يُؤَدِّي كل وَاحِد إِلَى مقْصده وَأَحَدهمَا خلي عَن المخاوف عري عَن المتالف وَالثَّانِي يَشْمَل على المعاطب واللصوص وضواري السبَاع وَلَا غَرَض لَهُ فِي السَّبِيل الْمخوف فالعقل يقْضِي بسلوك السَّبِيل الْمَأْمُون
قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكرُوهُ لَهُ مَا قَالُوهُ فَإِنَّهُ يُعَارضهُ خاطر آخر يناقضه
وَذَلِكَ أَن يخْطر للعاقل أَنه عبد مَمْلُوك مخترع مربوب وَأَن لَيْسَ للملوك إِلَّا مَا أذن لَهُ مَالِكه وَلَو أتعب نَفسه وانصبها لَصَارَتْ مكدودة مجهودة من غير إِذن رَبهَا وَقد يعْتَقد هَذَا الخاطر عِنْده بِأَن الرب غَنِي عَن شكر الشَّاكِرِينَ متعال عَن الِاحْتِيَاج وَأَن تَعَالَى كَمَا يسدي النعم قبل اسْتِحْقَاقهَا لَا يَبْتَغِي بَدَلا عَلَيْهَا فَإِذا عَارض هَذَا الخاطر مَا ذَكرُوهُ قضى الْعقل بتوقف من خطر لَهُ الخاطران
قَالَ وَمِمَّا يُؤَكد مَا قُلْنَاهُ أَن الْملك الْعَظِيم إِذا منح عبدا من عبيده كسرة من رغيف ثمَّ أَرَادَ ذَلِك العَبْد أَن يَدُور فِي الْمَشَارِق والمغارب ويثني على الْملك بِمَا حباه ويشكر عطاءه وينص على إنعامه فَلَا يعد ذَلِك مستحسنا
فَإِن مَا صدر من الْملك بِالْإِضَافَة إِلَى قدره نزير مستحقر تافه مستصغر وَجُمْلَة النعم بِالْإِضَافَة إِلَى قدر الله تَعَالَى أقل وأحقر من كسيرة رغيف بِالْإِضَافَة إِلَى ملك ملك
قَالَ فَإِن أردنَا أَن ينْقض عَلَيْهِم مَا ذَكرُوهُ من وَجه آخر فَرضنَا الْكَلَام فِيمَن لم يخْطر لَهُ الْمُنعم أَو لَا فَنَقُول هَذَا قَوْلكُم فِيمَن خطرت لَهُ الْفِكر وعنت لَهُ العبر فَمَا قَوْلكُم فِي الْعَاقِل الذاهل الَّذِي لم يخْطر بِبَالِهِ شَيْء فَهَذَا قد فقد الطَّرِيق إِلَى الْعلم بِالْوُجُوب وَالشُّكْر حتم عَلَيْهِ
قَالَ وَهَذَا عَظِيم موقعه على الْخُصُوم فَإِن قَالُوا لَا بُد أَن يخْطر الله تَعَالَى ببال الْعَاقِل فِي أول كَمَال عقله مَا ذَكرْنَاهُ فَهَذَا تلاعب بِالدّينِ
فكم من عَاقل متماد فِي غوايته مُسْتَمر على غرته لم يخْطر لَهُ قطّ مَا ذَكرُوهُ
ثمَّ هَذِه الخواطر فِي ابْتِدَاء النّظر شكوك وَالشَّكّ
1 / 101