المقاصد الفلاسقة فى المنطق والحكمة الالهية والحكمة الطبيعية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذى عصمنا من الضلال، وعرفنا مزلة أقدام الجهال والصلاة والسلام على المخصوص من ذى الجلال بالقبول والاقبال محمد المصطفى خير خلقه وعلى آله خير آل.
(أما بعد): فانك التمست كلاما شافيا فى الكشف عن تهافت الفلاسفة وتناقض آرائهم ومكامن تلبيسهم وإغوائهم، ولا مطمع فى إسعافك إلا بعد تعريفك مذهبهم، وإعلامك معتقدهم؛ فان الوقوف على فساد المذاهب قبل الاحاطة بمداركها محال بل هو وهى فى العماية والضلال، فرأيت أن أقدم على بيان تهافتهم كلاما وجيزا مشتملا على حكاية مقاصدهم من علومهم المنطقية والطبيعية والالهية من غير تمييز بين الحق منها والباطل بل لا أقصد إلا تفهيم غاية كلامهم من غير تطويل بذكر ما يجرى مجرى الحشو والزوائد الخارجة عن المقاصد وأورده على سبيل الاقتصاص والحكاية مقرونا بما اعتقدوه أدلة لهم ومقصود الكتاب حكاية:
(مقاصد الفلاسفة): وهو اسمه وأعرفك أولا أن علومهم أربعة أقسام؛ الرياضيات، والمنطقيات، والطبيعيات، والالهيات (أما الرياضيات): فهى نظر فى الحساب والهندسة، وليس فى مقتضيات الهندسة والحساب ما يخالف العقل، ولا هى مما يمكن أن يقابل بانكار وجحد، وإذا كان كذلك فلا غرض لنا فى الاشتغال بايراده* (وأما الالهيات): فأكثر عقائدهم فيها على خلاف الحق والصواب نادر فيها.
(وأما المنطقيات): فأكثرها على منهج الصواب والخطأ نادر فيها وإنما يخالفون أهل الحق فيها بالاصطلاحات والايرادات دون المعانى والمقاصد إذ غرضها تهذيب طرق الاستدلالات وذلك مما يشترك فيه النظار.
(وأما الطبيعيات): فالحق فيها مشوب بالباطل. والصواب فيها مشتبه بالخطأ فلا يمكن الحكم عليها بغالب ومغلوب، وسيتضح فى كتاب التهافت بطلان ما ينبغى أن يعتقد بطلانه ولنفهم الآن ما نحن نورده على سبيل الحكاية مهملا مرسلا من غير بحث عن الصحيح والفاسد حتى إذا فرغنا منه استأنفنا له جدا وتشميرا فى كتاب مفرد نسميه: (تهافت الفلاسفة) إن شاء الله.
ولتقع البداية بتفهيم المنطق وإيراده.
~~القول في المنطق
(مقدمة فى تمهيد المنطق وبيان فائدته واقسامه) (أما التمهيد): فهو أن العلوم وإن انشبعت أقسامها، فهى محصورة فى قسمين؛ التصور والتصديق.
(أما التصور): فهو إدراك الذوات التى يدل عليها بالعبارات المفردة على سبيل التفهيم والتحقيق كادراك المعنى المراد بلفظ الجسم والشجر والملك والجن والروح وأمثاله* (وأما التصديق): فكعلمك بأن العالم حادث والطاعة يثاب عليها والمعصية يعاقب عليها. وكل تصديق فمن ضرورتة ان يتقدمه تصوران فان لم يفهم العالم وحده، والحادث وحده، لم يتصور منه التصديق بأنه حادث بل لفظ الحادث إذا لم يتصور معناه صار كلفظ المادث مثلا. ولو قيل العالم مادث لم يمكنك لا تصديق ولا تكذيب لأن ما لا يفهم كيف ينكر أو كيف يصدق به وكذا لفظ العالم إذا أبدل بمهمل. ثم كل واحد من التصور والتصديق ينقسم إلى ما يدرك أولا من غير طلب وتأمل، وإلى ما لا يحصل إلا بالطلب* أما الذى يتصور من غير طلب فكالموجود والشىء وأمثالهما* وأما الذى يتحصل بالطلب فكمعرفة حقيقة الروح والملك والجن وتصور الأمور الخفية وذواتها.
Página desconocida
وأما التصديق المعلوم أولا: فكالحكم بأن الاثنين أكثر من واحد وأن الأشياء المساوية لشىء واحد متساوية ويضاف إليه الحسيات والمقبولات وجملة من العلوم التى تشتمل النفوس عليها من غير سبق طلب وتأمل فيها وينحصر في ثلاثة عشر نوعا وسيأتى فى موضعه* وأما الذى يدرك بالتأمل: فكالتصديق بحدوث العالم وحشر الأجساد والمجازات على الطاعات والمعاصى وأمثالها وكل ما لا بد فى تصوره من طلب فلا ينال إلا بذكر الحد وكل ما لابد فى تصديقه من طلب فلا ينال إلا بالحجة وكل واحد منهما من ضرورته أن يتقدم عليه علم لا محالة فانا إذا أنكرنا معنى الانسان وقلنا ماهو فقيل لنا هو حيوان ناطق فينبغى أن يكون الحيوان معلوما عندنا وكذلك الناطق حتى يحصل لنا بهما العلم بالانسان المجهول، ومهما لم نصدق بأن العالم حادث فقيل لنا العالم مصور وكل مصور حادث فاذا العالم حادث فهذا لا يفيدنا العلم بما جهلناه من حدوث العالم إلا إذا سبق لنا التصديق بأن العالم مصور وبان المصور حادث فعند ذلك نقتنص بهذين العلمين العلم بما هو مجهول عندنا فيثبت بهذا أن كل علم مطلوب فانما يحصل بعلم قد سبق ثم لا يتسلسل الى غير النهاية فلا بد وأن ينتهى الى اوائل هى حاصلة فى غريزة العقل بغير طلب وفكرة هذا تمهيد القول فى المنطق * (أما فائدة المنطق): فلما ثبت أن المجهول لا يحصل الا بمعلوم وليس بخفى أن كل معلوم لا يمكن التوصل به إلى كل مجهول بل لكل مجهول معلوم مخصوص يناسبه وطريق فى إيراده وإحضاره فى الذهن يفضى ذلك الطريق إلى كشف المجهول فما يؤدى منه إلى كشف التصورات يسمى حدا أو رسما، وما يفضى إلى العلوم التصديقية يسمى حجة فنه قياس ومنه استقراء وتمثيل وغيره.
وينقسم كل واحد من الحد والقياس إلى ما هو صواب ليفيد اليقين وإلى ماهو غلطولكنه شبيه بالصواب. فعلم المنطق هو القانون الذى به يميز صحيح الحد والقياس عن فاسدهما فيتميز العلم اليقينى عما. ليس يقينيا وكانه الميزان والمعيار للعلوم كلها وكل ما لم يوزن بالميزان لم يتميز فيه الرجحان عن النقصان، ولا الربح عن الخسران. فان قيل إن كانت فائدة المنطق تميز العلم عن الجهل فما فائدةالعلم ؟ قيل له الفوائد كلها مستحقرة بالاضافة إلى السعادة الأبدية وهى سعادة الآخرة وهى منوطة بتكميل النفس، وتكميلها بأمرين. الذكية والتحلية * (أما التذكية): فهى تطهيرها عن رذائل الأخلاق وتقديسها عن الصفات المذمومة * (وأما التحلية): فبأن ينتقش فيها حلية الحق حتى ينكشف لها الحقائق الالهية بل الوجود له على ترتيبه انكشافا حقيقيا موافقا للحقيقة لاجهل فيها ولا لبس. ومثالها المرآة التى كمالها فى أن يظهر فيها الصور الجميلة على ما هى عليها من غير اعوجاج وتغيير وذلك بتطهيرها عن الخبت والصدأ بأن يحاذى بها شطر الصور الجميلة.
فالنفس مرآة تنطبع فيهاصور الوجود كلها مهما ذكيت وصقلت بتخليتها عن رذائل الأخلاق ولا يمكن التميز بين الأخلاق المذمومة والمحمودة إلا بالعلم ولا معنى لتحصيل نقش الموجودات كلهافى النفس إلا بالعلم ولا طريق إلى تحصيله إلا بالمنطق فاذا فائدة المنطق اقتناص العلم. وفائدة العلم حيازة السعادة الأبدية فاذا صح رجوع السعادة إلى كمال النفس بالتذكية والتحلية صار المنطق لا محالة عظيم الفائدة أما أقسام المنطق وترتيبه فيتبين بذكر مقصوده ومقصوده الحد والقياس وتميز الصحيح منهما عن الفاسد وأهمهما القياس وهو مركب إذ لا ينتظم قياس إلا من مقدمتين كما سيأتى وكل مقدمة فيهاموضوع ومحمول وكل موضوع ففيه لفظ ويدل لا محالة على معنى ومن أراد تحصيل المركب إما فى الوجود أو فى العلم فلا سبيل له إلا بتقديم المفردات والأجزاء المفردة أولا كما أن بانى البيت يفتقر إلى اعداد الخشب واللبن والطين وإحضار المفردات والأجزاء أولا ثم الاشتغال بالبناء ثانيا فكذلك العلم يحذو حذو المعلوم فانه مثال مطابق للمعلوم فطالب العلم بالمركب ينبغى أن يحصل العلم أولا بالمفردات فلزم من ذلك أن نتكلم فى الألفاظ ووجه دلالتها على المعانى ثم فى المعانى وأقسامها ثم فى القضية المركبة من محمول وموضوع وأقسامها ثم فى القياس المركب من قضيتين . ونتكلم في القياس فى حين أحدهما فى مادته والآخر في صورته كما سيأتى فعلى هذا يشتمل ما نريد إيراده من المنطق على فنون * (الفن الاول فى دلالة الالفاظ) ويتضح المقصود منها بتقسمات خمسة: (الأول ايساغوجى): اعلم بأن دلالة اللفظ لى المعنى من ثلاثه أوجه: (أحدها) بطريق المطابقة كدلالة لفظ البيت على معناه.
(والآخر): بطريق التضمن كدلالة لفظ البيت على الحائط.
المخصوص فان لفظ الحائط موضوع للمسمى به بالمطابقة فيدل عليه بذلك ولفظ البيت أيضا يدل عليه ولكن يفارقه في وجه الدلالة.
(والثالث): بطريق الالتزام كدلالة السقف على الحائط فانه يباين طريق المطابقة والتضمن فلم يكن بد من اختراع اسم ثالث والمستعمل فى العلوم والمعول عليه فى التفهيمات طريق المطابقة والتضمن أما الالتزام فلا فان اللوازم أيضا لها لوازم ويتداعى إلى أمور غير محدودة ولا يحصل التفاهم بها * (قسمة ثانية): اللفظ ينقسم إلى مفرد ومركب.
(أمالمفرد): فهو الذى لا يراد بأجزائه أجزاء من المعنى كالانسان فانه لا يرادبان ولا بسان معنى من أجزاء معنى الانسان بخلاف قولك غلام زيد. وزيد يمشى إذيراد بالغلام الذى هو جزء من الكلام معنى وبزيد معنى وإذا قلت عبد الله وكان اسم لقب كان مفردا لأنك لاتقصد به إلا ما تقصد بقولك زيد. وان أردت النعت فهو مركب وإذ كان كل مسمى بعبد الله عبد الله لا محالة صار هذا الاسم فى حقه كالمشترك تارة بطلق لقصد التعريف فيكون اسما مفردا وتارة يراد به الوصف فيكون مركبا * (قسمة ثالثة): اللفظ ينقسم إلى جزئى وكلى، فالجزئى ما يمنع نفس مفهومه من الشركة فيه كقولك زيد وهذا الفرس وهذه الشجرة والكلي مالا يمنع نفس مفهومه من وقوع الشركة فيه كالفرس والشجروالانسان وان لم يكن فى العالم إلا فرس واحد فقولك الفرس كلى لأن الاشتراك فيه نمكن بالقوة وان لم يوجد بالفعل وإنما يصير جزئيا بأن تقول هذا الفرس. ولهذا لوقلت الشمس فهو كلى لأنه لو قدرت شموس لدخلت تحت الاسم بخلاف قولك هذه الشمس (قسمة رابعة): اللفظ ينقسم إلى فعل واسموحرف، والمنطقيون يسمون الفعل كلمة وكل واحد من الاسم والفعل يفارق الحرف فى ان معناه تام بنفسه فى الفهم بخلاف الحرف فانه إذا قيل لك من الداخل فقلت زيد فهم وتم الجواب. واذا قيل ماذا فعلت فقلت ضربت تم الجواب ولوقيل أين زيد فقلت فى أوقلت على لم يتم الجواب مالم تقل فى الدار أوعلى السطح فيظهر معنى الحرف فى غيره لا في نفسه ،ثم يفارق الكلمة الاسم فى انه يدل على معنى وعلى زمان وقوع ذلك المعنى كقولك ضرب فانه يدل على الضرب الواقع فى الماضى والاسم كقولك الفرس فانه لا يدل على الزمان . فان قيل فقولك أمس وعام أول يدل على الزمان فليكن فعلا. قيل الفعل ما دل على معنى وعلى زمان ذلك المعنى، وقولك أمس يدل على زمان هو نفس المعنى لاهو زمان المعنى فلو كان يدل أمس على معنى الأمس وعلى زمان هو غير معنى الأمس لقيل انه فعل ولكان لازما ومنطبقا على حد الفعل.
