بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر وأعن يَا كريم
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَأفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم على رَسُوله سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْكَرِيم وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ وَبعد فَهَذَا سُؤال أرسل بِهِ إِلَيّ بعض فُقَهَاء الزيدية مُشْتَمل على بعض الْمسَائِل الخلافية مِمَّا يتَعَلَّق بأصول الدّين وَشَيْء من شبه الْمُعْتَزلَة المبتدعين وَهَذَا لَفظه مَا يرى الشَّيْخ فَخر الْإِسْلَام وسيط عقد النظام وَصدر الْمجَالِس وَنور الحنادس فِي نفي الثَّانِي عَن الله تَعَالَى بِظَاهِر النَّص فِي قَوْله تَعَالَى فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله وَلما يعلم من دين الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم ضَرُورَة هَل هُوَ مترتب على معرفَة الله تَعَالَى أَو معرفَة الله مترتبة عَلَيْهِ فَإِن قلت نفي الثَّانِي مترتب على معرفَة الله تَعَالَى فَمَا الطَّرِيق إِلَيْهَا على مذهبك فَإِن قلت الطَّرِيق إِلَيْهَا السّمع كَمَا تذهبون إِلَيْهِ فَهِيَ مشوشة عَلَيْك من وُجُوه أَحدهَا أَن السّمع مفتقر إِلَى معرفَة الله تَعَالَى وَمَعْرِفَة الله تَعَالَى مفتقرة إِلَى السّمع وَهَذَا دور مَحْض لأَنا لَا نَعْرِف السّمع حَتَّى نَعْرِف الله تَعَالَى وَلَا نَعْرِف الله تَعَالَى حَتَّى نَعْرِف السّمع فَلَا يحصلان وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا فبأيهما نعترف وَمن أَيهمَا نعتذر لعمر الله أَنَّهَا مسئلة مجمجمة الذَّوْق مجمجمة الشوق تعتروها الْعُقُول وتتناحر فِيهَا الفحول فأجب بفتق صميمها وقشر أديمها الثَّانِي أَنما يَصح الِاسْتِدْلَال بِكَلَام الله تَعَالَى مهما كَانَ عدل حَكِيم لَا يفعل الْقَبِيح وَلَا يُريدهُ (قلت هَكَذَا لفظ السَّائِل بِالرَّفْع وَصَوَابه بِالنّصب عدلا حكيما) فَأَما مَا تجوزيكم الْقَبِيح عَلَيْهِ وإرادته بِكُل الكائنات من وُجُوه الْفساد من كفر وظلم وسواه. فَمَا الثِّقَة بِكَلَامِهِ وَمن هَاهُنَا انسد عَلَيْكُم بالنبوات من حَيْثُ جوز شيخكم أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ على الله تَعَالَى إِظْهَار المعجز على الْكَذَّابين وَمَا اعتذر بِهِ شيخكم ابْن الْخَطِيب الرَّازِيّ من
1 / 27
﴿قاتلوهم يعذبهم الله بِأَيْدِيكُمْ﴾ فَهُوَ المعذب الموجد للعذاب. فَمَا أجري على أَيدي السادات الصحاب، وَقَالُوا بِهِ الْمجد وَالثَّوَاب، بالهمم العوالي والاكتساب - وَكَذَلِكَ قَوْله ﷿ لنَبيه الْكَرِيم المبجل ﷺ [قل هَل تربصون بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحسنيين وَنحن نتربص بكم أَن يُصِيبكُم الله بِعَذَاب من عِنْده أَو بِأَيْدِينَا] أَي بِعَذَاب ينزله من السَّمَاء أَو يظهره فِي الأَرْض بِغَيْر وَاسِطَة سَبَب بصاعقة أَو خسف أَو غير ذَلِك مِمَّا بِهِ العطب أَو بِوَاسِطَة أَيْدِينَا رميا وَضرب وطعنا بالقذاء وَيكون هُوَ المعذب. كَمَا قَالَ جلّ وعل ﴿وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى﴾ وَقد صرح بِمَا ذكرنَا من الْخلق وَالْكَسْب قَول الْبَارِي قَالَ ﴿فَإنَّا قد فتنا قَوْمك من بعْدك وأضلهم السامري﴾ فيا لَيْت شعري مَا جَوَاب الْمُعْتَزلَة عَن هَذَا وَأَمْثَاله وماذا عَسى أَن يجيبوا فيا ليتهم فَهموا قَوْله تَعَالَى ﴿ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا﴾ فيرجعوا عَن اعْتِقَادهم الْبَاطِل وَإِلَى الْحق ينيبوا ويتحققوا الْحق فِي قَول الْحق حاكيا عَن الكليم الَّذِي فَضله [فتنا إِن هِيَ إِلَّا فتنتك تضل بهَا من تشَاء وتهدي من تشَاء] وعَلى الْجُمْلَة فَلَيْسَ يُؤثر فِي جَمِيع الْوُجُود إِلَّا قدرَة الموجد لحل مَوْجُود وَلَا يَقع من جَمِيع الْأَشْيَاء فِي ملكه مَا لَا يَشَاء فَلَو لم يرد من أحد عصيانا لما خلق لكل إِنْسَان شَيْطَانا. بل مَا كَانَ يخلق للعتاب نَارا وَلَا يُسَمِّي نَفسه غفارًا.
