وابن ماجه: النكاح (١٨٩٢)، وأحمد (١/٣٩٢،١/٤٣٢)، والدارمي: النكاح (٢٢٠٢) .
٣ النسائي: الجمعة (١٤٠٤)، وأبو داود: النكاح (٢١١٨)، وأحمد (١/٣٩٢،١/٤٣٢)، والدارمي: النكاح (٢٢٠٢) .
٤ سورة الشعراء آية: ٧٨.
٥ سورة الشعراء آية: ٨٠.
1 / 35