(قسمة خامسة ): الألفاظ من المعاني على خمسة منارل؛ (المتواطئة والمترادفة والمتباينة والمشتركة والمتفقة) أما المتواطئة فكقولك حيوان فانه ينطبق على الفرس والثور والانسان بمعنى واحد من غير تفاوت في القوة والضعف ولا تقدم ولا تأخر بل الحيوانية للكل واحد وكذلك الانسان على زيد وعمرو وخالد وأما المترادفة فهى الاسامى المختلفة المتواردة على مسمى واحد كالليث والأسد والخمر والعقار، والمتباينة هى الاسامى المختلفة للمسميات المختلفة كالفرس والثور والسماء لمسمياته . والمشتركة هى اللفظ الواحد المطلق على مسميات مختلفة كلفظ العين للذهب والشمس والميزان وعين الماء، والمتفقة هى المترددة بين المشتركة والمتواطئة كالوجود للجوهر والعرض فانه ليس كلفظ العين إذ مسمياتها لا تشترك فى أمر والوجود حاصل للعرض كما أنه حاصل للجوهر وليس كالمتواطئة لأن الحيوانية للفرس والانسان ثابت على وجه واحد من غير اختلاف والوجود يثبت للجوهر أولا. ثم يثبت للعرض بواسطته فهو ثابت بتقدم وتأخر. وقد يسمى هذا مشككا لتردده، ولنقتصر من فن الألفاظ على هذا الفن * (الفن الثانى فى المعانى الكلية واختلاف نسبها واقسامها) إذا قلنا هذا الانسان حيوان وأبيض أدركنا تفرقة بين نسبة الحيوانية اليه وبين نسبة الأبيضية اليه فما نسبته إلى الموضوعات نسبة الحيوانية يسمى ذاتيا. وما نسبته يشبه نسبة الأبيضية يسمى عرضيا فيقال كل معنى كلى نسب إلى جزئى تحته فاما أن يكون ذاتيا واما أن يكون عرضيا ولا يكون المعنى ذاتيا مالم يجتمع فيه ثلاثة أمور: (الأول): أنك مهما فهمت الذاتى وفهمت ما هو ذاتى له لم يمكنك أن يخطر بالك الموضوع أوتفهمه إلا أن تفهم أولا حصول الذاتى له ولا يمكنك فهمه دون ذلك الذاتى فانك اذا فهمت الانسان والحيوان لم يمكنك فهم الانسان دون فهم الحيوان أولا. واذا فهمت العدد وفهمت الأربعة لم يمكنك أن تقدر الأربعة داخلة فى فهمك دون أن تفهم العدد اولا ولو أبدلت الحيوان والعدد بالموجود والأبيض امكنك أن تفهم الأربعة من غير ان يدخل فى فهمك انها موجودة ام لا وانها ابيض اولا بل ربما يشك فى ان فى العالم أربعة أم لا وذلك لا يقدح في فهم ذات الأربعة وكذلك تفهم ماهية الانسان بعقلك من غير أن تحتاج الى فهم كونه أبيض أو فهم كونه موجودا ولا يمكن دون كونه حيوانا، وان لم يساعدك الذهن فى فهم هذا المثال لأنك انسان موجود ولكثرة وجود الانسان فابدله بالتمساح أو بما شئت من الحيوانات وغيرها فبذلك يظهر أن الوجود عرضى للماهيات كلها، وأما الحيوان للانسان فذاتى وكذلك اللون للسواد والعدد للخمسة.
(والثانى): أنك تفهم أن الكلى لا بد أن يكون أولا حتى يكون الجزئى الموضوع تحته حاصلا إما في الوجود أو فى الذهن اذ تفهم أنه لا بد من حيوان أولا حتى يكون انسانا أو فرسا ولا بد من عدد أولا حتى يكون أربعة أو خمسة ولا يمكنك أن تقول لا بد من ضحاك أولا حتى يكون انسانا بل لا بد من انسان أولا حتى يكون ضحاكا. وكون الانسان ضحاكا بالطبع وصف له عرضى تابع لوجوده وهو مساو لكونه حيوانا فى أنه لازم لا يفارق ولكن الفرق بينهما مدرك اذ لا بد من اتصال الروح بجسد الانسان أولا ليكون انسانا ولا يمكن ان يقال لا بد من ضحاك أولا ليكون انسانا بل لا بد من انسان أولا ليكون ضحاكا. ولا نعنى بهذه الأولية ترتيبا زمانيا بل ترتيبا عقليا وان كان مساويا فى الزمان * (والثالث): ان الذاتى لا يمكن أن يعلل فلا يمكن أن يقال أى شىء جعل الانسان حيوانا والسواد لونا والأربعة عددا بل الانسان حيوان بعينه وذاته لا بجعل جاعل اذ لو ان بحعل جاعل لتصور أن يجعله انسانا ولا يجعله حيوانا ولا يمكن ذلك فى الوهم كما يمكن فى الوهم أن يجعل انسانا ولا يجعل ضحاكا * وأما العرضى فمعلل اذ يقال ما الذى جعل الانسان موجودا فيصح السؤال ولا يصح أن يقال ما الذى جعله حيوانا بل كان قولك ما الذى جعل الانسان حيوانا كقولك مالذى جعل الانسان انسانا فيقال هو انسان لذاته وكذلك هو حيوان لذاته لأن معنى الانسان حيوان ناطق فلافرق بين قوله ما الذى جعل الحيوان الناطق حيوانا ناطقا وبين قوله ما الذى جعل الانسان حيوانا الا أنه اقتصر فى أحد السؤالين على ذ كر احدى الذاتيين دون الأخرى وبالجملة مهما لم يكن المحمول غير الموضوع وخارجا عن ذاته بالكلية لم يمكن ان يطلب له علة فلا يقال لم كان الممكن ممكناوالواجب واجبا ويقال لم كان الممكن موجودا * (قسمة أخرى للعرض خاصة): العرض ينقسم إلى لازم لا يفارق أصلا كالضحاك للانسان، وكالزوجية للاثنين، وككون الزوايا من المثلث مساوية لقائمتين فانه لا يفارق المثلث وهو لازم وليس بذاتي والذى يفارق ينقسم إلى ما هو بطئ، المفارقة ككونه صبيا وشابا وإلى ما هو سريع المفارقة كصفرة الوجل وحمرة الخجل. والذى يفارق ينقسم إلى ما يفارق فى الوهم دون الوجود كالسواد للزنجى والى مالا يتصور ان يفارق أيضا في الوهم كالمحاذاة للنقطة والزوجية للاربعة وقد يفارق فى الوهم دون الوجود ككون الزوايا من المثلث مساوية لقائمتين إذ قد يفهم المثلث من لا يفهم ذلك ولا يمكن فهم الأربعة إلا وان يقترن به فهم الزوجية وإن كانت من اللوازم. ولما كان مثل هذا اللازم قريبا من الذاتي وملتبسا به جمعنا تلك المعانى الثلاثة لتعتبر جميعها فتعرف باجتماعها كون الشىء ذاتيا ولا يعول على آحادها ، وينقسم العرضى إلى ما يخص موضوعه كالضحاك للانسان ويسمى خاصا وإلى ما يعم غيره كالأكل للانسان ويسمى عرضيا مطلقا وعرضا عاما * (قسمة أخرى للذاتى): الذاتي ينقسم باعتبار العموم والخصوص الى ما لا أعم فوقه ويسمى جنسا والى ما لا أخص تحته ويسمى نوعا والى ما هو متوسط ويسمى نوعا بالاضافة الى ما فوقه وجنسا بالاضافة الى ماتحته و يسمى الذى لا نوع تحته نوع الأنواع والذى لا جنس فوقه جنس الأجناس، والأجناس العالية التى لا جنس فوقها عشرة كما سيأتى ، واحد جوهر وتسعة أعراض. فالجوهر جنس الأجناس إذ ليس شىء أعم منه إلا الوجود وهو عرضى وليس بذاتى ، والجنس عبارة عن الذاتي الأعم ، ثم ينقسم إلى الجسم وغير الجسم، والجسم ينقسم إلى النامى وغير النامى . والنامى ينقسم إلى الحيوان وإلى النبات والحيوان ينقسم الى الانسان وغيره فالجوهر جنس الأجناس والانسان نوع الأنواع وما بينهما من النبات والحيوان يسمى نوعا وجنسا بالاضافة، وإنما قيل للانسان نوع الأنواع لأنه لا ينقسم إلا الى معان عرضية كالصبى والكهل والطويل والقصير والعالم والجاهل وهذه عرضيات ليست بذاتيات اذ الانسان يفارق الفرس بذاته. والسواد يفارق البياض بذاته وهذا السواد لا يفارق ذلك السواد بذاته وطباعه ولكن يكون هذا فى المداد وذلك فى الغراب واضافته الى الغراب عرضى له وزيد لا يفارق عمرا فى الانسانية ولافى أمر ذاتى بل فى كونه ابن شخص آخر ومن بلد آخر أوعلى لون آخر وقديوجد فيه حرفة وخلق آخر. وكل هذا عرضيات للانسان كما سبق ذكره بتعريف العرضى* (قسمة أخرى): الذاتى باعتبار آخر ينقسم الى ما يقال فى جواب ماهو مهما كان مطلب السائل بقوله ما هو حقيقة الذات والى ما يقال فى جواب أى شىء هو فالأول يسمى جنسا أونوعا. والآخر يسمى فصلا، فمثال الأول الحيوان المقول فى جواب قول القائل بعد اشارته الى فرس أو ثور أو انسان ماهو وكذا الانسان المقول فى جواب من أشار الى زيد وعمرو وخالد وقال ماهم، ومثال الثانى الناطق فانه اذا أشار الى انسان وقال ماهو فقلت حيوان لم ينقطع السؤال فان الحيوان يشمل غير الانسان بل يحتاج الى مايفصل ذاته عن غيره فيقول أى حيوان هو فجوابه انه الناطق فيكون الناطق فصلا ذاتيا مقولا فى جواب أى شىء هو، ومجموع الحيوان والناطق حد حقيقي اذ الحد عبارة عما يصوركنه ماهية الشىء فى نفس السائل فان أبدلت الناطق بعرضى يفصله عن سائر الحيوانات كقولك حيوان مديد القامة عريض الأظفار ضحاك بالطبع فان هذا يميزه ويفصله عن سائر الحيوانات ولكن يسمى رسما، وفائدته التمييز فقط. وأما الحد فيطلب به حقيقة ذات الشىء فلا يحصل الا بذكر الفصول الذاتية. وأما التمييز فيحصل تبعا لها وقد يحصل التمييز بفصل واحد وقد لا تتصور الحقيقة الا بذكر فصول فرب شىء له فصول تزيد على تواحد، فيجب على المطلوب منه تصوير ماهية الشىء فى النفس ان يذكر تلك الفصول فمن قال فى حد الحيوان انه جسم ذو نفس حساس فقد أتى بأمور ذاتية مميزة مطردة منعكسة ولكنه ينبغي أن يضيف اليه المتحرك بالارادة حتى يتم به ذكر الفصول الذاتية ويتم بسببه تصور الحقيقة. واذا عرض الكلام فى الحد فلننبه على مثارات الغلط وهى بعد الجمع بين الجنس الأقرب وجميع الفصول الذاتية على الترتيب رجع الى تعريف الشىء بما ليس أوضح منه بأن تعرف الشىء بنفسه أو بما هو مثله فى الغموض أو بما هو أغمض منه أو بما لا يعرف الا به. مثال الأول قولهم فى حد الزمان انه مدة الحركة لأن الزمان هو مدة الحركة ومن أشكل عليه الزمان فلم يشكل عليه الا مدة الحركة وان معنى المدة ما هو. ومثال الثانى ان تقول فى حد البياض البياض ما يضاد السواد فيعرف الشيء بضده، ومهما أشكل الشىء أشكل ضده فضده فى الخفاء مثله فليس تعريف البياض بالسواد بأولى من عكسه، ومثال الثالث قول بعضهم في حد النار انه العنصر الشبيه بالنفس، ومغلوم أن النفس أغمض من النار فكيف تعرف به.
ومثال الرابع: أن يعرف الشىء بما لا يعرف إلا به كقولك فى حد الشمس أنه الكوكب المضىء الذى يطلع نهارا فيذكر النهار فى حد الشمس ولا يعرف النهار إلا بعد معرفة الشمس إذ حده الصحيح هو أن تقول هو زمان كون الشمس فوق الأرض فهذه أمور مهمة فى الحد يجب الاحتراز منها * وقد تحصل مما سبق أن الذاتى ثلاثة أقسام: (جنس، ونوع، وفصل) والعرضى قسمان: (خاصة وعرض عام) فثبت أن أقسام الكليات خمسة يسمى المفردات الخس وهى: (الجنس والنوع والفصل والعرض العام والخاصة) (الفن الثالث فى تركيب المفردات واقسام القضايا) المعاني المفردة إذا ركبت حصلت منها أقسام ولسنا نقصد من جملتها إلا قسما واحدا وهو الخبر، ويسمى قضية وقولا جازما وهو الذى يتطرق إليه التصديق أو التكذيب, فانك إذا قلت العالم حادث أمكن أن يقال إنك صادق، وإذا قلت الانسان حجر أمكن أن تكذب، وإذا قلت إن كانت الشمس طالعة فالكوا كب خفية صدقت، فان قلت فالكواكب ظاهرة كذبت، وإن قلت العالم إما حادث وإما قديم صدقت، وإن قلت زيد إما بالعراق وإما بالحجاز كذبت إذ قد يكون بالشام وهذه هى أقسام القضايا * واما إذا قلت علمنى مسألة. أو قلت هل توافقنى فى الخروج إلى مكة لم يمكن أن تصدق أو تكذب فهذا معنى القضية ولنشرحها بذكر تقسيمات.