1 / 28
مرهم الْعِلَل المعضلة فِي الرَّد على أَئِمَّة الْمُعْتَزلَة
1 / 1
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
رب يسر واعن يَا كريم
الْحَمد لله رب الْعَالمين وَأفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم على رَسُوله سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْكَرِيم وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ
وَبعد فَهَذَا سُؤال أرسل بِهِ إِلَيّ بعض فُقَهَاء الزيدية مُشْتَمل على بعض الْمسَائِل الخلافية مِمَّا يتَعَلَّق بأصول الدّين وَشَيْء من شبه الْمُعْتَزلَة المبتدعين وَهَذَا لَفظه مَا يرى الشَّيْخ فَخر الْإِسْلَام وسيط عقد النظام وَصدر الْمجَالِس وَنور الحنادس فِي نفي الثَّانِي عَن الله تَعَالَى بِظَاهِر النَّص من قَوْله تَعَالَى ﴿فَاعْلَم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله﴾ وَلما يعلم من دين الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم ضَرُورَة هَل هُوَ مترتب على معرفَة الله تَعَالَى أَو معرفَة الله مترتبة عَلَيْهِ فَإِن قلت نفي الثَّانِي مترتب على معرفَة الله تَعَالَى فَمَا الطَّرِيق إِلَيْهَا على مذهبك
1 / 29
فان قلت الطَّرِيق إِلَيْهَا السّمع كَمَا تذهبون إِلَيْهِ فَهِيَ مشوشة عَلَيْك من وُجُوه أَحدهَا أَن السّمع مفتقر إِلَى معرفَة الله تَعَالَى وَمَعْرِفَة الله تَعَالَى مفتقرة إِلَى السّمع وَهَذَا دور مَحْض لأَنا لَا نَعْرِف السّمع حَتَّى نَعْرِف الله تَعَالَى وَلَا نَعْرِف الله تَعَالَى حَتَّى نَعْرِف السّمع فَلَا يحصلان وَلَا وَاحِد مِنْهُمَا فبأيهما نعترف وَمن أَيهمَا نعتذر لعمر الله إِنَّهَا مَسْأَلَة مجمجمة الذَّوْق محمحمة الشوق تعتورها الْعُقُول وتتفاخر فِيهَا الفحول فأجب بفتق صميمها وقشر أديمها
الثَّانِي انما يَصح الِاسْتِدْلَال بِكَلَام الله تَعَالَى مهما كَانَ عدل حَكِيم لَا يفعل الْقَبِيح وَلَا يُريدهُ قلت هَكَذَا لفظ السَّائِل بِالرَّفْع وَصَوَابه بِالنّصب عدلا حكيما فَأَما تجويزكم الْقَبِيح عَلَيْهِ بِكُل الكائنات من وُجُوه الْفساد من كفر وظلم وسوأة فَمَا الثِّقَة بِكَلَامِهِ وَمن هَا هُنَا انسد عَلَيْكُم بالنبوات من حَيْثُ جوز شيخكم أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ على الله تَعَالَى اظهار المعجز على الْكَذَّابين وَمَا اعتذر بِهِ شيخكم ابْن الْخَطِيب الرَّازِيّ من أَن المعجز مَوْضُوع للتصديق وتجويزكم الْقَبِيح على الله تَعَالَى لَا يقْدَح فِي صدق الرَّسُول فَإِنَّمَا هُوَ خُلُود من بحور الْهوى ومراوغة عَن الْحق وتخبط فِي تيه الْبَاطِل وضجع شيخكم أبي حَامِد هَكَذَا قَالَ وَصَوَابه بِالرَّفْع أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ على أَصْحَابنَا الْمُعْتَزلَة بِكَلَام لم نفهم مَعْنَاهُ من قَوْله الطَّبْع قَابل وَالْعقل باعث والمعجز مُمكن وَالرَّسُول مبلغ
وَلَقَد سَأَلنَا أعلم أهل زَمَاننَا عَنهُ فَقَالَ مَا فهمنا غَرَضه من هَذَا الْكَلَام مَعَ أَنه النَّاقِل لكَلَامه ومعترف بفضلة من حيازه لقصبات السَّبق فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة والمجاري القياسية
الْوَجْه الثَّالِث هَب أَنا سلمنَا أَن الطَّرِيق إِلَى مَعْرفَته كَلَامه فَالْكَلَام
1 / 30
من أصل اللُّغَة مَا وضع لإِفَادَة معنى وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى على مَذْهَب أَصْحَابك لِأَن الْكَلَام عِنْدهم مَا قَامَ بِذَات الْمُتَكَلّم وَكَانَت الْحُرُوف حكايات عَنهُ وَكَلَام الله تَعَالَى عنْدكُمْ لَيْسَ بِحرف وَلَا صَوت بل صفة وَاجِبَة لله تَعَالَى كالقادرية والعالمية وَأَن الَّذِي بَيْننَا لَيْسَ بِكَلَام الله على الْحَقِيقَة
فَانْظُر إِلَى جلافة شيخكم ابي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَكَيف استهواه الْجَهْل وأفرط بِهِ الْعَمى حَتَّى أنكر مَا هُوَ مَعْلُوم من دين الرَّسُول ﷺ ضَرُورَة وَحَيْثُ قَالَ الله ﵎ ﴿وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله﴾ فوصف الله تَعَالَى أَن هَذِه الأحرف كَلَامه دون أَن يكون شَيْء آخر كَلَام لَهُ قلت هَكَذَا لفظ السَّائِل بِالرَّفْع وَصَوَابه كلَاما بِالنّصب ثمَّ قَالَ وَلم يُحَقّق مَا ذهب إِلَيْهِ من الْمَعْنى الْقَائِم بِالذَّاتِ فَبَاعَ الْيَقِين بِالشَّكِّ وَقد طوينا الكشح عَن كثير من الْمسَائِل الدِّينِيَّة خوف التَّطْوِيل حَتَّى يبين الأنصاف أَو القَوْل بِالْخِلَافِ فَالْوَاجِب على من قعد فِي دست الْعلمَاء وَلبس شعارهم المجاذبة لأهداب النّظر والمقارعة بأسلحة الأنظار كَمَا ذهب إِلَيْهِ السّلف من المشائخ الْمُعْتَزلَة ومشائخكم وَمن سَائِر الْفرق فأجب شافيا لَا زلت ورد مُسْتَوْرِد للأعلام قلت هَكَذَا لَفظه بِالرَّفْع وَصَوَابه وردا مستوردا بِالنّصب وَالصَّلَاة على سيد الْأَنَام مُحَمَّد وَآله الْكِرَام انْتهى السُّؤَال
