(الضرب السادس): من صغرى موجبة جزئية وكبرى سالبة كلية كقولك بعض الحيوان أبيض ولا حيوان واحد ثلج فبعض الأبيض ليس بثلج ويظهر بعكس الصغرى لأنه يرجع إلى الرابع من الشكل الأول هذا تفصيل الأقيسة الحملية * (القول فى القياسات الاستثنائية) القياس الاستثنائى نوعان شرطى متصل وشرطى منفصل (أما الشرطى المتصل): فمثاله قولك إن كان العالم حادثا فله محدث فهذه مقدمة إذا استثئيت هين المقدم منها لزم عين التالى وهو أن تقول ومعلوم أن العالم حادث وهوعين المقدم فيلزم منه عين التالى وهو أن له محدثا وإن استثنيت نقيض التالى لزم منه نقيض المقدم وهو أن تقول ومعلوم أنه ليس له محدث فلزم أنه ليس بحادث فأما إذا استثنيث نقيض المقدم لم يلزم منه لاعين التالى ولا نقيضه فانك لو قلت لكنه ليس بحادث فهذا لا ينتج كما أنك تقول إن كان هذا إنسانا فهو حيوان لكنه ليس بانسان فلا يلزم منه أنه حيوان ولا أنه ليس بحيوان وكذلك إن استثنيت عين التالى لم ينتج فانك إن قلت ومعلوم أن العالم له محدث لم يلزم منه نتيجة لأنك إذا قلت إن كانت هذه الصلوة صحيحة فالمصلى مطهر ولكنه مطهر فلا يلزم منه أن الصلاة صحيحة ولا أنها باطلة فهذه أربع إستثاآت لا ينتج منها إلا إثنان وهى عين المقدم وينتج عين التالى ونقيض التالى وينتج نقيض المقدم فأما نقيض المقدم وعين التالى فلا ينتج إلا إذا أثبت أن التالى مساو للمقدم وليس باعم منه فعند ذلك ينتج الاستثاآت الأربع فانك تقول إن كان هذا جسما فهو مؤلف لكنه جسم فهومؤلف لكنه مؤلف فهوجسم لكنه ليس بجسم فليس بمؤلف ولكنه ليس بمؤلف فليس بجسم فاما إذا كان التالى أعم من المقدم كالحيوان بالنسبة إلى الانسان ففى نفى الأعم نفى الأخص إذ فى نفى الحيوان نفى الانسان وليس فى نفى الأخص نفى الأعم إذليس فى نفى الانسان نفى الحيوان نعم فى إثبات الأخص إثبات الأعم إذ فى إثبات الانسان إثبات الحيوان وليس فى إثبات الحيوان إثبات الانسان.
(النوع الثانى الشرطى المنفصل): وهو أن تقول العالم إما حادث وإما قديم فهذا ينتج منه أربع استثنا آت فانك تقول لكنه حادث فليس بقديم لكنه ليس بحادث فهو قديم لكنه قديم فليس بحادث لكنه ليس بقديم فهو حادث فاستثناء عين كل واحد ينتج نقيض الآخر واستثناء نقيض كل واحد ينتج عين الآخر وهذا شرطه الحصر فى قسمين فان كان فى ثلاثة فاستثناء عين كل واحد ينتج نقيض الآخرين كقولك هذا العدد إما أكثر أو أقل أومساو ولكنه أكثرفبطل أن يكون أقل أو مساويا* فاما استثناء نقيض الواحد يوجب أحد الباقين لا بعينه كقولك لكنه ليس بمساو فيجب أن يكون إما أقل أو أكثر وإن لم تكن الأقسام حاصرة كقولك زيد إما بالحجاز وإما بالعراق أو هذا العدد إما خمسة أو إما عشرة وإما كيت وإما كيت فاستثناء عين واحد ينتج بطلان عين الآخرين* وأما استثناء نقيض الواحد فلا ينتج إلا الانحصار فى الباقى الذى لا ينحصر فهذه أصول الأقيسة ونكمل الكلام بذكر أمور أربعة (قياس الخلف والاستقراء والمثال والقياسات المركبة) أما قياس الخلف فصورته أن تثبت مذهبك بابطال نقيضه بأن تلزم عليه محالات بأن تضيف إليه مقدمة ظاهرة الصدق وينتج منه نتيجة ظاهرة الكذب ثم تقول النتجة الكاذبة لا تحصل إلا من مقدمات كاذبة وإحدى المقدمتين ظاهرة الصدق فيتعين الكذب فى