ويلحق بهذا ما كان يتعاطاه بعضهن من فنون الكهانة، كالضرب بالحصى - مما يشاهد مثله في بدويات اليوم - وكزجر الطير أو العيافة، وهي أن ترمي الطائر بحصاة أو أن تصيح به، فإن طار عن اليمين استسعدت به، وإن طار عن اليسار تشاءمت به، تسمى العرب الأول سانحا، والثاني بارحا، وكانوا يعتقدون بصحة هذه الخرافات، وقل من أنكرها منهم كلبيد حيث يقول:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى
ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وكن فيما عدا التنجيم يتكلفن الرقي والنفث في العقد من فنون السحر، وهو أن يعقدن عقدا في خيوط أو في وتر وينفثن عليها؛ أي ينفخن مع ريق، وقد استعاذ منهن القرآن فقال:
قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد .
على أن كثيرا من هذا الذي تقدم كان تقوم به الولائد والإماء من الرقيق، وهن وقتئذ يعددن بالألوف، فكن يستخدمن في عامة حاجات المعيشة: من رعي الإبل خاصة، وخدمة المنزل ، وتعاطي المهن، وسائر ما تتطلبه لوازم الحياة في القفر مما كانت تترفع عنه حرائر النساء أو يأنفن من مزاولته؛ لما يترتب عليه عندهن من العار والغضاضة في الشرف. قال التبريزي في شرح قول قيس بن الخطيم:
يهون علي أن ترد جراحها
عيون الأواسي إذ حمدت بلاءها «الأواسي المداويات للجراح، وإنما ذكر النساء؛ لأنهم يأنفون من الصناعات ويعلمونها العبيد والإماء وحرائر النساء، إذا لم يكن في غاية بعيدة من الشرف.» ولذلك قال النابغة في البيت المتقدم: ولا تبيع بجنبي نخلة البرما. وقال ذو الإصبع العدواني:
عني إليك فما أمي براعية
ترعى المخاض ولا رأيي بمغبون
Página desconocida