قَالَ العَبْد الْفَقِير إِلَى لطف اللَّطِيف الْخَبِير عبد الله بن اِسْعَدْ اليافعي اليمني الشَّافِعِي نزيل حرم الله المشرف الْمُعظم وَحرم رَسُوله المحروس الْمُحْتَرَم
الْجَواب وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن هَذَا السُّؤَال فِيهِ محاولة إِيهَام ظُهُور حجج الْمُعْتَزلَة علينا بإبداء
1 / 31
السَّائِل شَيْئا من شبههم وأراجيفهم الَّتِي لَا تهولنا ورميهم لنا بمنجنيق مَحْض عقل عرضة للخطأ بأحجار اعتراضات فِي جدالنا لَا تنَال شوامخ حصون فروعنا وَلَا تزعزع رواسخ قَوَاعِد أصولنا الَّتِي هِيَ فِي تأسيسها بَين الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع جَامِعَة الثَّابِتَة بالأدلة البليغة والحجج الْمَانِعَة والبراهين القاطعة المسفرة عَن محَاسِن السّنة الْبَيْضَاء وَعَن مَذْهَب الْحق الْمُؤَيد بالتوفيق وَصِحَّة الدَّلِيل النَّازِل فِي أَعلَى معالي الشّرف الأسني وذرى مفاخر الْمجد الأثيل الَّذِي اشْتهر فَضله فِي المجامع والمشاهد وَفِيه قلت من بعض قصائد العقائد
(نحلنا مذهبا يجلي قَدِيما ... لَهُ غر العلى عالي الجناب)
(مشينا فِي ضِيَاء من شموس ... وأثمار وَمن رب الشهَاب)
(من الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول صدقا ... من الْأَخْبَار مَعَ آي الْكتاب)
(رويناها بِإِسْنَاد صَحِيح ... لنا لَا بافتراء واكتذاب)
(سلكنا سنة بَيْضَاء مشاها ... سَواد مُعظم أهل الركاب)
(وَلم نركب بنيات الطَّرِيق الَّتِي ... فِيهَا أَتَى نهي ارْتِكَاب)
(وَلَا يمشي بهَا إِلَّا شذوذ ... تمطو متن أخطار صعاب)
(وَفِي الْأَخْبَار جَاءَ من شَذَّ عَن ذِي ... سَواد شَذَّ فِي نَار الْعَذَاب)
(مَعَ التَّمْثِيل فِي القصوى من الشا ... لَهَا قد خص فِي أَخذ الذئاب)
قلت وَمن هَذِه الأبيات الْأَخِيرَة أَشرت إِلَى مَا ورد عَلَيْكُم بِالسَّوَادِ الْأَعْظَم وَمَا ورد إيَّاكُمْ وبنيات الطَّرِيق وَمَا ورد من شَذَّ
1 / 32
شَذَّ فِي النَّار وَمَا ورد إِنَّمَا يَأْخُذ الذِّئْب القاصية من الْغنم
وَفِي مَذْهَب أهل السّنة ومدح أَعْلَامه الْأَئِمَّة قلت هَذِه القصيدة الْمُسَمَّاة بِعقد اللآلي الْمفصل بالياقوت الغالي فِي مدح عقيدة أهل الْحق ومذهبهم العالي والتغزل بِالْإِمَامِ أبي حَامِد الْغَزالِيّ وَغَيره من أَئِمَّتنَا أولي المناقب والمعالي
(لنا مَذْهَب شمس الْهدى ناهج جلي ... وَمذهب غير عَن صدا الزيغ مَا جلي)
(عقيدتنا عقد من الدّرّ والعلي ... على جيدها فِي ثغرها السلسل الْحلِيّ)
(تحلت حلى آي الْكتاب فأسفرت ... عَن السّنة الحسنا وبرهانها الْجَلِيّ)
(وَقَالَت بِإِجْمَاع جَمِيع محَاسِن ... ففاقت سواهَا بالجمال المكمل)
(لناظرها منا بزاهي جمَالهَا ... سبتهم وعنها ذُو اعتزال بمعزل)
(أَبَت أَن ترى تِلْكَ الحلى غير كاشف ... لأستار أسرار الْمَعَالِي فتجتلي)
(خَبِير بمكنون المحاسن مهتد ... لمَفْهُوم مَنْطُوق وتفصيل مُجمل)
(بِظَاهِر نَص وَافق الْعقل قَائِل ... وَمَا لم يُوَافق من محَال مؤول)
(نأي عَن حضيض الحشو نهج مشبه ... وغالي اعتزال للصفات معطل)
(بنهج وسيط بَين تَفْرِيط حَامِد ... وإفراط غال جَاوز الْحق مُبْطل)
(شموس الْهدى سَارَتْ بِهِ وبدوره ... أولو الرَّايَة الْبَيْضَاء والمنصب الْعلي)
(أيمتنا مَا بَين قطب مُحَقّق ... مشَاهد أسرار إِمَام الْهدى ولي)
(وَحبر إِمَام فِي الْعُلُوم مدقق ... مُفِيد الورى فِي كل فن مُحَصل)
(وتصنيفنا مَا بَين وضع قَوَاعِد ... إِذا بجبال صودمت لم تزلزل)
(وَرفع فروع فِي حصون شوامخ ... فَمَا رميها عَن منجنيق بموصل)
(لنا كم وجيز فِي بَيَان قَوَاعِد ... وَجمع معَان واختصار مطول)
(وَكم من بسيط فِي جلاء نفائس ... وإيضاح إيجاز وَحل لمشكل)
(وَكم ذِي اقتصاد مُودع رب قَاطع ... لإفحام خصم مثل مَاض بِهِ اعتلي)
(بكف همام ذب عَن مَنْهَج الْهدى ... بِحَرب نضال لَا يرى غير أول)
(كَمثل الْفَتى الحبر المباهي بفضله ... فغني بغزالي الْعلَا وتغزل)
1 / 33