المقدمة الثانية التى هى مذهب الخصم مثاله أن يقول القائل كل نفس فهو جسم فنقول كل نفس فهو جسم وكل جسم فهو منقسم فاذا كان كل نفس فهو منقسم وهذا ظاهر الكذب فى نفس الانسان فلا بد أن يكون فى مقدماته المنتجة له قول كذب لكن قولنا كل جسم منقسم ظاهر الصدق فبقى الكذب فى قولنا كل نفس جسم فاذا بطل ذلك ثبت أن النفس ليس بجسم (أما الاستقراء): فهو أن يحكم من جزئيات كثيرة على الكلى الذى يشمل تلك الجزئيات كقولك: كل حيوان إما إنسان أو فرس أو غيرهما، وكل إنسان يحرك فكه الأسفل عند المضغ وكل فرس يحرك فكه الأسفل عند المضغ، وكل كذا وكذا مما غايرهما يحرك فكه الأسفل عند المضغ. فينتج أن كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ فعند المضغ يحرك فكه الأسفل لأنا رأينا الفرس والانسان والهرة وسائر الحيوانات كذلك فهذا صحيح إن أمكن استقراء جميع الجزئيات حتى لا يشذ واحد فعند ذلك ينتظم قياس من الشكل الأول ولكن إذا احتمل أن يشذ واحد لم يفد اليقين كالتمساح الذى يحرك فكه الأعلى ولا يبعد أن يطرد حكم فى ألف إلا فى واحد والاعتماد على الاستقراء يصلح فى الفقهيات لا فى اليقينيات وفى الفقهيات كل ما كان الاستقراء أشد استقصاء وأقرب إلى الاستيفاء كان آكد فى تغليب الظن (وأما المثال): فهوالذى يسميه الفقهاء والمتكلمون قياسا وهو نقل الحكم من جزئى على جزئى آخر لأنه يماثله فى أمر من الأمور وهوكمن ينظر إلى البيت فيراه حادثا ومصورا ثم إنه ينظر إلى السماء فيراها مصورة فينقل الحكم اليها فيقول السماء جسم مصور فهو حادث قياسا على البيت. وهذا لا يفيد اليقين ولكنه يصلح لتطييب القلب وإقناع النفس فى المحاورات وكثيرا ما يستعمل فى الخطابة ونعنى بالخطابة المحاورات الجارية فى الخصومات والشكايات والاعتذارات فى الذم والمدح وفى تفخيم الشىء وتحقيره وما يجرى هذا المجرى فاذا قيل لمريض هذا الشراب ينفعك فيقول لم فيقال لأن المريض الفلانى شربه فنفعه فاذا قيل له ذلك مالت نفسه إلى القبول ولم يطالب بأن يصحح عنده أنه ينفع لكل مريض أو يصحح أن مرضه كمرضه وحاله في السن والقوة والضعف وسائر الأموز كحاله* ولما أحس الجدليون بضعف هذا الفن أحدثوا طرقا وهو أن قالوانبين أن الحكم في الاصل معلل بهذا المعنى وسلكوا فى إثبات المعنى والعلة طريقين (أحدهما) الطرد والعكس وهو أنهم قالوا نظرنا فرأينا أن كل ما هو مصور فهو محدث وكل ماليس بمصور فليس بمحدث وهذا يرجع إلى الاستقراء وهو غير مفيد لليقين من وجهين (أحدهما) أن استيفاء جميع الآحاد غير ممكن فلعله شذ عنه واحد (والآخر) أنه فى استقرائه هل تصفح السماء فان كان ما تصفح فاذا لم يتصفح الكل بل تصفح ألفا مثلا إلا واحدا ولا يبعد أن يخالف في الحكم الواحد والألف كما ذكرناه فى التمساح وإن تصفح السماء وعرف أنه محدث لكونه مصورا فهو محل النزاع وقد بان له قبل صحة مقدمة القياس يعنى قبل إطراده فأى حاجة به الى القياس إن ثبت له ذلك.
(الطريقة الأخرى): السبر والتقسيم وهو أنهم قالوا نسبر او أوصاف البيت مثلا ونقول انه موجود وجسم وقائم بنفسه ومصور وباطل أن يكون محدثا لكونه موجودا أو قائما بنفسه أو كذا أو كذا إذ يلزم أن يكون كل موجود قائم بنفسه محدثا فثبت أن ذلك لأنه مصور وهذا فاسد من أربعة أوجه.