Página desconocida
(القسمة الأولى): أن القضية تنقسم إلى حمليةكقولك العالم حادث، وإلى شرطية متصلة كقولك إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، وإلى شرطية منفصلة كقولك العالم إما قديم وإما حادث أما الأولى الجملى فيشتمل على جزئين يسمى أحدهما موضوعا وهو المخبر عنه كالعالم من قولك العالم حادث. ويسمى الثانى محمولا وهوالخبر كالحادث من قولك العالم حادث، وكل واحد من المحمول والموضوع قد يكون لفظا مفردا كما ذكرناه وقد يكون لفظا مركبا ولكن يمكن أن يدل عليه بلفظ مفرد كقولك الحيوان الناطق منتقل بنقل قدميه. فالحيوان الناطق موضوع ويقوم مقامه لفط الانسان وهو مفرد ، وقولك منتقل بنقل قدميه محمول ويقوم مقامه قولك ماش * (وأما الشرطية المتصلة): فلها أيضا جزآن ولكن كل جزء منهما يشتمل على قضية * "أما الجزء الأول"وهو قولك إن كانت الشمس طالعة فيسمى مقدما ولو حذف منه حرف الشرط وهو قولك (إن) بقى قولك الشمس طالعة وهو قضية فكأن حرف الشرط أخرجها عن كونها قضية قابلة للتصديق والتكذيب* "وأما الجزء الثانى": وهو قولك الكواكب خفية يسمى تالية ولو حذف منه حرف الجزاء وهو الفاء لبقى قولك الكواكب خفية وهى قضية والفرق بين هذا وبين الحملى ظاهر من وجهين* "أحدهما": أن الشرطية المتصلة انتظمت من جزئين لا يمكن أن يدل على كل واحد من جزئه بلفظ مفرد بخلاف الحملية * "والثاني": أنه يمكن أن يسأل عن الموضوع أنه هو المحمول فانك تقول الانسان حيوان، ويمكن أن يسأل فيقال هل الانسان هو الحيوان، وأما المقدم فلا يكون هو التالى بل التالى ربما يكون غيره ولكن يكون متصلا به لازما وتاليا فى وجوده لوجوده وتفارق الشرطية المتصلة المنفصلة بوجهين* "أحدهما": أن المنفصلة أيضا تشتمل على جزئين كل واحد أيضا قضية إذا حذفت عنها كلمة الشرط، ولكن لا ترتيب بين جزئيه إلا من حيث الذكر فانك تقول العالم إما حادث وإما قديم، ولو عكست وقلت إما قديم وإما حادث لم يتبدل المعنى. أما التالى إذا جعل مقدما تغير المعنى فى الشرطية المتصلة، وربما كذب احدهما وصدق الآخر* "والثاني": ان التالى موافق للمقدم بمعنى انه يتصل به ويلازمه ولا يعانده، وأحد جزئى المنفصلة معاند للآخر ومنفصل عنه إذ يوجب وجود أحدهما عدم الآخر (قسمة أخرى): القضية باعتبار محمولها ينقسم الى موجبة كقولك العالم حادث، وإلى سالبة كقولك العالم ليس بحادث. وليس هو حرف السلب، والسلب فى الشرطية المتصلة أن تسلب الاتصال بأن تقول ليس ان كانت الشمس طالعة فالليل موجود والسلب فى المنفصلة أن تسلب الانفصال بأن تقول ليس الحمار إما ذكر وإما أسود بل إما ذكر وإما أنثى، وليس العالم إما قديم واما جسم بل اما قديم واما حادث وربما كان المقدم سالبا والتالى سالبا والشرطية المركبة منهما موجبة كقولك ان لم تكن الشمس طالعة فالنهار ليس بموجود فهذه موجبة لأنك أوجبت لزوم نفى النهار لنفى الطلوع وهو معنى الانجاب فى هذه القضية وهنا مزلة القدم وكذلك قد يغلط فى الحملية ويظن أن قولك: (زيدنا بينا است) بالعجمية سالبة وهى موجبة إذ معناه أنه أعمى وربما يقال بالعربية: زيد غير بصير وهى موجبة والعير البصير عبارة عن الأعمى، وهو بجملته محمول يمكن أن يثبت، ويمكن أن ينفى بأن يقال زيد ليس غير بصير اذ سلب الغير بصير عن زيد، وتسمى هذه قضية معدولة أى هو ايجاب فى التحقيق عدل به الى صيغة السلب. وآية ذلك أن السلب يصح على المعدوم فيمكن أن يقال: شريك الله ليس بصيرا اذ المحال ليس عينا ولا يمكن أن يقال شريك الله غير بصير كما لا يقال أعمى وهو في لغة العجم أظهز* (قسمة اخرى): القضية باعتبار موضوعها تنقسم إلى شخصية كقولك زيد عالم وإلى غير شخصية وهى تنقسم إلى مهملة ومحصورة فالمهمل مالم يسور بسور يبين فيه أن الحكم محمول على كل الموضوع أو بعضه كقولك الانسان فى خسر إذ يحتمل أنك تريد البعض والمحصورة هى التى ذكر ذلك فيها وهى أربعة. إما موجبة كليةكقولك كل إنسان حيوان. أو موجبة جزئية كقولك بعض الناس كاتب أوسالبة كلية كقولك لا إنسان واحدحجر. أوسالبة جزئية كقولك لا كل إنسان كاتب أوبعض الناس ليس بكاتب فتكون القضايابهذا الاعتبار ثمانية: (شخصية سالبه. شخصية موجبة. مهملة سالبة. مهملة موجبة) وهذه الأربع لا تستعمل فى العلوم. أما الشخصى المعين فلا يطلب حكمه فى العلوم إذ لا يطلب حكم زيد بل يطلب حكم الانسان. وأما المهملة فهى فى قوة الجزئية لأنها حاكمة على الجزء لا محالة. وأما العموم فمشكوك ولأجل تردده يجب أن يهجر فى التعليمات فيبقى المحصورات الأربعة: (موجبة كلية، وموجبة جزئية، وسالبة كلية، وسالبة جزئية) والشرطية المتصلة أيضا تنقسم إلى كلية كقولك كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود وإلى جزئية كقولك ربما إن كانت الشمس طالعة كان الغيم موجودا، وأما المنفصلة فالكلية منها أن تقول كلجسم فاما متحرك وإما ساكن، والجزئية أن تقول الانسان إما أن يكون فى السفينة وإما أن يغرق. فهذا الانقسام والتغاير ثابت للانسان ولكن فى بعض الأحوال وهو أن يكون فى البحر لا فى البر، وعليك أن تورد مثال السالبة الجزئية والكلية من الشرطية المتصلة والمنفصلة. (قسمة أخرى وهى الرابعة): القضية باعتبار نسبة محمولها إلى موضوعها تنقسم إلى ممكنة كقولك الانسان كاتب، الانسان ليس بكاتب، وإلى ممتنعة كقولك الانسان حجر، الانسان ليس بحجر اوالى واجبة كقولك الانسان حيوان، الانسان ليس بحيوان. فنسبة الكتابة الى الانسان نسبة الامكان، ولايلتفت الى اختلاف السلب والايجاب في اللفظ. فان المسلوب محمول بالسلب كما أن الموجب محمول بالايجاب، ونسبة الحجر الى الانسان نسبة الامتناع، ونسبة الحيوان اليه نسبة الوجوب، والممكن لفظ مشترك لمعنيين؛ اذ قد يراد به كل ما ليس بممتنع فيدخل فيه الواجب وتكون الأمور بهذا الاعتبار قسمين: ممكن وممتنع وقد يراد به ما يمكن وجوده ويمكن عدمه أيضا وهو الاستعمال الخاص وتكون الأمور بهذا الاعتبار ثلاثة: (واجب، وممكن، وممتنع): ولا يدخل الواجب فى الممكن بهذا المعنى، ويدخل فى الممكن بالمعنى الأول والممكن بالمعنى الأول لا يجب أن يكون ممكن العدم بل ربما كان ممتنع العدم كالواجب فانه غير ممتنع، والممكن بذلك المعنى عبارة عن غير الممتنع فقط* (قسمة أخرى وهى الخامسة): لكل قضية نقيض فى الظاهر يخالفها بالايجاب والسلب ولكن إن قاسمها الصدق والكذب سميتا متناقضتين وقيل إن إحداهما نقيضة الأخرى ونعنى به أن يكذب إذا صدقت القضية، ويصدق إذا كذبت القضية، ولا يتحقق هذا التناقض إلا بشروط: (الأول): أن يكون الموضوع واحدا بالحقيقة كما أنه واحد بالاسم، وإلا لم تناقضا فانك تقول الحل يذبح ويشوى والحمل لا يذبح ولا يشوى، وتريد باحدهما برج الحمل، وبالآخر الحيوان المعروف فلا يتناقضان* (الثانى): أن يكون المحمول واحدا وإلا لم يتناقضا كقولك المكره مختار أى له قدرة على الامتناع والمكره ليس بمختار أى ما خلى وشهوته فكون اسم المختار مشتركا منع التناقض كاسم الحمل فى الموضوع* (الثالث): أن لا يختلفا فى الجزئية والكلية فانك لوقلت عين فلان أسود، وأردت به الحدقة لم يناقضه قولك عينه ليس باسود إذا أردت به نفى السواد عن جميع العين* (الرابع): أن لا يختلفا فى القوة والفعل فانك لو تقول الخمر فى الدن مسكر وتريد به أنه يسكر بالقوة لا يناقضه قولك الخمر فى الدن ليس بمسكر إذا أردت به نفى الاسكار بالفعل* (الخامس): أن يتساويا فى الاضافة فيما يقع فى جملة المضافات فانك تقول العشرة نصف فلا يناقضه قولك العشرة ليس بنصف إلا بالاضافة الى العشرين وغيره، وتقول زيد والد وزيد ليس بوالد وهما صادقان بالاضافة الى شخصين* (السادس): أن يتساويا في الزمان والمكان . وبالجملة فينبغى أن لا يخالف احدى القضيتين الأخرى البتة فى شىء، الا في السلب والايجاب فتسلب إحدى القضيتين ما توجبه الأخرى بعينه من ذلك الموضوع على ذلك الوجه من غير تفاوت. فان كان الموضوع كليا ولم يكن شخصيا زيد شرط سابع وهو: أن يختلفا ف الكمية بأن يكون إحداهما كلية والأخرى جزئية فانهما إذا كانتا جزئيتين أمكن أن يصدقا في مادة الامكان كقولك بعض الناس كاتب وبعض الناس ليس بكاتب وإن كانتا كليتين أمكن أن يكذبا في مادة الامكان كقولك كل إنسان كاتب وكل إنسان ليس بكاتب * (قسمة أخرى وهى السادسة): كل قضية فلها عكس من حيث الظاهر ولكنه ينقسم إلى ما يلزم صدقه من صدق القضية، وإلى ما لا يلزم، ونعنى بالعكس أن يجعل المحمول موضوعا والموضوع محمولا فان بقى الصدق بعينه قيل هى قضية معكوسة. فان لم يلزم قيل أنها لا تنعكس، وقد ذكرنا أن القضايا المحصورة اربع: سالبة كلية: وهى تنعكس مثل نفسها سالبة كلية. فاذا صدق قولنا لا إنسان واحد حجر صدق قولنا لا حجر واحد إنسان لأنه لولم يصدق لصدق نقيضه وهو قوله بعض الحجر إنسان ولكان ذلك البعض إنسانا وحجرا، وعند ذلك يكذب قولنالا إنسان واحد حجر وهى القضية التى وضعناها أولا على أنها صادقة فيدل هذا على أن السالبة الكلية تعكس سالبة كلية * وأما السالبة الجزئية: فلا تنعكس فانه إذا صدق قولنا ليس.
بعض الناس كاتبا لم يلزم أن يصدق قولنا إن بعض الكاتب ليس إنسانا * وأما الموجبة الكلية: فتنعكس موجبة جزئية لا كلية فاذا صدق قولنا كل إنسان حيوان صدق قولنا بعض الحيوان إنسان لا محالة ولم يصدق قولنا كل حيوان إنسان* وأما الموجبة الجزئية: فتنعكس أيضا مثل نفسها فاذا صدق قولنا بعض الحيوان إنسان صدق قولنا لا محالة بعض الانسان حيوان فهذا هو النظر فى قسمة القضايا* (الفن الرابع فى تركيب القضايا) لتصير قياسا وهو المقصود، ولكن أول الفكر آخر العمل والنظر فيه ينحصر فى الركنين أحدهما فى الصورة والآخر فى المادة (الركن الأول فى صورة القياس): قد ذكرنا أن العلم إما تصور وإما تصديق، وإنما ينال التصور بالحد والتصديق بالحجة * والحجة إما قياس وإما استقراء وإما تمثيل، واعتبار الغائب بالشاهد يسمى مثالا ويدخل فيه والتعويل من هذه الجملة على القياس ومن جملة القياس على القياس البرهانى، ولكن لا بد من ذكر حد القياس فى الملة حتى ينقسم بعد ذلك إلى البرهانى وغيره * والقياس عبارة عن أقاويل ألفت تأليفا يلزم من تسليمها بالذات قولا آخر اضطرارا، ومثال ذلك العالم مصور وكل مصور حادث فانهما قولان مؤلفان يلزم من تسليمهما بالضرورة قول ثالث، وهو أن العالم حادث، وكذلك لو قلت ان كان العالم مصورا فهومحدث ولكنه مصور. فلزم من تسليم هذه الأقاويل أن العالم حادث وكذلك لو قلت العالم إما حادث وإما قديم لكنه ليس بقديم فيلزم منه أنه حادث، والقياس ينقسم إلى ما سمى اقترانيا وإلى ما سمى استثنائيا.
أما الاقترانى: فهو أن يجمع بين قضيتين بينهما اشتراك فى حد واحد إذ كل قضية فلا محالة تشتمل على محمول وموضوع، وتشتمل القضيتان على أربعة أمور لكنهما لو لم يشتركا في أحد المعانى لم يحصل الازدواج والانتاج إذ لا ينتظم قياس من قولك العالم مصور ومن قولك النفس جوهر بل لا بد وأن تكون القضيةالثانية مشاركة للا ولى فى أحد حديها مثل أن تقول العالم مصور والمصور محدث فيرجع مجموع أجزاء القضيتين إلى ثلاثة أجزاء تسمى حدودا ومدار القياس عليها وهو مثل العالم والمصور والمحدث في مثالنا والذي يقع مكررا في القضيتين ومشتركا يسمى الحد الأوسط والذى يصير موضوعا فى النتيجة اللازمة وهوالقصود بان يخبر عنه يسمى حدا أصغر كالعالم، والذى يصير محمولا فى النتيجة وهوالحكم يسمى حدا أكبر كالمحدث فى قولنا العالم محدث وهو النتيجة اللازمة من القياس، والقضية إذاجعلت جزء قياس سميت مقدمة والقضية التى فيها الحد الأصغر يسمى المقدمة الصغرى، والتى فيها الحد الأكبر يسمى المقدمة الكبرى، ولم يشتق الاسم للمقدمتين من الأوسط فانه موجود فيهما جميعا. وأما الأصغر فلا يكون إلا فى أحدهما، وكذا الأكبر واللازم من القياس يسمى بعد لزومه نتيجة وقبل لزومه مطلوبا وتاليف المقدمتين يسمى اقترانا، وهيئة تأليف المقدمتين يسمى شكلا فيحصل منه ثلاثة أشكال: لأن الحد الأوسط إما أن يكون محمولا فى إحدى المقدمتين موضوعا فى الأخرى (ويسمى الشكل الأول) وإما أن يكون محمولا فيهما جميعا(ويسمى الشكل الثانى) وإما أن يكون موضوعا فيهما (ويسمى الشكل الثالث) وحكم القدم والتالى فى الشرطى المتصل حكم الموضوع والمحمول فى انقسام تأليفه الى هذه الأشكال، وتشترك الأشكال الثلاثة فى أنها لا يحصل قياس منتج عن سالبتين ولا عن جزئيتين ولا عن صغرى سالبة وكبرى جزئية ويختص كل شكل بخصائص نذكرها: (الشكل الأول): هذا الشكل يفارق الآخرين بفصلين أحدهما أنه لا يحتاج فى لزوم نتيجه الى الرد إلى شكل آخر وسائر الأشكال ترد الى هذا الشكل حتى يظهر لزوم النتيجة ولذا سمى هذا أولا والآخر أنه ينتج المحصورات الأربع أعنى الموجبة الكلية والجزئية والسالبة الكلية والجرئية* (وأما الشكل الثاني): فلا ينتج موجبة أصلا (والشكل الثالث): لا تنتج كليا أصلا، وشرط انتاج هذا الشكل أعني به الشكل الأول أمران. احدهما أن تكون الصغرى موجبة والآخر أن تكون الكبرى كلية فان فقد الشرطان ربما صدقت المقد متان ولم يلزم النتيجة موضع صدقهما بحال: وحاصلى هذا الشكل أنك إذا وضعت قضية موجبة صادقة فالحكم على كل محمولها حكم لا محالة على موضوعها لا يمكن أن يكون إلا كذلك وسواء كان الحكم على المحمول سلبا أو إيحابا وسواء كان الموضوع كليا أو جزئيا فيحصل من ذلك أربعة أضرب منتجة ولزوم هذه النتيجة ظاهر فانه مهما صدق قولنا الانسان حيوان فكل ما صدق على الحيوان الذى هو محمول من كونه حساسا أو كونه غير حجر لابد وأن يصدق على الاسان لأن الانسان داخل لامحالة فى الحيون وقد صدق الحكم على كل الحيوان فيكون صادقاعلى بعض جزئياته لا محالة فهذا حاصل الشكل الأول، وتفصيل أضرب الأربعة ما نذكره * (الضرب الأول): من كليتين موجبتين مثاله هو أن كل جسم مؤلف وكل مؤلف محدث فكل جسم محدث لا محالة * (الضرب الثانى): كليتان كبراهما سالبة وهو الأول بعينه ولكن يبدل قولك محدث بأنه ليس بقديم حتى يصير سالبا فتقول كل جسم مؤلف ولا مؤلف واحد قديم فيلزم منه أنه لا جسم واحد قديم * (الضرب الثالث): هو الأول بعينه ولكن يجعل موضوع المقدمة الأولى جزئيا وذلك لا يوجب اختلاف الحكم لأن كل جزئى هوكلى بالاضافة إلى نفسه فالحكم على كل محمول الجزئى حكم على ذلك الجزئى مثاله أنك تقول بعض الموجودات مؤلف وكل مؤلف محدث فيلزم لا محالة أن بعض الموجودات محدث وهذا قد انتظم من موجبتين صغراهما جزئية وكبراهما كلية * (الضرب الرابع): هو الثالث بعينه ولكن تجعل الكبرى سالبة، وتبدل صيغة الايجاب بالسلب وتقول بعض الموجودات مؤلف ولا مؤلف واحد أزلى فيلزم منه أنه لا كل موجود أزلى وقد انتظم هذا من موجبة صغرى جزئية وكبرى سالبة كلية ويبق وراء هذا من الاقترانات اثنى عشر اقترانا لا تنتج. لأنه تنتظم فى كل شكل ستة عشر اقترانا. لأن الصغرى تحتمل أن تكون موجبة كلية أو جزئية، وسالبة كلية أو جزئية فتكون أربعة ثم تضاف إلى كل واحدة أربع كبريات أيضا فيحصل من ضرب أربعة فى أربعة ستة عشر، وإذا شرطنا أن تكون الصغرى موجبة خرجت سالبتان وما يبتنى عليهما من الانتاج فيتعطل به ثمانية وتبقى موجبتان، ولكن الموجبة الكلية الصغرى ينضاف إليها أربع كبريات اثناتن منها جزئيتان لا محالة. فيتعطل به اثنتان أيضا إذ شرطنا في كبرى هذا الشكل أن تكون كلية فقد رجع إلى ستة * وأما الموجبة الجزئية الصغرى. فلا ينضاف إليها جزئية كبرى لا سالبة ولا موجبة. إذ لا قياس عن جزئيتين فسقط اقترانان آخران من الستة الباقية وتبقى أربعة وإن أردت تصويره وتشكيله (فهذه صورته) (ضروب الشكل الأول منتجها وعقيمها) فالصغرى الموجبة الكلية مع الكبرى الموجبة الكلية منتجة وكذلك مع الكبرى السالبة الكلية، وأما مع الكبرين الجزئيتين فلا، والصغرى الموجبة الجزئية مع الكبرى الموجبةالكلية والكبرى السالبة الكلية منتجة أيضا، وأما مع الكبريين الجزئيتين فلا تنتج أيضا فقدركبناعلى كل واحدة من صغرى موجبة كلية وصغرى موجبة جزئية أربع كبريات وكان المجموع ثمانية بطل منها أربعة لأنهاجزئية أعنى كبريانها إذ قد شرطنا أن يكون الكبرى كلية حتى يتعدى الحكم الى الموضوع فيبقى ضغريان سالبتان جزئية وكلية وينضاف إلى كل واحد أربع كبريات من المحصورات الأربع وكلها غير منتجة للخلل فى الصغرى فانا شرطنا أن يكون الصغرى موجبة إذالحكم على المحمول الثابت هو الذى يتعدى إلى الموضوع فأما المحمول المسلوب فمباين للموضوع فالحكم عليه لا يتعدى إلى الموضوع المباين فاذا قلت الانسان: ليس بحجر ثم حكمت على الحجر بحكم نفيا كان أواثباتا لم يتعد ذلك إلى الانسان فانك أوقعت المباينة بين الحجر والانسان بالسلب فهذا تعليل هذه الشروط وتعليل اختصاص النتيجة بأربعة أضرب من جملة ستة عشرضربا.