(أَبى حَامِد غزال غزل مدقق ... من الْعلم لم يغزل كَذَاك بمغزل)
(بِهِ الْمُصْطَفى باهى لعيسى بن مَرْيَم ... جليل العطايا والكليم الْمفضل)
(أعندكم حبر كَهَذا فَقيل لَا ... وناهيك فِي هَذَا الفخار المؤثل)
(رَآهُ الْوَلِيّ الشاذلي فِي مَنَامه ... وَيَرْوِيه عَنهُ من طَرِيق مسلسل)
(رَوَاهُ ولي عَن ولي لنا وَعَن ولي ... رَوَاهُ ذَاك عَن رَابِع ولي)
(وَعَن شاذلي شاذلي وَهَكَذَا ... وَشَيخ فَشَيْخ مُسْندًا غير مُرْسل)
(كَذَاك روينَا عَنهُ جلد بن حرزهم ... على الطعْن فِي الْإِحْيَاء من خير مُرْسل)
(عَلَيْهِ صَلَاة الله قَالَ وَلم يزل ... إِلَى الْمَوْت أثر السَّوْط فِي ظَهره جلي)
(وأرويه أَيْضا مَعَ زيادات نَصه ... بتحقيق نقل عَن خَبِير رَوَاهُ لي)
(فَتى جده الحبر الإِمَام ابْن حرزهم ... أَبُو الْحسن المجلود فِي يَوْمه عَليّ)
(بَقِي موجعا خمْسا وَعشْرين لَيْلَة ... لخير يرَاهُ بعد من أَجله ابْتُلِيَ)
(رأى الْمُصْطَفى من بعْدهَا جا متوبا ... وموليه مسحا شافيا مَا بِهِ بلي)
(فشاهد فِي الْأَحْيَاء حسنا رَسُولنَا ... بِهِ شَاهد مَعَ مَا بِهِ لم أطول)
(وزفته أَمْلَاك السما بعد مَوته ... لَهُ أخرجُوا من تَحت ترب وجندل)
(فألبس خلعات غوال أَتَوا بهَا ... من الْخضر لم تنسج وتغزل بمغزل)
(واركب مركوبا من اللَّوْن كَائِنا ... حكى الْبَرْق إسراعا من الجو منزل)
(وراق الطباق السَّبع فِي الْحَال خارقا ... وَسبعين من حجب إِلَى عَال منزل)
(بذا شهد الصياد شيخ زَمَانه ... كَمَا أشهد الْمَذْكُور فِي كشفه الْجَلِيّ)
(وَقد شهد المرسي استاذ عصره ... لَهُ مَعَ شُيُوخ الْوَقْت بالمنزل الْعلي)
(وَمِمَّنْ رأى ذَاك الْمقَام إمامنا ... وَسَيِّدنَا نور الْهدى شَيخنَا عَليّ)
(كَذَا الشاذلي شيخ المشائخ قد حكى ... قضا حَاجَة الدَّاعِي بِهِ المتوسل)
(وَسمي لأَصْحَاب التصانيف سيدا ... وَذَا قَول إِسْمَاعِيل شمس الْهدى الْوَلِيّ)
(مقرّ الندى المشكور شيخ شُيُوخنَا ... إِمَام الْفَرِيقَيْنِ الحبيب المدلل)
(هُوَ الْحَضْرَمِيّ الْمَشْهُور من وقفت لَهُ ... بقول قفي شمس لأبلغ منزلي)
(وَكم عَالم قد قَالَ جَاءَ لديننا ... بِخمْس مئين كي يجدد مَا بلي)
(وتجديد دين فِي الحَدِيث بمحدث ... براس مئين فِي الأيمة مُجمل)
1 / 34
(فَفِي الْمِائَة الأولى رَوَاهُ خَليفَة ... فيا مَا لَهَا من بعده مثله ولي)
(وَذَاكَ ابْن عبد للعزيز الَّذِي سما ... بسيرته الْحَسْنَاء ذُو الْمنزل الْعلي)
(وَخير وجود بَحر جود رَأْي الملا ... إِمَام الْأَنَام الشَّافِعِي لَهُ يَلِي)
(لَهُ منصب فِي الْعلم والفهم وَالْهدى ... شهير وَفِي الْآفَاق مذْهبه جلي)
(فريد زمَان فِي المناقب سَابق ... بِوَضْع أصُول والْحَدِيث مُعَلل)
(وَمن بعده للدّين شيخ أُصُوله ... وكاسي شعار الْحق كم من مضلل)
(أَبُو الْحسن الْمَشْهُور بالأشعري الَّذِي ... لَهُ حجَّة كالطود غير مزلزل)
(وَمن بعد فِي التَّجْدِيد أكْرم برابع ... إِمَام الْهدى الحبر النجيب الْمفضل)
(هُوَ الباقلاني بَحر علم أصولنا ... تلاطم أمواجا بهَا الْكَوْن قد ملي)
(حوى للمعالي والمحاسن قد زها ... ببستان فضل مزهر الْكَوْن مبقل)
(وخامسهم حبر مضى ذكر فَضله ... سراج بِهِ داجي الضلالات منجلي)
(إِمَام الْهدى المنبي عَن الْفضل منشدا ... سبوقا على الْمهْر الْأَغَر المحجل)
(غزلت لَهُم غزلا دَقِيقًا فَلم أجد ... لغزلي نساجا فَكسرت مغزلي)
(مُشِيرا إِلَى علم بِهِ متميز ... عَن إِدْرَاكه فهم الألبا بمعزل)
(تصانيفه فاقت بنفع وَكَثْرَة ... وحلة حسن لم بهَا الْغَيْر يرفل)
(وَكم حجَّة الْإِسْلَام حَاز فَضِيلَة ... وَكم حلية حسنا بِهِ فَضلهَا حلي)
(بهَا جَاهِل مَعَ حَاسِد طَاعن فَذا ... تعامى وعنها ذَاك أعمى قد ابْتُلِيَ)
(وَمَا ضرّ سلمى ذمّ عالي جمَالهَا ... ومنظرها الباهي ومنطقها الْحلِيّ)
(لَكِن ذمها جاراتها ونظائر ... وعبن جمالا فِي حلاها وَفِي الْحلِيّ)
(فَمَا سلمت حسناء من ذمّ حَاسِد ... وَصَاحب حق من عَدَاوَة مُبْطل)
(إِذا فِي الْفَتى زَاد الندى زَادَت العدى ... وقيت الردا قل فِي الْهدى وتمثل)
(دَلِيل الْعلَا كثر البلا هَكَذَا الملا ... وَلَوْلَا احتراق التبر بالنَّار مَا غلي)
(جلا لي مديح فِي مليح أيمة ... وَلَيْسَ كغزالي حلا لي تغزلي)
(فمدحي كعقد من لآلي أيمة ... بياقوت غزالي الْمَعَالِي مفصل)
(وَكم من إِمَام غير من قد مضى لنا ... من الْفضل والعلياء بالمنزل الْعلي)
(كحبر شهير بارع ماجد أبي الْمَعَالِي ... النجيب ابْن النجيب المبجل)