(الأول): أنه يحتمل أن يقال ليس الحكم معللا في الأصل بعلة.
من هذه العلل التى هى أعم بل بعلة قاصرة على ذاته لا تتعداه ككونه بيتا مثلا وان ثبت ان غير البيت حادث فيكون معللا بما يجمع البيت وذلك الشىء خاصة ولا يتعدى إلى السماء.
(والثانى): أن هذا إنما يصح إذا استقصى جميع أوصاف الأصل حتى لا يشذ شىء والحصر والاستقصاء ليس يبين فلعله شذ وصف عن السير ويكون هو العلة، وأكثر الجدليين لا يهتمون بالحصر بل يقولون إن كانت فيه علة أخرى فابرزها أو يقولون لو كان لادركته أنا وأنت كما انه لو كان بين يدينا فيل لادركناه وإذ لم ندركه حكمنا بنفيه وهذا ضعيف إذ عجز الخصمين عن الادراك فى الحال ولا فى طول العجز لا يدل على العدم أيضا وليس هذا كالفيل فانك قط لم تعهد فيلا قائما بين أيدينا ولم نشاهده فى الوقت وكم من المعانى الموجودة قد طلبناها ولم نعثر عليها فى الحال ثم عثرنا عليها.
(والثالث): أنه وإن سلم الاستقصاء فيها وكانت الأوصاف أربعة فابطال ثلاثة لا يوجب ثبوت الرابع إذ الأقسام فى التركيب تزيد على أربعة إذ يحتمل ان يكون حادثا لكونه موجود او جسما أو لكونه موجودا وقائما بنفسه أو لكونه موجودا ومصورا، ويحتمل أن يكون حاد لكونه جسما وقائما بنفسه أو لكونه جسما ومصورا، ويحتمل أن يكون حادثا لكونه جسما ومصورا، ويحتمل أن يكون حادثا لكون موجودا وجسما وقائما بنفسه، ويحتمل أن يكون حادثا لكون موجودا وقائما بنفسه ومصورا أو غير ذلك من التركيبات من اثنين اثنين أو من ثلاثة ثلاثة فكم من حكم لا يثبت ما لم تجتمع أمور كالسواد للحبر يشترك فيه العفص والزاج والعجن بالماء وأكثر الأحكام معللة بأمور مركبة فكيف يكفى ابطال المفردات.
(والرابع): أنه إن سلم الاستقصاء وسلم انه إذا بطل ثلاث ولم يبق إلا رابع فهذا يدل على أن الحكم ليس فى الثلاث وانه لا يعدو الرابع لكنه لا يدل على انه منوط بالرابع لا محالة بل يحتمل أن ينقسم المعنى الرابع إلى قسمين ويكون الحكم فى أحد القسمين دون الآخر فابطال ثلاث يدل على أن المعنى لا يعدو الرابع ولا يدل على أنه العلة وهذا مزلة قدم فانه لو قسم أولا وقال وصفه أنه موجود وقائم بنفسه وجسم ومصور بصفة كذا ومصور بصفة أخرى لكان إبطال ثلاثة لا يوجب أن يتعلق الحكم بالمصور المطلق بل بأحد قسمى المصور فهذا كشف هذه الأدلة الجدلية ولا يصير ذلك برهانا ما لم تقل كل مصور محدث والسماء مصور فهو محدث فان نوزع فى قوله كل مصور محدث فلا بد من اثباته ولا يثبت ذلك بأن يرى مصورا آخر محدثا ولا ألف مصور محدثا بل صارت هذه المقدمة مطلوبة فيجب اثباتها بمقدمتين مسلمتين أو بطريق من الطرق المذكورة لا محالة فهذا حكم المثال.
(أما القياسات المركبة): فاعلم أن العادة فى الكتب والتعليمات غير جارية بترتيب الأقيسة على النحو الذى رتبناه ولكن تورد فى الكتب مشوشة إما مع زيادة مستعنى عنها، وإما مع حذف احدى المقدمتين استغناء بظهورها أو قصدا إلى التلبيس وما يورد مشوش الترتيب مما ليس على ذلك النظم وأمكن رده اليه فهو قياس منتج وما هو على ذلك النظم فى ظاهره ولكنه ليس معه شروطه فهو غير منتج، ومثال الترتيب هو الشكل الأول من أقليدس وهو انه إذا كان معك خط.