(الشكل الثاني) يرجع حاصله إلى أن كل قضية أمكن ان تحمل على محمولها مالم يوجد لموضوعها فهى قضية سالبة لا موجبة إذ لو كانت موجبة لكان الحكم على محمولها على موضوعها كما سبق فى الشكل الأول فانا إذا قلنا الحكم على كل محمول القضية الموجبة حكم على الموضوع ثم وجدنا مايحكم به على محمول ولا يحكم به على الموضوع فنعلم به أن القضية سالبة إذ لوكانت موجبة لوجد حكم المحمول على الموضوع وشرط هذا الشكل أن تختلف المقدمتان فى الكيفية لتكون إحداهما سالبة والأخرى موجبة وأن يكون الكبرى كلية بكل حال وهذان الشرطان يردان أيضا ضروبه المنتجة إلى أربعة أضرب من جملة ستة عشر ضربا كما سبق ذكره فى الشكل الأول.
(الضرب الأول): من صغرى موجبة كلية وكبرى سالبة كلية كقولك كل جسم منقسم ولانفس واحدمنقسم ينتج فلا جسم واحد نفس ويبين لزوم هذه النتيجة بالرد إلى الشكل الأول بعكس الكبرى فانها سالبة كلية تنعكس مثل نفسها وهو أن تقول ولا شىء مما هو منقسم واحد نفس فيصير المنقسم موضوعا للأكبر وقد كان محمولا للاصغر فيرجع إلى الشكل الأول.
(الضرب الثانى ): كليتان لكن الصغرى سالبة كقولك لا أزلى واحد مؤلف وكل جسم مؤلف فلزم منه أنه لا أزلى واحد جسم لانا نعكس الصغرى ونجعلها كبرى فنقول لا مؤلف واحد أزلى وكل جسم مؤلف فيحضل منه أنه لا جسم واحد أزلى كما فى الشكل الأول ثم نعكس هذه النتيجة لأنها سالبة كلية فيحصل ما ذكرناه وهو أنه لا أزلى واحد جسم.
(الضرب الثالث): من جزئية موجبة صغرى وكلية سالبة كبرى وهوالضرب الأول من هذا الشكل إلا أن الصغرى تجعل جزئية فنقول بعض الموجودات منقسم ولا نفس واحد منقسم فبعض الموجودت ليس بنفس لأنك إذا عكست الكبرى رجع الى الشكل الاول.
(الضرب الرابع): جزئية سالبة صغرى وكلية موجبة كبرى كقولك لا كل موجود مؤلف وكل جسم مؤلف فلا كل موجود جسم وهذا لا يمكن أن يرد إلى الشكل الأول بالعكس لأن السالبة فيها جزئية ولا عكس لها ولو عكست الكبرى الموجبة لانعكست جزئية ولاقياس عن جزئيتين وإنما يصحح بطريقين يسمى أحدهما الافتراض والآخر الخلف أما الافتراض فهو أنك إذا قلت بعض الموجودات ليس بمؤلف فذلك البعض كل فى نفسه فافترضه كلا ولقبه باى اسم تريده فينزل منزلة الضرب الثانى من هذا الشكل وأما الخلف فهو أن تقول إن لم يكن قولنا لا كل موجود جسم صادقا فنقيضه وهو قولنا كل موجود جسم صادق ومعلوم أن كل جسم مؤلف فيلزم أن كل موجود مؤلف وقدكنا وضعنا فى المقدمة الصغرى أنه لا كل موجود مؤلف على أنها صادقة فكيف يصدق نقيضها هذا خلف محال فالمفضى اليه محال وإنما أفضى اليه فرض الدعوى التى فى نقيض النتيجة صادقة فليست بصادقة.
(الشكل الثالث):هو أن يكون الأوسط موضوعا فى المقدمتين ويرجع حاصله الى ان كل قضية موجبة فالحكم على موضوعها حكم على بعض محمولها سواء كان الحكم سلبا أو إيجابا وسواء كانت القضية موجبة جزئية أو كلية وذلك واضح وله شرطان (احدهما) أن تكون الصغرى موجبة (والآخر) أن يكون إحداهما كلية إما الصغرى وإما الكبرى فأيتهما كانت كلية كفى والمنتج من هذا الشكل ستة أضرب.
(الضرب الأول): من كليتين موجبتين كقولك كل إنسان حيوان وكل إنسان ناطق فيلزم أن بعض الحيوان ناطق لأن الصغرى تنعكس جزئية فيصير كأنك قلت بعض الحيوان إنسان وكل إنسان ناطق وهو الضرب الثالث من الشكل الأول (الضرب الثانى): من كليتين والكبرى سالبة كقولك كل إنسان حيوان ولا إنسان واحد فرس فلا كل حيوان فرس وذلك لأنك إذا عكست الصغرى صارت جزئية موجبة ويرجع إلى الرابع من الشكل الأول (الضرب الثالث): من موجبتين والصغرى جزئية كقولك بعض الناس بيض وكل إنسان حيوان فبعض البيض حيوان فانك تعكس الصغرى جزئية موجبة ويرجع إلى الثالث من الشكل الأول (الضرب الرابع): من موجبتين والكبرى جزئية كقولك كل إنسان حيوان وبعض الناس كاتب فبعض الحيوان كاتب لأنك إذا عكست الكبرى جزئية وجعلتها صغرى صار كأنك قلت كاتب ما إنسان وكل إنسان حيوان فيلزم كاتب ما حيوان وتعكس النتيجة فتصير حيوان ما كاتب (الضرب الخامس): من كلية موجبة صغرى وجزئية سالبة كبرى كقولك كل إنسان ناطق ولا كل إنسان كاتب فيلزم لا كل كاتب ناطق ويتبين هذا بطريق الافتراض كان تقول مثلا كل إنسان ناطق وبعض ما هو انسان أمى فبعض ما هو ناطق أمى ثم تقول بعض ما هو ناطق أمى ولا شىء مما هو أمى بكاتب فلا كل ناطق بكاتب.
Página desconocida
(الضرب السادس): من صغرى موجبة جزئية وكبرى سالبة كلية كقولك بعض الحيوان أبيض ولا حيوان واحد ثلج فبعض الأبيض ليس بثلج ويظهر بعكس الصغرى لأنه يرجع إلى الرابع من الشكل الأول هذا تفصيل الأقيسة الحملية * (القول فى القياسات الاستثنائية) القياس الاستثنائى نوعان شرطى متصل وشرطى منفصل (أما الشرطى المتصل): فمثاله قولك إن كان العالم حادثا فله محدث فهذه مقدمة إذا استثئيت هين المقدم منها لزم عين التالى وهو أن تقول ومعلوم أن العالم حادث وهوعين المقدم فيلزم منه عين التالى وهو أن له محدثا وإن استثنيت نقيض التالى لزم منه نقيض المقدم وهو أن تقول ومعلوم أنه ليس له محدث فلزم أنه ليس بحادث فأما إذا استثنيث نقيض المقدم لم يلزم منه لاعين التالى ولا نقيضه فانك لو قلت لكنه ليس بحادث فهذا لا ينتج كما أنك تقول إن كان هذا إنسانا فهو حيوان لكنه ليس بانسان فلا يلزم منه أنه حيوان ولا أنه ليس بحيوان وكذلك إن استثنيت عين التالى لم ينتج فانك إن قلت ومعلوم أن العالم له محدث لم يلزم منه نتيجة لأنك إذا قلت إن كانت هذه الصلوة صحيحة فالمصلى مطهر ولكنه مطهر فلا يلزم منه أن الصلاة صحيحة ولا أنها باطلة فهذه أربع إستثاآت لا ينتج منها إلا إثنان وهى عين المقدم وينتج عين التالى ونقيض التالى وينتج نقيض المقدم فأما نقيض المقدم وعين التالى فلا ينتج إلا إذا أثبت أن التالى مساو للمقدم وليس باعم منه فعند ذلك ينتج الاستثاآت الأربع فانك تقول إن كان هذا جسما فهو مؤلف لكنه جسم فهومؤلف لكنه مؤلف فهوجسم لكنه ليس بجسم فليس بمؤلف ولكنه ليس بمؤلف فليس بجسم فاما إذا كان التالى أعم من المقدم كالحيوان بالنسبة إلى الانسان ففى نفى الأعم نفى الأخص إذ فى نفى الحيوان نفى الانسان وليس فى نفى الأخص نفى الأعم إذليس فى نفى الانسان نفى الحيوان نعم فى إثبات الأخص إثبات الأعم إذ فى إثبات الانسان إثبات الحيوان وليس فى إثبات الحيوان إثبات الانسان.