1 / 35
(فَتى فَحل نظار وكبت مناظر ... ومفتاح مغلاق ومرهم معضل)
(وَخير إِمَام إسفرائيني جلا ... عرائس فضل سافرات لمجتلي)
(وَذي الْفضل واليمن الإِمَام ابْن فورك ... بحلة حسن الْعلم وَالدّين مجتلي)
(وَحبر أخير فِي الْمَعَالِي مقدم ... إِمَام الْهدى الرَّازِيّ بفخر مُجمل)
(وَحبر ببيضا قد جلى بيض فَضله ... فضاء الدجا من وَجههَا المتهلل)
(وَعز لعز الدّين دين الْهدى كَمَا ... عقيدته الحسنا حلى فاخر الْحلِيّ)
(كَذَلِك محيي الدّين أَحْيَاهُ إِذْ سقت ... تصانيفه الْحسنى الورى عذب منهل)
(إِمَامًا عُلُوم لَكِن الْفِقْه غَالب ... جليلان حلا من قُلُوب بمنزل)
(على عشرَة رمت اقتصارا وَكم لنا ... مجيد مقَال لِلْأُصُولِ مفصل)
(كَمثل الإِمَام الْبَيْهَقِيّ مَنْهَج الْهدى ... فَتى الْفضل وَالتَّحْقِيق حبر مفضل)
(وَحبر الْهدى بَحر المعالم والندى ... الْفَتى الْفَاضِل الْخطابِيّ المتفضل)
(وكائن دَقِيق الْعِيد حبر وراتق ... لمفتتق فتاق رتق بمشكل)
(وكل إِمَام ذِي مقَال مُحَقّق ... ومعتقد فِي أصل علم مُعَلل)
(كأشياخنا السادات من كل عَارِف ... من الراح فِي روض الْوِصَال مُعَلل)
(مسقى بكاسات الْهوى من مدامه ... بهَا رب نشوان معل ومنهل)
(إِذا ذاقها صب أرته جمال من ... يحب وأروته بأعذب منهل)
(وَإِن شم تِلْكَ الراح خَال عَن الْهوى ... يرى الدَّهْر مَشْغُولًا بِهِ ذَلِك الخلي)
(وَإِن سقيت نهلا وَعلا مقربا ... يوليه ملكا كم ولي لَهُ ولي)
(كَمثل شُيُوخ عازفين ثَلَاثَة ... شموس الْهدى أَرْبَاب ملك مخول)
(مربين مَا مِنْهُم يرى غير مرشد ... إِلَى الله بِاللَّه الْمُوفق موصل)
(عقائدهم مَشْهُورَة شاع ذكرهَا ... وَعَن فَضلهَا دَاري فضائلها سل)
(وَكن مثلهم فِي حب مَوْلَاك مشغفا ... فَمَا مِنْهُم عَن حب مَوْلَاهُم سَلِي)
(أبي الْقسم الْمولى الْقشيرِي حَبْرهمْ ... إِمَام هدى لم فَضله قطّ يجهل)
(وَشَيخ الْوُجُود السهروردي من جلا ... معارفه الْحسنى بزهو لمجتلي)
(وَشَيخ الْهدى بَحر الكرامات والندى ... الْفَتى الْقرشِي الْمولى الْوَجِيه المجلل)
(أُولَئِكَ أَشْيَاخ لنا وأيمة ... نباهي بهم فِي كل نَاد ومحفل)
1 / 36
(فيا ذَا اعتزال هَل شيوخك مثلهم ... تفاخرنا بل أَنْت عَن مثلهم خلي)
(فَمَا حجَّة الْإِسْلَام مَعَ شَيْخه أبي ... الْمَعَالِي واستاذ الْهدى طب معضل)
(ككعبي ضلالات ونظام بِدعَة ... وجبائي الزيغ الضليل المضلل)
(ثلاثتكم إِن بارزوا كثلاثة ... دعوا لبراز يَوْم بدر معجل)
(فَمَا لَبِثُوا إِذْ ذَاك إِلَّا هنيهة ... وحان حُلُول الْمُسْتَحق الْمُؤَجل)
(بأيدي ضراغيم ضوارم ثَلَاثَة ... قد انصرفت عَن رب قرب مجدل)
(ضراغيمنا فِي كل أَرض شهيرة ... بغاباتها من حولهَا نشو أشبل)
(وأقمارنا فِي كل أفق منيرة ... بهَا يهتدى فِي كل سهل وأجبل)
(زهت فِي سما عليا مناهج وَافَقت ... عقائدها حَقًا بهَا لم أطول)
(سوى عشرَة من شافعيات مَنْهَج ... وبضع منيرات زواهر كمل)
(وبدري هدى فِي المالكيات رَابِع ... بتجديد دين والقريشي الْمفضل)
(وبدرين مِنْهَا شَاهِدين لبدرنا ... بمجد وَسعد جَامع الْيمن مقبل)
(بدور كلا النهجين زاه بهاؤها ... بأنوارها ظلما الضلالات تنجلي)
(وَفِي حنفيات لطيف سَحَابَة ... أَتَاهَا من التكوين غير مبدل)
(وَفِي حشويات كسوفان أظلما ... وَعَن نهجها حاشي الإِمَام ابْن حَنْبَل)
(هما جِهَة مَا بَين شمس وَبَينهَا ... تحول وحرف فِي الْكَلَام الْمنزل)
(ورامد أصوات وبحة قَارِئ ... وحرفا كَلَام الله وَالْعرش يحلل)
(ونهج اعتزال مَعَ سواهُم كَلَامه ... تبَارك مَخْلُوق بجسم مقول)
(أَرَادوا بِصَوْت مَعَ حُرُوف منطقا ... لَهَا بافتراء مِنْهُم وَتقول)
(فَقَالُوا كَلَام الْجِسْم ذَاك مُصَرحًا ... وَلَا ينسبوه قطّ للْوَاحِد الْعلي)
(وَلَيْسَ لكم عَن ذَا محيص وَلَا لكم ... خلاص بِمَا جئْتُمْ بِهِ من تخيل)
(فقلتم كَلَام فِي جماد فجئتم ... بتخييل فرق موهم ذَا تخيل)
(وَمَا روم تَدْلِيس علينا بجائز ... فَمَا بَينه والحي فرق مفصل)
(فَمَا خلق إِدْرَاك وقدرة منطق ... لَهُ بمحال لَا وَلَا ذَا بمشكل)
(فَمَا الأَصْل فِي الْأَشْيَاء إِلَّا خُفْيَة ... فان لَا دَلِيل لَيْسَ غير مُبْطل)
(تسبح كل الكائنات بِحَمْدِهِ ... وَدَعوى مجَاز فِيهِ قَول لمبطل)
1 / 37
(فَهَلا كَلَام من ذِرَاع مسمم ... جعلتم كَلَام الله حَتَّى لَهُ تلِي)
(بِمذهب كل من اولي الرّبع ضحكه ... مصبحة الباكي الحزين المثكل)
(فَفِي الباطني كل الدَّوَابّ مُكَلّف ... لَهَا أَنَبِيًّا يُوحى إِلَى كل مُرْسل)