(اب) وأردت أن تبنى عليه مثلثا متساوى الاضلاع وتقيم البرهان على أنه متساوى الاضلاع فتقول مهما جعلنا نقطة (ا) مركزا ووضعنا عليه طرف الفركار وفتحناه إلى نقطة (ب) وتممنا دائرة حول مركز (ا) ثم جعلنا نقطة (ب) مركزا ووضعنا عليه طرف الفركار وفتحناه إلى نقطة (ا) وتممنا دائرة على مركز (ب) فالدائرتان متماثلتان لأنهما على بعد واحد ويتقاطعان لا محالة فى ج فنخرج من موضع التقاطع خطا مستقيما إلى نقطة (ا) وهو خط (ج ا) ونخرج خطا آخرمستقيما من نقطة (ج) إلى نقطة (ب) وهو (ج ب) فنقول هذا المثلث الحاصل من نقط (ا ب ج) مثلث متساوى الاضلاع، وبرهانها أن خطى (ا ج) و (ا ب) متساويان لانهما خرجا من مركز دائرة واحدة إلى محيطها وكذا خطا (ب ج) و(ا ب) متساويان بمثل هذه العلة وخطا (اج) و (ب ج) متساويان لانهما ساويا خطا واحدا بعينه وهو خط (ا ب) فاذن النتيجة أن المثلث متساوى الاضلاع فهكذا جرت العادة باستعمال المقدمات ههنا، وإذا أردت الرجوع إلى الحقيقة والترتيب لم يحصل النتيجة إلا من أربعة أقيسة كل قياس من مقدمتين (الأول) ان خطى (ا ب) و (ا ج) متساويان لأنهما خرجا من مركز دائرة إلى محيطها وكل خطين مستقيمين خرجا من المركز إلى المحيط فهما متساويان فاذا هما متساويان (الثانى) أن خطى (اب) و (ب ج) أيضا متساويان بمثل هذا القياس (الثالث) ان خطى (اج) و (ب ج) متساويان لأنهما خطان ساويا خط (ا ب) وكل خطين ساويا شيئا واحدا بعينه فهما متساويان فاذا هما متساويان (الرابع ) شكل (ا ب ج) محاط بثلاثة خطوط متساوية وكل شكل محاط بثلاثة خطوط متساوية فهو مثلث متساوى الأضلاع فشكل (ا ب ج) الذى على خط (ا ب) مثلث متساوى الأضلاع هذا ترتيبه الحقيقى ولكن يتساهل بحذف بعض المقدمات لوضوحها بالنسبة لهذا هذا هو القول في صورة القياس (القول فى مادة القياس): مادة القياس هى المقدمات فان كانت صادقة يقينية كانت النتائج صادقة يقينية وإن كان كاذبة لم ينتج الصادقة وإن كانت ظنية لم ينتج اليقينية وكما أن الذهب مادة الذينار والتدوير صورته وقد يحتمل تزيف الدينار تارة باعوجاج صورته وبطلان استدارته بأن يكون مستطيلا فلا يسمى دينارا وتارة بفساد مادته بأن يكون نحاسا أو حديدا كذلك القياس تارة يفسد بفساد صورته وهو أن لا يكون على شكل من الأشكال السابقة وتارة بفساد مادته وإن صحت صورته وهو أن تكون المقدمة ظنية أو كاذبة وكما أن الذهب له خمس مراتب (الاول ) أن يكون إبريزا خالصا محققا (والثانى) أن لا يكون فى تلك الدرجة ولكن يكون فيه غش ما لا يظهر البتة إلا للناقد البصير (والثالث) أن يكون فيه عش يظهر لكل ناقد ويمكن أن يشعر به غير الناقد أيضا وينبه عليه (والرابع) أن يكون زيفا من نحاس ولكن موه تمويها يكاد يغلط فيه الناقد مع أنه لا ذهب فيه أصلا (والخامس) أن يكون مموها تمويها يظهر لكل أحد أنه مموه* فكذلك المقدمات لها خمسة أحوال (الأول) أن يكون يقينية صادقة بلا شك ولا شبهة فالقياس الذى ينتظم منها يسمى برهانا (والثانى) أن تكون مقاربة لليقين على وجه يعسر الشعور بامكان الخطأ فيها ولكن يتطرق اليها إمكان إذا تأنق الناظر فيها والقياس المرتب منها يسمى جدليا (والثالث) أن تكون المقدمات ظنية ظنا غالبا ولكن تشعر النفس بنقيضها وتتسع لتقدير الخطأ فيها* والقياس المركب منها يسمى خطابيا (والرابع) ما صور بصور اليقينيات بالتلبيس وليس ظنيا ولا يقينيا والحاصل منه يسمى مغالطيا وسوفسطائيا (والخامس) هو الذى نعلم أنه كاذب ولكن تميل النفس إليه بنوع تخيل والقياس الحاصل منه يسمى شعريا ولا بد من شرح هذه المقدمات وكل مقدمة ينتظم منها قياس ولم تثبت تلك المقدمة بحجة ولكنها أخذت على أنها مقبولة مسلمة فانها لا تتعدى ثلاثة عشر قسما (الأوليات) (والمحسوسات) (والتجربيات). (والمتواترات). و(القضايا التى لا يخلو الذهن عن حدودها الوسطى وقياساتها). (والوهميات) (والمشهورات) (والمقبولات) (والمسلمات). (والمشبهات) و(المشهورات فى الظاهر) (والمظنونات) (والمخيلات) (أما الأوليات) فهى التى تضطر غريزة العقل بمجردها إلى التصديق بها كقولك الاثنان أكثر من الواحد والكل أعظم من الجزء والأشياء المساوية لشىء واحد متساوية فان من قدر نفسه عاقلا ولم يتعلم إلا بمجرد العقل ولم يلقن تعليما ولا عود تخلقا بخلق بل قدر أنه خلق دفعة واحدة عاقلا وعرضت هذه القضايا عليه وثبت فى نفسه تصورها أعنى إذا تصور معنى الكل ومعنى الجزء ومعنى الأكبر فلا يمكنه أن لا يصدق بأن الكل أكبر من الجزء هذا فى كل كل كيفما كان وليس ذلك من الحس إذ الحس لا يدرك إلا واحدا أو اثنين أو أشياء محصورة وهذا حكم ثابت في العقل كليا ولا يمكن أن يقدر العقل منفكا عنه قط (والمحسوسات) مثل قولنا الشمس مستنيرة وضوء القمر يزيد وينقص (والتجربيات) ما يحصل من مجموع العقل والحس كعلمنا بأن النار تحرق والسقمونيا تسهل الصفراء والخمر يسكر فان الحس يدرك السكر عقيب شرب الخمر مرة بعد أخرى على التكرار فينتبه العقل لكونه موجبا له إذ لو كان اتفاقيا لما اطرد فى الأكثر فينتقش فى الذهن علم بذلك موثوقا به (والمتواترات) ما علم بأخبار جماعة كعلمنا بوجود (مصر ومكة) وإن لم نبصرهما ومهما استحال الشك فيه سمى متواترا ولا يجوز أن يقاس البعض على البعض فيقال من شك فى وجود معجزة من نبى ينبغى أن يصدق بها لأن النقل فيه متواتر كما فى وجود النبى لأنه يقول ليس يمكننى أن أشكك نفسى فى وجود النبى لمشاهدتى له ويمكننى أن أشكك نفسى فى هذا فلو كان هذا مثل ذلك لما قدرت على التشكك فلا بد وان يمهل إلى أن يتواتر عنده تواترا يستحيل معه الشك إن كان متواترا (وأما القضايا التى قياساتها فى الطبع معها) فهى القضايا التى لا تثبت فى النفس إلا بحدودها الوسطى ولكن لا يعزب عن الذهن الحد الأوسط فيظن الانسان أنها مقدمة أولية عرفت بغير وسط وهى على التحقيق معلومة بوسط ولا معنى للقياس إلا طلب الحد الاوسط وإلا فالأكبر والأصغر موجودان فى نفس المسئلة المطلوبة. مثاله انك تعلم أن الاثنين نصف الأربعة على البداهة وهذا معلوم بوسط وهو أن النصف الآخر أحد جزئى الكل المساوى للآخر والاثنان من الأربعة أحد الجزئين المتساويين فكان نصفا الدليل عليه أنه لو قيل له كم سبعة عشر من أربع وثلاثين ربما لم يقدر على أن يحكم على البداهة بأنه نصفه ما لم يقسم أربع وثلاثين يقسمين متساويين ثم ينظر إلى كل قسم فيراه سبعة عشر فيعلم أنه نصف وإن كان هذا حاضرا أيضا فى الذهن فاعتبر ذلك فى عدد كثير أو أبدل النصف بالعشر والسدس وغيره فالمقصود المثال.
Página desconocida