(النوع الثانى الشرطى المنفصل): وهو أن تقول العالم إما حادث وإما قديم فهذا ينتج منه أربع استثنا آت فانك تقول لكنه حادث فليس بقديم لكنه ليس بحادث فهو قديم لكنه قديم فليس بحادث لكنه ليس بقديم فهو حادث فاستثناء عين كل واحد ينتج نقيض الآخر واستثناء نقيض كل واحد ينتج عين الآخر وهذا شرطه الحصر فى قسمين فان كان فى ثلاثة فاستثناء عين كل واحد ينتج نقيض الآخرين كقولك هذا العدد إما أكثر أو أقل أومساو ولكنه أكثرفبطل أن يكون أقل أو مساويا* فاما استثناء نقيض الواحد يوجب أحد الباقين لا بعينه كقولك لكنه ليس بمساو فيجب أن يكون إما أقل أو أكثر وإن لم تكن الأقسام حاصرة كقولك زيد إما بالحجاز وإما بالعراق أو هذا العدد إما خمسة أو إما عشرة وإما كيت وإما كيت فاستثناء عين واحد ينتج بطلان عين الآخرين* وأما استثناء نقيض الواحد فلا ينتج إلا الانحصار فى الباقى الذى لا ينحصر فهذه أصول الأقيسة ونكمل الكلام بذكر أمور أربعة (قياس الخلف والاستقراء والمثال والقياسات المركبة) أما قياس الخلف فصورته أن تثبت مذهبك بابطال نقيضه بأن تلزم عليه محالات بأن تضيف إليه مقدمة ظاهرة الصدق وينتج منه نتيجة ظاهرة الكذب ثم تقول النتجة الكاذبة لا تحصل إلا من مقدمات كاذبة وإحدى المقدمتين ظاهرة الصدق فيتعين الكذب فى المقدمة الثانية التى هى مذهب الخصم مثاله أن يقول القائل كل نفس فهو جسم فنقول كل نفس فهو جسم وكل جسم فهو منقسم فاذا كان كل نفس فهو منقسم وهذا ظاهر الكذب فى نفس الانسان فلا بد أن يكون فى مقدماته المنتجة له قول كذب لكن قولنا كل جسم منقسم ظاهر الصدق فبقى الكذب فى قولنا كل نفس جسم فاذا بطل ذلك ثبت أن النفس ليس بجسم (أما الاستقراء): فهو أن يحكم من جزئيات كثيرة على الكلى الذى يشمل تلك الجزئيات كقولك: كل حيوان إما إنسان أو فرس أو غيرهما، وكل إنسان يحرك فكه الأسفل عند المضغ وكل فرس يحرك فكه الأسفل عند المضغ، وكل كذا وكذا مما غايرهما يحرك فكه الأسفل عند المضغ. فينتج أن كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ فعند المضغ يحرك فكه الأسفل لأنا رأينا الفرس والانسان والهرة وسائر الحيوانات كذلك فهذا صحيح إن أمكن استقراء جميع الجزئيات حتى لا يشذ واحد فعند ذلك ينتظم قياس من الشكل الأول ولكن إذا احتمل أن يشذ واحد لم يفد اليقين كالتمساح الذى يحرك فكه الأعلى ولا يبعد أن يطرد حكم فى ألف إلا فى واحد والاعتماد على الاستقراء يصلح فى الفقهيات لا فى اليقينيات وفى الفقهيات كل ما كان الاستقراء أشد استقصاء وأقرب إلى الاستيفاء كان آكد فى تغليب الظن (وأما المثال): فهوالذى يسميه الفقهاء والمتكلمون قياسا وهو نقل الحكم من جزئى على جزئى آخر لأنه يماثله فى أمر من الأمور وهوكمن ينظر إلى البيت فيراه حادثا ومصورا ثم إنه ينظر إلى السماء فيراها مصورة فينقل الحكم اليها فيقول السماء جسم مصور فهو حادث قياسا على البيت. وهذا لا يفيد اليقين ولكنه يصلح لتطييب القلب وإقناع النفس فى المحاورات وكثيرا ما يستعمل فى الخطابة ونعنى بالخطابة المحاورات الجارية فى الخصومات والشكايات والاعتذارات فى الذم والمدح وفى تفخيم الشىء وتحقيره وما يجرى هذا المجرى فاذا قيل لمريض هذا الشراب ينفعك فيقول لم فيقال لأن المريض الفلانى شربه فنفعه فاذا قيل له ذلك مالت نفسه إلى القبول ولم يطالب بأن يصحح عنده أنه ينفع لكل مريض أو يصحح أن مرضه كمرضه وحاله في السن والقوة والضعف وسائر الأموز كحاله* ولما أحس الجدليون بضعف هذا الفن أحدثوا طرقا وهو أن قالوانبين أن الحكم في الاصل معلل بهذا المعنى وسلكوا فى إثبات المعنى والعلة طريقين (أحدهما) الطرد والعكس وهو أنهم قالوا نظرنا فرأينا أن كل ما هو مصور فهو محدث وكل ماليس بمصور فليس بمحدث وهذا يرجع إلى الاستقراء وهو غير مفيد لليقين من وجهين (أحدهما) أن استيفاء جميع الآحاد غير ممكن فلعله شذ عنه واحد (والآخر) أنه فى استقرائه هل تصفح السماء فان كان ما تصفح فاذا لم يتصفح الكل بل تصفح ألفا مثلا إلا واحدا ولا يبعد أن يخالف في الحكم الواحد والألف كما ذكرناه فى التمساح وإن تصفح السماء وعرف أنه محدث لكونه مصورا فهو محل النزاع وقد بان له قبل صحة مقدمة القياس يعنى قبل إطراده فأى حاجة به الى القياس إن ثبت له ذلك.
(الطريقة الأخرى): السبر والتقسيم وهو أنهم قالوا نسبر او أوصاف البيت مثلا ونقول انه موجود وجسم وقائم بنفسه ومصور وباطل أن يكون محدثا لكونه موجودا أو قائما بنفسه أو كذا أو كذا إذ يلزم أن يكون كل موجود قائم بنفسه محدثا فثبت أن ذلك لأنه مصور وهذا فاسد من أربعة أوجه.
(الأول): أنه يحتمل أن يقال ليس الحكم معللا في الأصل بعلة.
من هذه العلل التى هى أعم بل بعلة قاصرة على ذاته لا تتعداه ككونه بيتا مثلا وان ثبت ان غير البيت حادث فيكون معللا بما يجمع البيت وذلك الشىء خاصة ولا يتعدى إلى السماء.
(والثانى): أن هذا إنما يصح إذا استقصى جميع أوصاف الأصل حتى لا يشذ شىء والحصر والاستقصاء ليس يبين فلعله شذ وصف عن السير ويكون هو العلة، وأكثر الجدليين لا يهتمون بالحصر بل يقولون إن كانت فيه علة أخرى فابرزها أو يقولون لو كان لادركته أنا وأنت كما انه لو كان بين يدينا فيل لادركناه وإذ لم ندركه حكمنا بنفيه وهذا ضعيف إذ عجز الخصمين عن الادراك فى الحال ولا فى طول العجز لا يدل على العدم أيضا وليس هذا كالفيل فانك قط لم تعهد فيلا قائما بين أيدينا ولم نشاهده فى الوقت وكم من المعانى الموجودة قد طلبناها ولم نعثر عليها فى الحال ثم عثرنا عليها.
(والثالث): أنه وإن سلم الاستقصاء فيها وكانت الأوصاف أربعة فابطال ثلاثة لا يوجب ثبوت الرابع إذ الأقسام فى التركيب تزيد على أربعة إذ يحتمل ان يكون حادثا لكونه موجود او جسما أو لكونه موجودا وقائما بنفسه أو لكونه موجودا ومصورا، ويحتمل أن يكون حاد لكونه جسما وقائما بنفسه أو لكونه جسما ومصورا، ويحتمل أن يكون حادثا لكونه جسما ومصورا، ويحتمل أن يكون حادثا لكون موجودا وجسما وقائما بنفسه، ويحتمل أن يكون حادثا لكون موجودا وقائما بنفسه ومصورا أو غير ذلك من التركيبات من اثنين اثنين أو من ثلاثة ثلاثة فكم من حكم لا يثبت ما لم تجتمع أمور كالسواد للحبر يشترك فيه العفص والزاج والعجن بالماء وأكثر الأحكام معللة بأمور مركبة فكيف يكفى ابطال المفردات.
(والرابع): أنه إن سلم الاستقصاء وسلم انه إذا بطل ثلاث ولم يبق إلا رابع فهذا يدل على أن الحكم ليس فى الثلاث وانه لا يعدو الرابع لكنه لا يدل على انه منوط بالرابع لا محالة بل يحتمل أن ينقسم المعنى الرابع إلى قسمين ويكون الحكم فى أحد القسمين دون الآخر فابطال ثلاث يدل على أن المعنى لا يعدو الرابع ولا يدل على أنه العلة وهذا مزلة قدم فانه لو قسم أولا وقال وصفه أنه موجود وقائم بنفسه وجسم ومصور بصفة كذا ومصور بصفة أخرى لكان إبطال ثلاثة لا يوجب أن يتعلق الحكم بالمصور المطلق بل بأحد قسمى المصور فهذا كشف هذه الأدلة الجدلية ولا يصير ذلك برهانا ما لم تقل كل مصور محدث والسماء مصور فهو محدث فان نوزع فى قوله كل مصور محدث فلا بد من اثباته ولا يثبت ذلك بأن يرى مصورا آخر محدثا ولا ألف مصور محدثا بل صارت هذه المقدمة مطلوبة فيجب اثباتها بمقدمتين مسلمتين أو بطريق من الطرق المذكورة لا محالة فهذا حكم المثال.
(أما القياسات المركبة): فاعلم أن العادة فى الكتب والتعليمات غير جارية بترتيب الأقيسة على النحو الذى رتبناه ولكن تورد فى الكتب مشوشة إما مع زيادة مستعنى عنها، وإما مع حذف احدى المقدمتين استغناء بظهورها أو قصدا إلى التلبيس وما يورد مشوش الترتيب مما ليس على ذلك النظم وأمكن رده اليه فهو قياس منتج وما هو على ذلك النظم فى ظاهره ولكنه ليس معه شروطه فهو غير منتج، ومثال الترتيب هو الشكل الأول من أقليدس وهو انه إذا كان معك خط.
(اب) وأردت أن تبنى عليه مثلثا متساوى الاضلاع وتقيم البرهان على أنه متساوى الاضلاع فتقول مهما جعلنا نقطة (ا) مركزا ووضعنا عليه طرف الفركار وفتحناه إلى نقطة (ب) وتممنا دائرة حول مركز (ا) ثم جعلنا نقطة (ب) مركزا ووضعنا عليه طرف الفركار وفتحناه إلى نقطة (ا) وتممنا دائرة على مركز (ب) فالدائرتان متماثلتان لأنهما على بعد واحد ويتقاطعان لا محالة فى ج فنخرج من موضع التقاطع خطا مستقيما إلى نقطة (ا) وهو خط (ج ا) ونخرج خطا آخرمستقيما من نقطة (ج) إلى نقطة (ب) وهو (ج ب) فنقول هذا المثلث الحاصل من نقط (ا ب ج) مثلث متساوى الاضلاع، وبرهانها أن خطى (ا ج) و (ا ب) متساويان لانهما خرجا من مركز دائرة واحدة إلى محيطها وكذا خطا (ب ج) و(ا ب) متساويان بمثل هذه العلة وخطا (اج) و (ب ج) متساويان لانهما ساويا خطا واحدا بعينه وهو خط (ا ب) فاذن النتيجة أن المثلث متساوى الاضلاع فهكذا جرت العادة باستعمال المقدمات ههنا، وإذا أردت الرجوع إلى الحقيقة والترتيب لم يحصل النتيجة إلا من أربعة أقيسة كل قياس من مقدمتين (الأول) ان خطى (ا ب) و (ا ج) متساويان لأنهما خرجا من مركز دائرة إلى محيطها وكل خطين مستقيمين خرجا من المركز إلى المحيط فهما متساويان فاذا هما متساويان (الثانى) أن خطى (اب) و (ب ج) أيضا متساويان بمثل هذا القياس (الثالث) ان خطى (اج) و (ب ج) متساويان لأنهما خطان ساويا خط (ا ب) وكل خطين ساويا شيئا واحدا بعينه فهما متساويان فاذا هما متساويان (الرابع ) شكل (ا ب ج) محاط بثلاثة خطوط متساوية وكل شكل محاط بثلاثة خطوط متساوية فهو مثلث متساوى الأضلاع فشكل (ا ب ج) الذى على خط (ا ب) مثلث متساوى الأضلاع هذا ترتيبه الحقيقى ولكن يتساهل بحذف بعض المقدمات لوضوحها بالنسبة لهذا هذا هو القول في صورة القياس (القول فى مادة القياس): مادة القياس هى المقدمات فان كانت صادقة يقينية كانت النتائج صادقة يقينية وإن كان كاذبة لم ينتج الصادقة وإن كانت ظنية لم ينتج اليقينية وكما أن الذهب مادة الذينار والتدوير صورته وقد يحتمل تزيف الدينار تارة باعوجاج صورته وبطلان استدارته بأن يكون مستطيلا فلا يسمى دينارا وتارة بفساد مادته بأن يكون نحاسا أو حديدا كذلك القياس تارة يفسد بفساد صورته وهو أن لا يكون على شكل من الأشكال السابقة وتارة بفساد مادته وإن صحت صورته وهو أن تكون المقدمة ظنية أو كاذبة وكما أن الذهب له خمس مراتب (الاول ) أن يكون إبريزا خالصا محققا (والثانى) أن لا يكون فى تلك الدرجة ولكن يكون فيه غش ما لا يظهر البتة إلا للناقد البصير (والثالث) أن يكون فيه عش يظهر لكل ناقد ويمكن أن يشعر به غير الناقد أيضا وينبه عليه (والرابع) أن يكون زيفا من نحاس ولكن موه تمويها يكاد يغلط فيه الناقد مع أنه لا ذهب فيه أصلا (والخامس) أن يكون مموها تمويها يظهر لكل أحد أنه مموه* فكذلك المقدمات لها خمسة أحوال (الأول) أن يكون يقينية صادقة بلا شك ولا شبهة فالقياس الذى ينتظم منها يسمى برهانا (والثانى) أن تكون مقاربة لليقين على وجه يعسر الشعور بامكان الخطأ فيها ولكن يتطرق اليها إمكان إذا تأنق الناظر فيها والقياس المرتب منها يسمى جدليا (والثالث) أن تكون المقدمات ظنية ظنا غالبا ولكن تشعر النفس بنقيضها وتتسع لتقدير الخطأ فيها* والقياس المركب منها يسمى خطابيا (والرابع) ما صور بصور اليقينيات بالتلبيس وليس ظنيا ولا يقينيا والحاصل منه يسمى مغالطيا وسوفسطائيا (والخامس) هو الذى نعلم أنه كاذب ولكن تميل النفس إليه بنوع تخيل والقياس الحاصل منه يسمى شعريا ولا بد من شرح هذه المقدمات وكل مقدمة ينتظم منها قياس ولم تثبت تلك المقدمة بحجة ولكنها أخذت على أنها مقبولة مسلمة فانها لا تتعدى ثلاثة عشر قسما (الأوليات) (والمحسوسات) (والتجربيات). (والمتواترات). و(القضايا التى لا يخلو الذهن عن حدودها الوسطى وقياساتها). (والوهميات) (والمشهورات) (والمقبولات) (والمسلمات). (والمشبهات) و(المشهورات فى الظاهر) (والمظنونات) (والمخيلات) (أما الأوليات) فهى التى تضطر غريزة العقل بمجردها إلى التصديق بها كقولك الاثنان أكثر من الواحد والكل أعظم من الجزء والأشياء المساوية لشىء واحد متساوية فان من قدر نفسه عاقلا ولم يتعلم إلا بمجرد العقل ولم يلقن تعليما ولا عود تخلقا بخلق بل قدر أنه خلق دفعة واحدة عاقلا وعرضت هذه القضايا عليه وثبت فى نفسه تصورها أعنى إذا تصور معنى الكل ومعنى الجزء ومعنى الأكبر فلا يمكنه أن لا يصدق بأن الكل أكبر من الجزء هذا فى كل كل كيفما كان وليس ذلك من الحس إذ الحس لا يدرك إلا واحدا أو اثنين أو أشياء محصورة وهذا حكم ثابت في العقل كليا ولا يمكن أن يقدر العقل منفكا عنه قط (والمحسوسات) مثل قولنا الشمس مستنيرة وضوء القمر يزيد وينقص (والتجربيات) ما يحصل من مجموع العقل والحس كعلمنا بأن النار تحرق والسقمونيا تسهل الصفراء والخمر يسكر فان الحس يدرك السكر عقيب شرب الخمر مرة بعد أخرى على التكرار فينتبه العقل لكونه موجبا له إذ لو كان اتفاقيا لما اطرد فى الأكثر فينتقش فى الذهن علم بذلك موثوقا به (والمتواترات) ما علم بأخبار جماعة كعلمنا بوجود (مصر ومكة) وإن لم نبصرهما ومهما استحال الشك فيه سمى متواترا ولا يجوز أن يقاس البعض على البعض فيقال من شك فى وجود معجزة من نبى ينبغى أن يصدق بها لأن النقل فيه متواتر كما فى وجود النبى لأنه يقول ليس يمكننى أن أشكك نفسى فى وجود النبى لمشاهدتى له ويمكننى أن أشكك نفسى فى هذا فلو كان هذا مثل ذلك لما قدرت على التشكك فلا بد وان يمهل إلى أن يتواتر عنده تواترا يستحيل معه الشك إن كان متواترا (وأما القضايا التى قياساتها فى الطبع معها) فهى القضايا التى لا تثبت فى النفس إلا بحدودها الوسطى ولكن لا يعزب عن الذهن الحد الأوسط فيظن الانسان أنها مقدمة أولية عرفت بغير وسط وهى على التحقيق معلومة بوسط ولا معنى للقياس إلا طلب الحد الاوسط وإلا فالأكبر والأصغر موجودان فى نفس المسئلة المطلوبة. مثاله انك تعلم أن الاثنين نصف الأربعة على البداهة وهذا معلوم بوسط وهو أن النصف الآخر أحد جزئى الكل المساوى للآخر والاثنان من الأربعة أحد الجزئين المتساويين فكان نصفا الدليل عليه أنه لو قيل له كم سبعة عشر من أربع وثلاثين ربما لم يقدر على أن يحكم على البداهة بأنه نصفه ما لم يقسم أربع وثلاثين يقسمين متساويين ثم ينظر إلى كل قسم فيراه سبعة عشر فيعلم أنه نصف وإن كان هذا حاضرا أيضا فى الذهن فاعتبر ذلك فى عدد كثير أو أبدل النصف بالعشر والسدس وغيره فالمقصود المثال.
Página desconocida
وبالجملة فلا يستبعد أن يكون الشىء معلوما بوسط ولكن الذهن لا يتنبه لكونه معلوما بوسط وقياس فليس كل ما يثبت على وجه يتنبه الانسان لوجهه، وثبوت الشىء للذهن شىء والشعور بوجه ثبوته والتعبير عنه شىء آخر.
(والوهميات): هى مقدمات باطلة ولكنها قويت فى النفس قوة تمنع من إمكان الشك فيه وذلك من أثر حكم الوهم فى أمور خارجة عن المحسوسات لأن الوهم لا يقبل شيئا إلا على وفق المحسوسات التى ألفها مثل حكم الوهم باستحالة موجود لا إشارة فيه إلى جهة ولا هو داخل العالم ولا خارجه وكحكمه بأن الكل ينتهى إلى خلاء أو ملاء أعنى وراء العالم؛ وكحكمه بأن الجسم لا يزيد عن نفسه ولا يكثر إلا بأن يضاف إليه زيادة من خارج وإنما سبب حكم الوهم بهذا إن هذه الأمور ليست موافقة للحس فلا يدخل فى الوهم وإنما الحكم بطلانه من حيث أنه لو كان كل ما لا يدخل فى الوهم باطلا لكان نفس الوهم باطلا فان الوهم لا يدخل فى الوهم بل العلم والقدرة، وكل صفة لا يدركها الحواس الخسة لا يدركها الوهم وإنما يعرف غلطه فى أمثال هذه المسائل المعينة من حيث أنها لازمة عن أقيسة ترتبت من أوليات يساعد الوهم على قبولها ويسلم أن القياس إذا رتب من الأوليات كانت النتيجة صادقة، ثم إذا حصلت النتيجة كاع عن قبول النتيجة فعلم بذلك أن امتناعه عن القبول لمكان طباعه فانه ينبو عن قبول ما ليس على نحو المحسوسات.
ص (وأما المشهورات): فهى القضايا التى لا يعول فيها إلا على مجرد الشهرة ونظر العوام والظاهر بين أهل العلم أنها أوليات لازمة فى غريزة العقل مثل قولك الكذب قبيح، والنبى ينبغى أن لا يعذب ولا يدخل الحمام بغير مئزر بحيث تنكشف العورة، والعدل واجب والظلم قبيح وأمثاله وهذه أمور تكرر على السمع من الصبا ويتفق عليه أهل البلاد لمصالح معاشهم فتسارع النفوس إلى قبولها لكثرة الألف وربما يؤيدها مقتضيات الأخلاق من الرقة والحنين والحياء ولو قدر الانسان نفسه وقد خلق عاقلا ولم يؤدب باستصلاح ولم يتشبث بخلق ولم يأنس باعتياد وأورد على عقله هذه القضايا أمكنه الامتناع عن قبولها لا كقولنا: الاثنان أكثر من الواحد، وقد يكون بعض هذه المقدمات صادقة ولكن بشرط دقيق أو برهان فيظن أنها صادقة مطلقا كما يظن أن قول القائل إن الله قادر على كل أمر صادق وهو مشهور وإنكاره مستقبح وليس بصادق فانه ليس قادرا على أن يخلق مثل نفسه بل ينبغى أن يقال هو قادر على كل أمر ممكن فى نفسه ويقال هو عالم بكل شىء وليس عالما بوجود مثل له وهذه المشهورات قد تتفاوت فى القوة والضعف بحسب اختلاف الشهرة واختلاف العادات والأخلاق، وقد تختلف فى بعض البلاد وفى حق أرباب الصنائع فليس المشهور عند الأطباء مشهورا عند النجارين ولا بالعكس، والمشهور ليس نقيضا للباطل بل نقيض المشهور الشنيع؛ ونقيض الباطل الحق، ورب حق شنيع، ورب باطل محبوب مشهور ولا شك فى أن الأوليات وبعض المحسوسات والمتواترات والمجربات مشهورة ولكنا قصدنا بهذا ما ليس فيه إلا الشهرة فقط.
(وأما المقبولات): فهى المقبول من أفاضل الناس وأكابر العلماء ومشايخ السلف. إذا تكرر نقل ذلك منهم على ذلك الوجه وفى كتبهم وانضاف إلى ذلك حسن الظن بهم فان ذلك يثبت فى النفس ثبوتا ما.
(وأما المسلمات): فهى التى سلمها الخصم أو كان مشهورا بين الخصمين فقط فانه يستعمل معه دون غيره فلا يفارق المشهور إلا فى العموم والخصوص. فان المشهور تسلمه العامة، وهذا يسلمه الخصم فقط.
(وأما المشبهات): فهى التى يحتال فى تشبيهها بالأوليات والتجربيات والمشهورات، ولا تكون بالحقيقة كذلك ولكنها تقاربها فى الظاهر.
(وأما المشهورات فى الظاهر): فهى كل قول يقبله كل من يسمعه كافة ببادىء الرأى وأول النظر، وإذا تأمله وتعقبه وجده غير مقبول وأحس بكونه فاسدا كقول القائل انصر أخاك ظالما أو مظلوما فان النفس تسبق إلى قبوله ثم تنساق الى أن تأمل فتعلم أن نصرته ظالما ليس بواجب.
(وأما المظنونات): فما يفيد غلبة الظن مع الشعور بامكان نقيضه كما أن من خرج ليلا يقال إنه خائن. اذ لو لم يكن خائنا لم يخرج ليلا وكما يقال إن فلانا يناجى العدو فهو عدو مثله أيضا مع أنه يحتمل ان يكون مناجاته اياه خداعا له أو حيلة عليه لأجل الصديق.
(وأما المخيلات): فهى مقدمات يعلم أنها كاذبة ولكنها تؤثر فى النفس بالترغيب والتنفير كما يشبه الحلاوة بالعذرة فتنفر النفس عنه مع العلم بأنه كذب. فهذه هى المقدمات.
فنذكر الآن مظان استعمالها* (القول فى مجارى هذه المقدمات) أما الخمسة الأولى: فانها تصلح للأقيسة البرهانية وهى الأولية والحسية والتجربية والتواترية والتى قياساتها معها فى الطبع.
Página desconocida
وفائدة البرهان ظهور الحق وحصول اليقين.
(وأما المشهورات والمسلمات): فهى مقدمات القياس الجدلى.
(وأما الأوليات) وما معها: لو وقعت فى الجدل كان أقوى ولكن انما يستعمل فى الجدل من حيث أنها مسلمة بالشهرة إذ لا تفتقر صناعة الجدل إلى أكثر منه وللجدل فوائد.
(الأول): إفحام كل فضولى ومبتدع يسلك غير طريق الحق ويكون فهمه قاصرا عن معرفة الحق بالبرهان فيعدل معه إلى المشهورات التى يظن أنها واجبة القبول كالحق، وبطل عليه رأيه الفاسد.
(الثانى): أن من أراد أن يتلقن الاعتقاد الحق وكان مرتفعا عن درجة العوام ولا يقنع بالكلام الخطابى الوعظى، ولم ينته إلى ذروة التحقيق بحيث يطيق الاحاطة بشروط البرهان فانه يمكن أن يغرس فى نفسه الاعتقاد الحق بالأقيسة الجدلية، وهو حال أكثر الفقهاء وطلبة العلم.
(الثالث): أن المتعلمين للعلوم الجزئية مثل الطب، والهندسة وغيرهما لا يذعن أنفسهم أن يعرفوا مقدمات تلك العلوم ومبادئها هجوما بالبرهان في أول الأمر ولو صودرواعليها لم تسمح نفوسهم بتسليمها فتطيب نفوسهم لقبولها بأقيسة جدلية من مقدمات مشهورة إلى أن يمكن تعريفها بالبرهان.
(الرابع): أن من طباع الأقيسة الجدلية أنه يمكن أن ينتج منها طرفا النقيض فى المسألة فاذا فعل ذلك وتأمل موضع الخطأ منهما وبما انكشف له وجه الحق بذلك التفتيش، ويكفى هذا القدر من صناعة الجدل، وإلا فهو كتاب برأسه، ولا حاجة إلى الاشتغال بحكاية ذلك.
(وأما الوهميات والمشبهات): فانها مقدمات الأقيسة المغالطية ولا فائدة لها أصلا إلا أن تعرف لتحذر وتتوقى وربما يمتحن بها فهم من لا يدرى أنه قاصر فى العلم أو كامل حتى ينظر كيف يتقصى عنه وإذ ذاك يسمى قياسا امتحانيا وربما يستعمل فى إفضاح من يخيل إلى العوام أنه عالم ويستتبعهم فيناظر بذلك بين أيديهم ويظهر لهم عجزه عن ذلك بعد أن يعرفوا فى الحقيقة وجه الغلط حتى يعرفوا به قصوره فلا يعتدون به وعند ذلك يسمى قياسا عناديا.
(وأما المشهورات فى الظاهر، والمظنونات، والمقبولات): فتصلح أن تكون مقدمات للقياس الخطابى والفقهى، وكل ما لا يطلب به اليقين. فلا يخفى فائدة الخطابة فى استمالة النفوس وترغيبها فى الحق وتنفيرها عن الباطل، وكذا فائدة الفقه، وفى الخطابة كتاب برأسه ولا حاجة إلى حكايته.
(وأما المخيلات): فهى مقدمات الأقيسة الشعرية فان استعملت الأوليات وما معها فى الخطابة أو الشعر لم يكن استعمالها إلا من حيث الشهرة والتخيل وما وراء ذلك فليس بشرط فيها وليس يحتاج إلا إلى البيان البرهانى ليطلب، والمغالطى ليتقى فلنقتصر فى الحكاية عليها.
Página desconocida
(خاتمة القول فى القياس) نذكر مثارات الغلط لتحذر وهى عشرة: (الأول): أن الاحتجاجات فى الأغلب تجرى مشوشة ويثور فيها غلط كثير فينبغى أن يتعود الناظر ردها إلى الترتيب المذكور ليعلم أنه قياس أم لا، وإن كان فهو من أى نوع، ومن أى شكل من الأنواع، ومن أى ضرب من الأشكال حتى ينكشف موضع التلبيس.
(الثانى): أن يلاحظ الحد الأوسط ويتأمله تأملا شافيا ليكون وقوعه فى المقدمتين على وجه واحد فانه إن تطرق إليه أدنى تفاوت بزيادة أو نقصان فسد القياس وأنتج غلطا. مثاله أنا ذكرنا أن السالبة الكلية تنعكس مثل نفسها، ولو قال قائل لا دن واحد فى شراب صدق وعكسه وهو أنه لا شراب واحد فى دن لا يصدق وهذا سببه أنه لم يراع شرط العكس. بل الواجب أن يقال لا دن واحد شراب فلا شراب واحد دن، وهذا صادق. فأما إذا زيد فى وقيل لا دن واحد فى شراب فعكسه هو لا شىء واحد مما هو فى الشراب دن وهو أيضا صادق، وموضع الغلط أن المحمول فى هذه القضية هو قولك فى شراب لا مجرد الشراب. فينبغى أن يصير هو بكماله موضوعا فى العكس، وإذا راعيت ذلك صدق العكس.
(الثالث): أن يراعى الحد الأصغر والحد الأكبر حتى لا يكون بينهما وبين طرفى النتيجة تفاوت البتة فان القياس يوجب اجتماع الحدين من غير تفاوت وهذا يعرف بما ذكرناه فى شروط النقيض.
(الرابع): أن يتامل فى الحدود الثلاثة وطرفى النتيجة حتى لا يكون فيهما اسم مشترك فان الاسم ربما يكون واحدا والمعنى متعدد فلا يصح القياس وهذا أيضا يعرف من شروط النقيض.
(الخامس): أن يراعى حروف الضمير مراعاة محققة فانه يختلف جهات احتمالة ويثور منه غلط كما لو قال كل ما عرفه العاقل فهو كما عرفه فقوله هو ربما يرجع إلى المعلوم وربما يرجع إلى العالم إذ قد تقول وهو قد عرف الحجر فهو اذن حجر.
(السادس): أن لا تقبل المهملات فانها تخيل الصدق ولو حصر المهمل تنبه العقل لكونه كاذبا فاذا قيل الانسان فى خسر قبلته النفس وصدقت به ولو حصر وقيل كل إنسان لا محالة فى خسر تنبه العقل لكون ذلك غير واجب على العموم فاذا قيل صديق عدوك عدوك قبلته النفس وإذا حصر وقيل كل من هو صديق عدوك فلا بد وأن يكون عدوك تنبه العقل لكون ذلك غير واجب بالضرورة على العموم (السابع): أنك قد تصدق بمقدمة فى القياس ويكون سبب التصديق أنك طلبت له نقيضا بذهنك فما وجدته وهذا لا يوجب التصديق بل صدق إذا علمت أنه ليس له نقيض فى نفسه لا أنك لم تجده فانه ربما يكون وأنت لا تجده فى الحال كتصديقك بقول القائل ان الله قادر على كل أمر إذ لا يخطر ببالك شىء إلا وتصدق إن الله قادر عليه إلى أن يخطر ببالك أنه لا يقدر على خلق مثله فتتنبه لخطئك فى التصديق فالصادق أنه قادر على كل أمر ممكن فى نفسه وهذا ليس له نقيض فى نفسه البتة.
(الثامن):أن يراعى حتى لا يجعل المسئلة مقدمة فى القياس فتكون قد صادرت على نفس المطلوب كما يقال إن الدليل على أن كل حركة تحتاج إلى محرك أن المتحرك لا يتحرك بنفسه فان هذه نفس الدعوى وقد غير لفظه وجعل دليلا.