(وَمن عجب ثَوْر نَبِي بِقُرْبِهِ ... وتيس خصوه مَعَ حمَار محمل)
(وَلَا بعث والتكليف نَار وجنة ... لنَفس زكتْ عودا إِلَى الْفلك الْعلي)
(وَفِي الرافضي جِبْرِيل أخطا بوحيه ... إِلَى أَحْمد لم يُرْسل إِلَّا إِلَى عَليّ)
(فيا عجبا من مارق فِي ثَلَاثَة ... وَعشْرين عَاما للإله مجهل)
(وَكم ملحد فِي الْعَالمين مجسم ... وَكم مارق زنديق دين معطل)
(إِذا للصَّغِير وَالْكَبِير الْمُعَطل ... لقِيت لقِيت التيس يمشي مَعَ الطلي)
(وللكل كم سخرية وفضيحة ... وأعجوبة تحكي بهَا لم أطول)
(وَيَا طَالبا حفظ اعْتِقَاد مُحَقّق ... خلا عَن عيار صافيا عذب منهل)
(تلق عقيد الْحق فِي خَمْسَة عشر ... من النّظم تجْرِي حَافِظًا عَن مطول)
(تَعَالَى إِلَه عَن شريك ووالد ... وَولد وزوجات وَوصف ممثل)
(سميع بَصِير عَالم مُتَكَلم ... مُرِيد وَحي مصدر كلهَا يَلِي)
(بقدرته الْعُظْمَى وإتقان حِكْمَة ... يرى الْكَوْن فِي كن كَانَ بالقهر معتلي)
(علا بِجَمَال فِيهِ مجد جلال ... بعز كَمَال الْكِبْرِيَاء مكلل)
(صِفَات على جلت وَجل جلالها ... عقول الورى معقولة عَن تعقل)
(وكفهم عَن كَيفَ مَعَ أَيْن نافيا ... حروفا وخلقا للْكَلَام الْمنزل)
(وَلَا وَاجِب حاشا عَلَيْهِ وحاكم ... هُوَ الشَّرْع دون الْعقل ع القَوْل واعقل)
(وَفِي قدر مَعَ رُؤْيَة مَعَ شَفَاعَة ... وحوض وتعذيب بِقَبْر ومبتلي)
(وَبعث وميزان ونار وجنة ... وَقد خلقا ثمَّ الصِّرَاط وللولي)
(عَظِيم كرامات فَكل شَرِيعَة ... محا خير شرع جا بِهِ خير مُرْسل)
(فَآمن وَسلم للصحابة واعتقد ... جَمِيعًا وبجلهم وكالقوم فاعمل)
(وَأَقْبل على السادات وَأَقْبل مقالهم ... وَبَين أيادي الْقَوْم للْأَرْض قبل)
(وَقدم أَبَا بكر كَمَا للعلى علا ... وبالليث ربع ذِي الْمقَام الْعلي عَليّ)
(كَمَا قدموهم هم نُجُوم الْهدى فَعَن ... هدَاهُم فَلَا تعدل بذلك تعدل)
1 / 38
(وتخليد نَار خصّه كَافِرًا وَلَا ... بِكفْر لأهل الْقبْلَة افهمه وَاقْبَلْ)
(تباهت وفيهَا قد بدا لي توقف ... تَأَخّر كتبي بعد حزمي بِأول)
(مجانبة التَّفْضِيل فِي الآخرين أَو ... لثان أرى فِي الْفضل رابعهم يَلِي)
(وَفِي ذَا اخْتِلَاف عَن ظنون تَعَارَضَت ... وَدون جمال الْعلم إرخاء مُسبل)
(وَقد قَالَ منا قَائِلُونَ بِكُل مَا ... توقفت عَن حرم الأيمة مَا خلي)
(وَقد وقف الْفَارُوق فِي فضل سِتَّة ... وَذَاكَ الَّذِي الْقُرْآن فِي وَفقه تلِي)
(وَمَعَ ذَا فترتيب الملا فِي خِلَافه ... لذاك وُجُوه غَيرهَا فِي الْمفصل)
(وقلبي بِحَمْد الله فِي حب كلهم ... وَعلم بِمَا جا فِي على الْكل ممتلي)
(وَمن بعد ذَا أوصيك بِالْخَيرِ والتقى ... وَترك التواني والورى دع وَاقْبَلْ)
(وَلَا تَكُ مثلي عَاجِزا مُتَخَلِّفًا ... عَن الْخَيْر وَالدّين النَّصِيحَة فاقبل)
(وَقد صَحَّ أَن الْمَرْء مَعَ من أحبه ... فاحبب لأَصْحَاب الْهدى والتبتل)
(ولازم وداوم قرع بَاب مؤملا ... فَمَا خيب الْمولى رَجَاء مُؤَمل)
(ولليافعي بِاللَّه فَادع برحمة ... ونيل المنى فِي عَاجل ومؤجل)
(فَمَا هِيَ ثنت لَا عَن كلال عنانها ... وَمَعَ مائَة سَبْعُونَ زاهرة الْحلِيّ)
(بهَا وَاحِد ياقوتة مستعارة ... مضمنة فِي عقد در مفصل)
(وَكم عِنْد هَذَا تستعر من أجانب ... فَمَا ران من حلي الْأَجَانِب يحتلي)
(تحلت بِعقد من لآلي عقيدة ... يضيء الْهدى فِي وَجههَا المتهلل)
(إِذا ابتسمت فِي اللَّيْل عَن درسنة ... رَأَيْت دياجي الابتداعات تنجلي)
(وتمت بِحَمْد الله أزكى صلَاته ... على الْمُصْطَفى فاحت بمسك ومندل)
قلت وَقد رَأَيْت أَن أنبه على شَيْء فِي هَذِه القصيدة وَهُوَ قولي فِي تَفْسِير أحد كسوفي الْمَذْهَب الْمَذْكُور هما جِهَة مَا بَين شمس وَبَينهَا تحول أَعنِي حَالَتْ الْجِهَة العلوية بَين الْقَائِلين بهَا من الأقمار الأرضية وَبَين شمس الحضرة القدسية فخسفت كَمَا فِي حيلولة الأَرْض بَين الشَّمْس وَالْقَمَر المذهبة لنُور طلعته البهية على قَول من قَالَ أَن الأفلاك كروية على وَجه الِاسْتِعَارَة على تَقْدِير صِحَة قَول الفلكية
مَعَ أَنِّي قد استدللت على بطلَان قَوْلهم هَذَا بِعشْرَة أَدِلَّة عقلية ونقلية
1 / 39
فِي كتاب سراج التَّوْحِيد وَاضِحَة جلية وتكفي فِي الدّلَالَة على ذَلِك قَوْله تَعَالَى ﴿إِذا بلغ مغرب الشَّمْس وجدهَا تغرب فِي عين حمئة﴾ وَذَلِكَ من أقوى الْأَدِلَّة القطعية إِذْ أخبر ببلوغ ذِي القرنين مغْرِبهَا ووجوده لَهَا تغرب فِي تِلْكَ الْعين وجدانا لَا فِي رَأْي الْعين مَعَ تَأْكِيد ذَلِك بِوَصْف الْعين الْمَذْكُورَة إِذْ هِيَ مَوْصُوفَة فِي الْكتاب الممجد بالحمأة الَّتِي هِيَ الطين الْأسود فَمن قَالَ أَنَّهَا لَا تزَال تَدور وَلَيْسَ لَهَا مغرب فَهُوَ بِظَاهِر كَلَام الله ﷿ مكذب
وَكَذَلِكَ قولي وزفته أَمْلَاك السَّمَاء بعد مَوته إِلَى آخر الأبيات الْخَمْسَة أَشرت بذلك إِلَى مَا اشْتهر وَثَبت بِالْإِسْنَادِ فِي سيرة الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه أبي الْعَبَّاس الصياد قدس الله روحه
1 / 40
منزلَة الْغَزالِيّ ﵁
ومختصر ذَلِك أَنه قَالَ ﵁ بَينا أَنا ذَات يَوْم قَاعد وَأَنا انْظُر إِلَى أَبْوَاب السَّمَاء وَهِي مفتحة إِذْ نزلت عصبَة من الْمَلَائِكَة وَمَعَهُمْ خلع خضر ودابة من الدَّوَابّ فوقفوا على رَأس قبر من الْقُبُور وأخرجوا شخصا من قَبره وألبسوه الْخلْع وأركبوه على الدَّابَّة فَصَعِدُوا بِهِ إِلَى السَّمَاء ثمَّ ذكر أَنهم لم يزَالُوا يصعدون بِهِ من سَمَاء إِلَى سَمَاء حَتَّى جَاوز السَّمَاوَات السَّبع وخرق بعْدهَا سبعين حِجَابا فَأحب أَن يعرف من هُوَ ذَلِك الشَّخْص فَقيل لَهُ هَذَا الْغَزالِيّ ﵁ قَالَ وَلَا علم لي أَيْن بلغ انتهاؤه
قلت وَأما مَا أَشرت إِلَيْهِ من مباهاة النَّبِي ﷺ للْمُنكر عَلَيْهِ فَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قلت وَفِي استحسانه ﷺ لإحياء عُلُوم الدّين دَلِيل وَاضح على كَون مَا تضمنه من أَن عقيدة الأشعرية حق وَكَذَا مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من طَرِيق الصُّوفِيَّة وعلومهم وأحوالهم وكراماتهم وَالله أعلم
قلت أَيْضا فِي مَذْهَبنَا هَذِه الأبيات
(لنا حصن عز من علا مجد مَذْهَب ... بِأَعْلَى سما مجد المفاخر شامخ)
(قَوَاعِده الغرا كتاب وَسنة ... وعقل وَإِجْمَاع أصُول رواسخ)
1 / 41
(إِذا مَا رمى من منجنيق اعتزالهم ... بجلمود عقل للتجادل دائخ)
(فَلَا لَاحق فَزعًا وَلَا بمزعزع ... لأصل وَلَا بَعْضًا عَن الْبَعْض فاسخ)
(حكم شرع دون عقل خلاف من ... بعقل عَن الشَّرْع الْأَحَادِيث سالخ)
(وَقد جَاءَ لَا تَعْذِيب من قبل بَعثه ... بشرع لمجموع الشَّرَائِع نَاسخ)
(وَلَا نَاسخ يلغي لمحكم حِكْمَة ... إِلَى حِين إسْرَافيل فِي الصُّور نافخ)
اقتراح السَّائِل بِالْجَوَابِ والإعراض عَنهُ
قلت فَلَمَّا أرسل السَّائِل بالسؤال الْمَذْكُور إِلَيّ واقترح جَوَابه عَليّ لم ينشرح صَدْرِي للجواب فِي الْحَال بل مَال إِلَى الْإِعْرَاض عَنهُ والإهمال لكَون الْهوى على الْقُلُوب قد استحكم وَاتِّبَاع الْبَاطِل قد أعمى وأصم فَلَا يكون الْمُبْطل يتبعهُ بل يَدْفَعهُ بالجدال والمراء
ثمَّ انْشَرَحَ صَدْرِي بعد مُدَّة لهَذَا الْجَواب وَرَأَيْت أَنِّي إِن سلكت فِيهِ مَسْلَك الْبسط والإطناب احتجت فِي ذَلِك إِلَى تصنيف كتب لَا كتاب أبين فِيهَا قواعدنا وَمَا أشكل من كَلَام الْأَصْحَاب واستوعب مسَائِل الْأُصُول وأدلتها فِي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول فِي سَائِر الْأَبْوَاب
مَعَ كوني قد التزمت فِيمَا مضى ترك التصنيف وسد هَذَا الْبَاب فاقتصرت على شَيْء من الْبسط فِي الْكَلَام بِعِبَارَة وَاضِحَة غير نائية عَن الأفهام
وَلَوْلَا وجود بعض الْأَعْذَار لبلغت جهدي فِي رد إِيرَاد وابطال اعْتِرَاض وَبَيَان قَوَاعِد وكشف الْخمار عَن جمال عقيدة أهل السّنة الَّتِي هِيَ أجمل العقائد ومحاسن مَعَاني مَا أشكل على السَّائِل وأمامه من أَلْفَاظ حجَّة الْإِسْلَام أبي حَامِد وَسَائِر كَلَامه الْمُشْتَمل على بداعة الْمعَانِي وملاحة التَّرْتِيب وعجائب الْأَمْثِلَة وغرائب الْفَوَائِد الَّتِي من كشفت لَهُ الْعِنَايَة عَن جمَالهَا فَنظر بِعَين التَّوْفِيق لمحاسنها السّنيَّة سلبت عقله وهام فِي هَواهَا وَصَارَ من عصابتها السّنيَّة
وَفِي هَذَا الْمَعْنى الْمَذْكُور أنْشد وَأَقُول
1 / 42
مدح عقيدة أهل السّنة
(لنا سنة حسنا سنى جمَالهَا ... على غير سنى مصون مخدر)
(فَإِن كشفت ريح الْعِنَايَة خدرها ... فأبصرها من لم لَهَا قطّ يبصر)
(سبت عقله الزاكي بزاهي جمَالهَا ... فهام بهَا من كَانَ عَنْهَا ينفر)
(وجا منهجا من نورها ناهجا بِهِ ... عصابتها تعلو وتزهو وتفخر)
(أَبُو حَامِد مِنْهُم وَكم من ملاحة ... لَهَا حجَّة الْإِسْلَام عَنْهَا تخبر)
(إِمَام الْهدى بَحر الْعُلُوم وَكَاشف ... لأستار أسرار الْعُلُوم الْمنور)
(فكم من ستور كاشفا عَن محَاسِن ... فلاح در أَلْفَاظ على تِلْكَ ينثر)