(التاسع): أن لا يصحح الشىء بأمر لا يصح ذلك الأمر إلا بالشىء كما يقال إن النفس لا تموت لأنها فاعلة على الدوام ولا يعلم أنها فاعلة على الدوام ما لم تعلم أنها لا تموت وبذلك يثبت دوام فعلها (العاشر): أن يحترز عن الوهميات والمشهورات والمشبهات فلا تصدق إلا بالأوليات والحسيات وما معها فاذا راعيت هذه الشروط كان قياسك لا محالة صادق النتيجة وحصل به يقين لا شك فيه وإن أردت أن تشكك نفسك فيه لم تقدر عليه.
(الفن الخامس من الكتاب فى لواحق القياس والبرهان) "وما ينعطف فائدته عليها وهو فصول أربعه" (الفصل الأول فى المطالب العلمية وأقسامها): ونعنى بها الاسئلة التى تقع فى العلوم وهى أربعة.
(مطلب هل): وهو سؤال عن وجود الشىء.
Página desconocida
(ومطلب ما): وهو سؤال عن ماهية الشىء (ومطلب أى): وهو سؤال عن فصل الشىء الذى يفصله عن شىء يشاركه فى جنسه.
(ومطلب لم): وهو طلب العلة.
(أما مطلب هل): فهو على وجهين: (أحدهما): عن أصل الوجود كقولك هل الله موجود وهل الخلاء موجود.
(والثانى): عن حال الشىء كقولك هل الله مريد وهل العالم حادث (ومطلب ما): وهو على وجهين: (أحدهما): ما يراد أن يعرف به مراد المتكلم بلفظ ما لم يفسره كما إذا قال عقار فيقال ما الذى يراد به فيقول الخمر.
(والثانى): أن يطلب حقيقة الشىء فى نفسه كما يقال ما العقار فيقول هو الشراب المسكر المعتصر من العنب.
(ومطلب ما) بالمعنى الأول يتقدم على مطلب هل فان من لم يفهم الشىء لا يسأل عن وجوده وبالمعنى الثانى يتأخر عن مطلب هل لأن ما لم يعلم وجوده لا يطلب ماهيته.
(وأما مطلب أى): فهو سؤال عن الفصل والخاصة.
(ومطلب لم): على وجهين: (أحدهما): سؤال عن علة الوجود كقولك لم احترق هذا الثوب فتقول لأنه وقع فى النار.
(والآخر): سؤال عن علة الدعوى وهو أن تقول لم قلت إن الثوب قد وقع فى النار فتقول لأنى رأيته ووجدته محترقا.
(ومطلب ما وأى) :للتصور.
Página desconocida
(ومطلب هل ولم): للتصديق.
(الفصل الثانى): فى أن القياس البرهانى ينقسم إلى ما يفيد علة وجود النتيجة وإلى ما يفيد علة التصديق بالوجود فالأول يسمى برهان لم والآخر يسمى برهان أن ومثاله أن من ادعى فى موضع دخانا فقيل له لم قلت فقال لأن ثمة نار وحيث كان نار فثمة دخان فاذا ثمة دخان فقد أفاد برهان لم وهو علة التصديق بأن ثمة دخان وعلة وجود الدخان فأما إذا قال ثمة نار فقيل له لم وقال لأن ثمة دخان وحيث كان دخان فثمة نار فقد أفاد علة التصديق بوجود النار ولم يفد علة وجود النار وأنه بأى سبب حصل فى ذلك الموضع (وبالجملة): المعلول يدل على العلة والعلة أيضا تدل على المعلول ولكن المعلول لا يوجب العلة والعلة توجبه فهذا هو المراد بالفرق بين برهان أن وبرهان لم بل أحد المعلولين قد يدل على المعلول الآخر إن ثبت تلازمهما بأن كانا جميعا معلولى علة واحدة وليس من شرط برهان لم ان يكون علة لوجود الحد الأكبر مطلقا بل إن كان علة لاتصاف الحد الأصغر بالحد الأكبر كفى أعنى أن يكون علة لكونه فيه فانك تقول الانسان حيوان وكل حيوان جسم فالأنسان جسم فهذا برهان لم لأن الحد الأوسط علة وجود الأكبر فى الأصغر فان الانسان كان جسما لأنه حيوان أى الجسمية صفة ذاتية للحيوان تلحقه من حيث أنه حيوان لا لمعنى أعم ككونه موجودا أو لا لمعنى أخص ككونه كاتبا وطويلا.
(الفصل الثالث): في الأمور التى عليها مدار العلوم البرهانية وهى أربعة.
(الموضوعات، والاعراض الذاتية، والمسائل، والمبادئ) (الأول الموضوعات): ونعنى بها أن لكل علم لا محالة موضوعا ينظر فيه ويطلب فى ذلك العلم أحكامه كبدن الانسان للطب والمقدار للهندسة والعدد للحساب والنغمة للموسيقى وأفعال المكلفين للفقه وكل علم من هذه العلوم فلا يوجب على المتكفل به أن يثبت وجود هذه الموضوعات فيه فليس على الفقيه أن يثبت أن للانسان فعلا ولا على المهندس أن يثبت أن المقدار عرض موجود بل يتكفل باثبات ذلك علم آخر* نعم عليه أن يفهم هذه الموضوعات بحدودها على سبيل التصور.
(الثانى الاعراض الذاتية): ونعنى بها الخواص التى تقع فى موضوع ذلك العلم ولا تقع خارجة منه كالمثلث والمربع لبعض المقادير والانحناء والاستقامة لبعضها وهى أعراض ذاتية لموضوع الهندسة وكالزوجية والفردية للعدد وكالاتفاق والاختلاف للنغمات أعنى التناسب وكالمرض والصحة للحيوان ولا بد فى أول كل علم من فهم هذه الأعراض الذاتية بحدودها على سبيل التصور فأما وجودها فى الموضوعات فانما يستفاد من تمام ذلك العلم إذ مراد العلم أن يبرهن عليه فيه.
(الثالث المسائل): وهى عبارة عن اجتماع هذه الأعراض الذاتية مع الموضوعات وهى مطلوب كل علم ويسأل عنها فيه فمن حيث يسأل عنها فيه تسمى مسائل ذلك العلم ومن حيث تطلب تسمى مطالب ومن حيث أنها نتيجة البرهان تسمى نتائج والمسمى واحد ويختلف هذه الأسامى والعبارات باختلاف الاعتبارات وكل مسألة رهانية فى علم فاما أن يكون موضوعها موضوع ذلك العلم أو الأعراض الذاتية فى ذلك العلم لموضوعه فان كان هو الموضوع فاما أن يكون نفس الموضوع كما يقال فى الهندسة كل مقدار مشارك لمقدار آخر يجانسه ولا يباينه وكما يقال فى الحساب كل عدد فهو شطر طرفيه اللذين بعدهما بعدد واحد كالخمسة فانها شطر مجموع الستة والأربعة ومجموع الثلاثة والسبعة ومجموع الاثنين والثمانية ومجموع الواحد والتسعة وإما أن يكون هو الموضوع مع أمر ذاتى أعنى العرض الذاتى كما يقال فى الهندسة المقدار المباين لشىء مباين لكل مقدار يشاركه فقد أخذ المقدار المباين لا المقدار المجرد والمباين عرض ذاتى للمقدار وكما يقال فى الحساب كل عدد منصف فضرب نصفه فى نصفه ربع ضرب كله فى كله فانه أخذ العدد المنصف لا العدد وحده وإما أن يكون نوعا من موضوع العلم كما يقال الستة عدد تام فان الستة نوع من العدد وإما أن يكون نوعا مع عرض ذاتى كما يقال فى الهندسة كل خط مستقيم قام على خط مستقيم آخرحصل منهما زاويتان مساويتان لقائمتين فالخط نوع من المقدار الذى هو موضوع والمستقيم عرض ذاتى فيه وإما أن يكون عرضا كقولك فى الهندسة كل مثلث فزواياه مساوية لقائمتين فان المثلث من الأعراض الذاتية لبعض المقادير فاذا لا يخلو موضوعات المسائل البرهانية فى العلوم عن هذه الأقسام الخمسة وأما محمولها فهى الأعراض الذاتية الخاصة بذلك الموضوع.
(الرابع المبادىء): ونعنى بها المقدمات المسلمة فى ذلك العلم الذى يثبت بها مسائل ذلك العلم وتلك لا تثبت فى ذلك العلم ولكن إما أن تكون أولية فتسمى علوما متعارفة كقولهم فى أول أقليدس إذا أخذ من المتساويين متساويين كان الباقى متساويا، وإذا زيد متساويان كانا متساويين، وإما أن لا تكون أولية ولكن تسلم من المتعلم فان سلمها عن طيب نفس تسمى أصولا موضوعة وإن بقى فى نفسه عناد تسمى مصادرات ويصبر عليها إلى أن تتبين له فى علم آخر كما يقال فى أول أقليدس لا بد وأن نسلم أن كل نقطة يمكن أن تكون مركزا فانه يمكن أن يعمل عليها دائرة، ومن الناس من ينكر تصور الدائرة على وجه تكون الخطوط من المركز إلى المحيط متساوية ولكن يصادر عليها فى ابتداء العلم.
(الفصل الرابع فى بيان جميع شروط مقدمات البرهان): وهى أربعة أن تكون صادقة وضرورية وأولية وذاتية: (أما الصادقة): فنعنى بها اليقينية كالأوليات والمحسوسات وما معها وقد سبق هذا الشرط.
(وأما الضرورية): فنعنى بها أن تكون مثل الحيوان للانسان لا مثل الكاتب للانسان هذا إن كان يطلب منها نتيجة ضرورية فان المقدمة إذا لم تكن ضرورية لم تجب على العقل التصديق بالنتيجة الضرورية.
(وأما الأولية): فنعنى بها ان يكون المحمول في المقدمة ثابتا للموضوع لأجل الموضوع كقولك كل حيوان جسم فانه جسم لأنه حيوان لا لمعنى أعم منه كقولك الانسان جسم فانه ليس جسما لأنه إنسان بل لأنه حيوان ثم لكونه حيوانا كان جسما فالجسمية أولا للحيوان ثم بواسطته للانسان ولا لمعنى أخص منه كالكاتب للحيوان فانه ليس له ذلك للحيوانية بل للانسانية وهى أخص فالأولى ما ليس بينه وبين الموضوع واسطة فيكون لتلك الواسطة أولا ثم بواسطته له هذا شرط فى المقدمات الأولية فاما فى مقدمات كانت نتيجة أقيسة ثم جعلت مقدمات فى قياس آخر فلا يشترط ذلك فيها بل تشترط الضرورية والذاتية.
Página desconocida
(وأما الذاتى): فهو احتراز من الأعراض الغريبة فان العلوم لا ينظر فيها للأعراض الغريبة فلا ينظر المهندس فى أن الخط المستقيم أحسن أو المستدير ولا فى أن الدائرة هل تضاد المستقيم لأن الحسن والمضادة غريب عن موضوع علمه وهو المقدار فانه يلحق المقدار لا لأنه مقدار بل بوصف أعم منه ككونه موجودا أو غيره والطبيب لا ينظر فى أن الجراحة مستديرة أم لا لأن الاستدارة لا تلحق الجرح لأنه جرح بل لأمر أعم منه وإذا قال الطبيب هذا الجرح بطىء البرء لأنه مستدير والدوائر أوسع الأشكال لم يكن ما ذكره علما طبيا ولم يدل ذلك على علمه بالطب بل بالهندسة فاذا لا بد وأن يكون محمول المسئلة فى العلوم ذاتيا وفى المقدمات ذاتيا ولكن بينهما فرق ما وهو ان الذاتى يطلق ههنا لمعنيين.
(أحدهما): أن يكون داخلا فى حد الموضوع كالحيوان للانسان فانه ذاتى فيه لأنه يدخل فيه إذ معنى الانسان أنه حيوان مخصوص* (والثانى): أن يكون الموضوع داخلا فى حده لا هو داخلا فى حد الموضوع كالفطوسة للانف والاستقامة للخط فان الأفطس عبارة عن ذى أنف بصفة مخصوصة بالأنف فدخل فى حده لا محالة والذاتى بالمعنى الأول محال أن يكون محمولا فى المسائل المطلوبة فى العلوم لأن الموضوع لا يعلم إلا به. فيتقدم العلم به على العلم بالموضوع فكيف يكون حصوله للموضوع مطلوبا فان من لا يفهم المثلث بحده على سبيل التصور لا يطلب أحكامه فيجوز أن يطلب أن زواياه مساوية لقائمتين أم لا وإما أن يطلب أنه شكل أم لا فهو محال لأن الشكل يفهم أولا ثم يفهم انقسامه إلى ما يحيط به ثلاثة أضلاع وهو المثلث أو أربع وهو المربع فالعلم به يتقدم عليه (وأما المقدمات): فينبغى أن يكون محمولاتها ذاتية ويجوز أن يكون محمولا المقدمتين ذاتيا بالمعنى الآخر ولا يجوز ان يكون كلاهما ذاتيا بالمعنى الأول لأن النتيجة تكون معلومة قبل المقدمة لأن ذات الذاتى بذلك المعنى ذاتى ولا يجوز أن يقال كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم فكل إنسان جسم على أن هذا مطلوب لأن العلم بالجسمية يتقدم على العلم بالانسان فاذا كان موضوع المسئلة هو الانسان فلا بد وأن يكون أولا متصورا حتى يطلب حكمه إذ متصور الانسان متصور الحيوان والجسم من قبل لا محالة إذ يفهم الجسم وإنه ينقسم إلى الحيوان وغيره ثم الحيوان ينقسم إلى الناطق وغيره ولكن يجوز أن يكون محمول المقدمة الصغرى ذاتيا بالمعنى الأول ومحمول الكبرى ذاتيا بالمعنى الثانى وكذا بالعكس هذا ما أردنا تفهيمه وحكايته.
(فهرست القسم الأول إجمالا من) مقاصد الفلاسفة (لحجة الاسلام الغزالى) صحيفة م 2 خطبة الكتاب وفيها بيان أقسام الرياضيات والمنطقيات والطبيعيات والالهيات 4 القول فى المنطق وبيان فائدته وأقسامه وتعريف التصور والتصديق وبيان أن المنطق على خمسة فنون 8 الفن الأول فى دلالة الألفاظ ويتضح المقصود منها بتقسيمات خمسة 11 الفن الثاني فى المعانى الكلية واختلاف نسبها وأقسامها 17 الفن الثالث فى تركيب المفردات وأقسام القضايا وشرحها بذكر تقسيمات 25 الفن الرابع في تركيب القضايا وفيه بيان الأشكال والضروب 31 بيان جدول ضروب الشكل الأول منتجها وعقيمها 36 القول فى القياسات الاستثنائية وفيه بيان شرطى المتصل والمنفصل 45 القول فى مادة القياس 52 القول فى مجارى المقدمات 54 خاتمة القول فى القياس 57 الفن الخامس من الكتاب في لواحق القياس والبرهان وفيه أربعة فصول 00 الفصل الأول المطالب العلمية وأقسامها 59 الفصل الثانى فى تقسيم القياس البرهانى 60 الفصل الثالث فى الأمور التى عليها مدار العلوم البرهانية 62 الفصل الرابع فى بيان شروط مقدمات البرهان
~~(الالهيات) بسم الله الرحمن الرحيم القسم الثانى (الفن الثانى الالهيات)
اعلم أن عادتهم جارية بتقديم الطبيعى ولكن آثرنا تقديم هذا لأنه أهم والخلاف فية أكثر ولأنه غاية العلوم ومقصدها وإنما يؤخر لغموضه وعسر الوقوف عليه قبل الوقوف على الطبيعى ولكنا نورد فى خلل الكلام من الطبيعى ما يتوقف عليه فهم المقصود ونستوفى حكاية مقاصد هذا العلم فى مقدمتين وخمس مقالات.