(فأضحت مليحات الْمعَانِي ضواحكا ... كَمَا بمليح عَن مليح تعبر)
(وَمن كامن قد باهى سيد الورى ... لمُوسَى وَعِيسَى فَهُوَ نعم الْمعبر)
(وَنعم طَرِيق سَارهَا عَن بَصِيرَة ... وَنور وتوفيق بهَا هُوَ أخبر)
(أعندكم حبر كَهَذا فَقيل لَا ... وناهيك ذَا مجد على الدَّهْر مفخر)
(عَن الْمُصْطَفى صلى عَلَيْهِ الهنا ... بذا الشاذلي بَحر الْحَقَائِق مخبر)
(مناما رَآهُ عَنهُ يرويهِ عَالِيا ... لنا كَابر عَن كَابر هُوَ أكبر)
(يحِق لنا أَن قد سلكنا طَريقَة ... بهَا سَار يرضاها النذير المبشر)
(لَهَا الْمُصْطَفى مستحسن ومعاقب ... لمنكرها جلدا مدى الدَّهْر نشكر)
(بذا صَحَّ إسنادي عَن ابْن حرازم ... فَقِيه بِلَاد الْعَرَب إِذْ كَانَ يذكر)
مدح كتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين
قلت قد أوضحت مَا أَشرت إِلَيْهِ فِي هذَيْن الْبَيْتَيْنِ الْأَخيرينِ فِي كتاب كِفَايَة المعتقد ونكاية المنتقد فِي فصل سلوك الطَّرِيقَة وَالْجمع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة ومختصر ذَلِك أَن الشَّيْخ الإِمَام أَبَا الْحسن بن حرزهم بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وَبعدهَا زَاي الْمَشْهُور بِابْن حرازم ﵁ رأى لَيْلَة جُمُعَة فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ دَاخل من بَاب الْجَامِع الَّذِي عَادَته يدْخل مِنْهُ
1 / 43
وَإِذا بِالنَّبِيِّ ﷺ وَأبي بكر وَعمر ﵄ جُلُوس فِي مَكَان من الْجَامِع والنور على ذَلِك الْمَكَان سَاطِع وَكَانَ قد بَالغ فِي الْإِنْكَار على كتاب الْإِحْيَاء وَأمر بِجمع نسخه وعزم على إحراقها يَوْم الْجُمُعَة الْمَذْكُور لكَونه بِزَعْمِهِ خلاف السّنة وَإِذا بِالْإِمَامِ أبي حَامِد الْغَزالِيّ ﵁ قَائِم تجاه النَّبِي ﷺ فَقَالَ يَا رَسُول الله هَذَا خصمي فَإِن كَانَ الْأَمر كَمَا زعم تبت إِلَى الله تَعَالَى وَإِن كَانَ شَيْئا تستحسنه يَا رَسُول الله حصل لي من بركتك فَخذ لي حَقي من خصمي ثمَّ جثا على رُكْبَتَيْهِ وَصَارَ يزحف عَلَيْهِمَا إِلَى أَن وصل إِلَى النَّبِي ﷺ فَنَاوَلَهُ كتاب الْإِحْيَاء وَقَالَ انْظُر فِيهِ يَا رَسُول الله فَنظر فِيهِ ﷺ ورقة ورقة إِلَى آخِره ثمَّ قَالَ (وَالله إِن هَذَا شَيْء حسن) ثمَّ نَاوَلَهُ أَبَا بكر فَنظر فِيهِ كَذَلِك ثمَّ قَالَ نعم وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ يَا رَسُول الله أَنه لحسن ثمَّ نَاوَلَهُ عمر فَنظر فِيهِ كَذَلِك ثمَّ قَالَ كَمَا قَالَ أَبُو بكر
فَأمر ﷺ بتجريد الْمُنكر الْمَذْكُور وضربه حد المفتري فَجرد وَضرب ثمَّ شفع فِيهِ أَبُو بكر ﵁ بعد خَمْسَة أسواط وَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّمَا فعل هَذَا اجْتِهَادًا فِي سنتك وتعظيما لَهَا فغفر لَهُ أَبُو حَامِد عِنْد ذَلِك
فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ من مَنَامه وَأصْبح أعلم أَصْحَابه بِمَا جرى لَهُ وَمكث خَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا وجعا من ذَلِك الضَّرْب ثمَّ رأى النَّبِي ﷺ
1 / 44
مسح يَده الْكَرِيمَة الْمُبَارَكَة عَلَيْهِ فشفي قلبه وقالبه ثمَّ نظر فِي الْأَحْيَاء ففهمه فهما خلاف الْفَهم الأول ثمَّ فتح عَلَيْهِ ونال من الْمعرفَة بِاللَّه وَالْعلم الْبَاطِن وَالْفضل الْعَظِيم مَا نَالَ برحمة الله الْكَرِيم
قلت فَهَذَا مُخْتَصر مَا روينَاهُ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة عَن الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه الشهير أبي الْحسن الشاذلي ﵁ وَعَن بعض ذُرِّيَّة الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه ابْن حرزهم الْمَذْكُور ﵁ هُوَ عِنْدهم مَعْلُوم ومستفيض مَشْهُور وَفِي سيرة جده مَذْكُور مُحَقّق مسطور
أَخْبرنِي بِهَذَا الْمَذْكُور الرَّاوِي الْمَذْكُور من ذُرِّيَّة الشَّيْخ الْمَذْكُور محرما خَاشِعًا جاثيا على رُكْبَتَيْهِ فِي الْحرم الشريف زَاده الله شرفا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو الْحسن الشاذلي وَلَقَد مَاتَ يَوْم مَاتَ وَأثر السِّيَاط ظَاهر على جِسْمه
أَخْبرنِي بذلك الشَّيْخ الْجَلِيل الْعَارِف بِاللَّه الفضيل الإِمَام شهَاب الدّين بن المتلق الشاذلي عَن الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه يلقوت الشاذلي عَن شَيْخه الشَّيْخ الْكَبِير الْعَارِف بِاللَّه قدوة الْمَسَاكِين
1 / 45