(المقالة الأولى: فى أقسام الوجود وأحكامه).
(المقالة الثانية: فى سبب الوجود كله وهو الله تعالى).
(المقالة الثالثة: فى صفاته).
(المقالة الرابعة: فى أفعاله ونسبة الموجودات إليه).
(المقالة الخامسة: فى كيفية وجودها منه على مذهبهم).
Página desconocida
(المقدمة الأولى في تقسيم العلوم) لا شك فى أن لكل علم موضوعا يبحث فيه عن أحوال ذلك الموضوع والأشياء الموجودة التى يمكن أن يكون منظورا فيها فى العلوم ينقسم إلى ما وجوده بأفعالنا كالأعمال الانسانية من السياسات والتدبيرات والعبادات والرياضات والمجاهدات وغيرها وإلى ما ليس وجوده بأفعالنا كالسماء والأرض والنباتات والحيوان والمغادن وذوات الملائكة والجن والشياطين وغيرها فلاجرم ينقسم العلم الحكمى إلى قسمين.
(أحدهما): ما يعرف به أحوال أفعالنا ويسمى علما عمليا وفائدته أن ينكشف به وجود الأعمال التى بها ينتظم مصالحنا فى الدنيا ويصدق لأجله رجاؤنا فى الآخرة.
(والثانى): مانتعرف فيه أحوال الموجودات لتحصل فى نفوسنا هيئة الوجود كله على ترتيبه كما تحصل الصورة المرئية فى المرآة ويكون حصول ذلك فى نفوسنا كمالا لنفوسنا فان استعداد النفس لقبولها هو خاصة النفس فتكون فى الحال فضيلة وفى الآخرة سببا للسعادة كما سيأتى ويسمى علما نظريا وكل واحد من العلمين ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
(أما العملى): فينقسم إلى ثلاثة أقسام.
(أحدها): العلم بتديير المشاركة التى للانسان مع الناس كافة فان الانسان خلق مضطرا إلى مخالطة الخلق ولا ينتظم ذلك على وجه يؤدى إلى حصول مصلحة الدنيا وصلاح الآخرة إلا على وجه مخصوص وهذا علم أصله العلوم الشرعية وتكمله العلوم السياسية المذكورة فى ثديير المذن وترتيب أهلها.
(والثانى ): علم تدبير المنزل وبه يعلم وجه المعيشة مع الزوجة والولد والخادم وما يشتمل المنزل عليه.
(والثالث): علم الأخلاق وما ينبغى أن يكون الانسان عليه ليكون خيرا فاضلا فى أخلاقه وصفاته ولما كان الانسان لا محالة إما وحده وإما مخالطا لغيره وكانت المخالطة إما خاصة مع أهل المنزل وإما عامة مع أهل البلد انقسم العلم بتدبير هذه الأحوال الثلاثة إلى ثلاثة أقسام لامحالة.
(وأما العلم النظرى فثلاثة): (أحدها) يسمى الالهى والفلسفة الأولى: (والثانى): يسمى الرياضى والتعليمى والعلم الأوسط.
(والثالث): يسمى العلم الطبيعى والعلم الأدنى وإنما انقسم إلى ثلاثة أقسام لأن الأمور المعقولة لا تخلو إما أن تكون برية عن المادة والتعلق بالأجسام المتغيرة المتحركة كذات الله تعالى وذات العقل والوحدة والعلة والمعلول والموافقة والمخالفة والوجود والعدم ونظائرها فان هذه الأمور يستحيل ثبوت بعضها للمواد كذات العقل وأما بعضها فلا يجب لها أن يكون فى المواد وإن كان قد يعرض لها ذلك كالوحدة والعلة فان الجسم أيضا قد يوصف بكونه علة واحدة كما يوصف العقل ولكن ليس من ضرورتها أن تكون فى المواد وإما أن تكون متعلقة بالمادة وهذا لا يخلو إما أن يكون بحيث يحتاج إلى مادة معينة حتى لا يمكن أن يتحصل فى الوهم بريا عن مادة معينة كالانسان والنبات والمعادن والسماء والأرض وسائر أنواع الأجسام وإما أن يمكن تحصيلها فى الوهم بريا عن مادة معينة كالمثلث والمربع والمستطيل والمدور فان هذه الأمور وإن كانت لا تتقوم وجودها إلا فى مادة معينة ولكن ليس يتعين لها فى الوجود على سبيل الوجوب مادة خاصة إذ قد تعرض فى الحديد والخشب والتراب وغيره لا كالانسان فان مفهومه لا يمكن أن يحصل إلا فى مادة معينة من لحم وعظم وغيرهما فان فرض من خشب لم يكن إنسانا والمربع مربع من لحم أوطين أوخشب وهذه الأمور يمكن تحصيلها فى الوهم من غير التفات إلى مادة والعلم الذى يتولى النظر فيما هو برى عن المادة بالكلية هو الالهى والعلم الذى يتولى النظر فيما هو برى عن المادة فى الوهم لا فى الوجود هو الرياضى والذى يتولى النظر فيما لا يستغنى عن. المواد المعينة هو الطبيعى فهذا هو علة انقسام هذه العلوم إلى ثلاثة أقسام ونظر الفلسفة فى هذه العلوم الثلاثة.
(المقدمة الثانية في بيان موضوعات هذه العلوم الثلاثة) (ليخرج منه موضوع العلم الالهى الذى نحن بصدده) (أما العلم الطبيعى): فموضوعه أجسام العالم من حيث أنها وقعت فى الحركة والسكون والتغير لامن حيث مساحتها ومقدارها ولا من حيث شكلها واستدارتها ولا من حيث نسبة بعض أجزائها إلى بعض ولا من حيث كونها فعل الله تعالى فان النظر فى الجسم يمكن من هذه الوجود كلها ولا ينظر الطبيعى فيه إلا من حيث تغيره واستحالته فقط.
Página desconocida
(وأما الرياضى): فموضوعه بالجملة الكمية وبالتفصيل المقدار والعدد* وللعلم الطبيعى فروع كثيرة كالطب والطلسمات والنارنجات والسحر وغيره* وللرياضى أيضا فروع كثيرة* وأصوله علم الهندسة والحساب والهيئة أعنى هيئة العالم والموسيقى وفروعه علم المناظر وعلم جر الأثقال وعلم الأكر المتحركة وعلم الجبر وغيره.
(وأما العلم الالهى): فموضوعه أعم الأمور وهو الوجود المطلق والمطلوب فيه لواحق الوجود لذاته من حيث أنه وجود وفقط ككونه جوهرا وعرضا وكليا وجزئيا وواحدا وكثيرا وعلة ومعلولا وبالقوة والفعل وموافقا ومخالفا وواجبا وممكنا وأمثاله فان هذه تلحق الوجود من حيث أنه وجود لا كالمثلثية والمربعية فانها تلحق الوجود بعد أن يصير مقدارا ولا كالزوجية والفردية إذ تلحقه بعد أن يصير عددا ولا كالبياض والسواد إذ يلحقه بعد ان يصير جسما طبيعيا.
(وبالجملة): كل وصف لا يلحق الوجود إلا بعد أن صار موضوع أحد العلمين الرياضى والطبيعى فالنظر فيه ليس من هذا.
العلم* ويقع فى هذا العلم النظر فى سبب الوجود كله لأن الموجود ينقسم إلى سبب ومسبب والنظر فى وحدة السبب وكونه واجب الوجود وفى صفاته وفى تعلق سائر الموجودات به ووجه حصولها منه* ويسمى النظر فى التوحيد من هذا العلم خاصة العلم الالهى ويسمى علم الربوبية أيضا وأبعد العلوم الثلاثة عن التشويش الرياضى* وأما الطبيعى فالتشويش فيه أكثر لأن الطبيعيات بصدد التغيرات فهى بعيدة عن الثبات بخلاف الرياضيات فهذه هى المقدماث.
(أما المقالات): فالمقالة الأولى فى أقسام الوجود وأحكامه وأعراضه الذاتية ويظهر ذلك بتقسيمات.
(القسمة الأولى): الوجود ينقسم إلى الجوهر والعرض وهذا يشبه الانقسام بالفصول والأنواع وسبيل تفهيم التقسيم أن العقل يدرك الوجود.
على سبيل التصور بلا شك وهو مستغنى هن الرسم والحد إذ ليس للوجود رسم ولا حد.
(أما الحد): فلأنه عبارة عن الجمع بين الجنس والفصل وليس للوجود شىء أهم منه حتى ينضاف إليه فصله ويحصل منه حد الوجود.
(وأما الرسم): فهو عبارة عن تعريف الخفى بالواضح ولا شىء أوضح من الوجود وأعرف أشهر منه حتى يعرف الوجود به* نعم أن ذكر الوجود بالعربية ولم يفهم فقد يبدل بالعجمية ليفهم المراد باللفظ وأما الحد والرسم فممتنعان إذ غايتك فى الرسم والتعريف أن تقول الوجود هو الذى ينقسم إلى الحادث والقديم وهو فاسد لأنه تعريف الشىء بما يعرف به إذ الحادث يعرف بعد معرفة الوجود وكذا القديم فان الحادث عبارة عن موجود بعد عدم والقديم عبارة عن موجود غير مسبوق بعدم فاذا ظهر أن الوجود يحصل فى العقل تصوره حصولا أوليا لا بطلب حد ورسم فليس بخفى أنه ينقسم فى العقل إلى موجود يحتاج إلى محل يحل فيه كالأعراض وإلى مالا يحتاج إلى ذلك والذى يحتاج إلى محل ينقسم إلى مالا يحل فى محل ذلك المحل يتقوم بنفسه دون ذلك العرض وليس يحتاج فى قوامه إلى العرض وحلول العرض لا يبدل حقيقته فلا يغير جواب السؤال عن ماهيته كالسواد للثوب والانسان وإلى ما يحل فى المحل فتقوم حقيقة المحل به فيتبدل بسبب حلوله الحقيقية وجواب الماهية كصورة الانسان فى النطفة وصورة الفارة فى التراب فان من أشار إلى ثوب وقال ماهو فجوابه أنه ثوب فلو صار أسود اوحارا فسأل عنه كان الجواب انه ثوب لأن السواد والحرارة لم يخرجه عن كونه ثوبا ولم تبطل حقيقته والنطفة إذا استحالت إنسانا لم يمكن أن يقال نطفة فى جواب ما هو ولا التراب إذا صار فارة فسئل عنه يمكن أن يقال أنه تراب فالحرارة واللون وصف ينضاف إلى الثوب ويبقى الثوب ثوبا معه والتراب لا يبقى ترابا مع صورة الفارة ولا النطفة تبقى نطفة اذا صارت انسانا وقد استويا أعنى اللون وصورة الانسانية فى أن كل واحد يحتاج إلى محل ولكن بين المحلين وبين الحالين فرق فلا بد من الاصطلاح على عبارتين مختلفتين وقد اصطلحوا على تخصيص لفظ العرض بما يجرى مجرى اللون الحرارة من الثوب وعلى تسمية محل العرض موضوعا فمعنى العرض على هذا الاصطلاح هو الذى يحل فى موضوع ومعنى الموضوع هو الذى يتقوم بنفسه دون المعنى الحال.
فيه وأما مايجرى مجرى الانسانية فيسمى صورة ويسمى محله هيولى فالخشب موضوع لصورة السرير وهيولى لصورة الرماد فانه يبقى خشبا مع صورة السرير ولا يبقى خشبا مع صورة الرماد والصورة تسمى جوهرا إذ وضعوا الجوهر عبارة عن كل موجود لا فى موضوع والصورة ليست فى موضوع كما سبق والهيولى أيضا جوهر فانقسم الجوهر إلى أربعة أنواع.
Página desconocida
(الهيولى والصورة والجسم والعقل المفارق): وهوالقائم بنفسه وكل جسم فالجواهر الثلاثة الأول موجودة فيه فالماء مثلا جسم مركب من صورة المائية ومن الهيولى الحاملة للصورة فمجرد الهيولى جوهر ومجرد الصورة جوهر ومجموعهما وهو الجسم جوهر فهذا شرح هذه الانقسامات فى العقل مع تفسير هذه الاصطلاحات فأما إثبات الجواهر الثلاثة فبالبرهان على ما سيأتى إلا الجسم فانه يثبت بالمشاهدة* أما العقل والصورة والهيولى فمطلوب بالدليل لا محالة وحصل من هذا أنهم أطلقوا اسم الجوهر على ما هو محل وعلى ما هو حال أيضا وخالفوا فى هذا المتكلمين فان الصورة عند المتكلمين عرض تابع لوجود المحل وهم يستبدلون ويقولون كيف لا تكون الصورة جوهرا وبها تقوم ذات الجوهر ويتقوم حقيقته وماهيته وكيف يكون عرضا والعرض تابع للمحل بعد تقوم المحل بنفسه والهيولى تابع للصورة فى التقوم وأصل الجوهر كيف لا يكون جوهرا.
(القول فى حقيقة الجسم): لما قسم العقل الجوهر إلى جسم وغير جسم وكان وجود الجسم من جملة الجواهر مدركا بالحس مستغنيا عن البرهان وجبت البداية بيان حده وحقيقته فالجسم هو كل جوهر يمكن أن يفرض فيه ثلاثة امتدادات متقاطعة على زوايا قائمة فانك إذا لاحظت ذات العقل أو ذات البارى تعالى لم يمكنك أن تفرض فيه بعدا أو امتدادا البتة فاذا نظرت إلى السماء والأرض وسائر الأجسام أمكنك أن تفرض امتدادا على الاتصال وتقبل الانقسام والانفصال والامتداد فى جهة واحدة يسمى طولا وهذا يوجد للخط وحده والامتداد فى جهتين يسمى طولا وعرضا وهذا يوجد للسطح وحده فانه ينقسم من جهتين والخط لا ينقسم إلا من جهة واحدة ولا يوجد شىء ينقسم من ثلاثة جهات إلا الجسم فكل ما يمكن أن يفرض بالوهم فيه ثلاث امتدادات متقاطعة على زوايا قائمة فهو الجسم وإنما خصصنا الزوايا بالقائمة لأن ذلك إن لم يشترط فكل جسم يمكن أن يفرض فيه امتدادات كثيرة متقاطعة لا على زوايا قائمة مثل هذا فاذا فرضت الزوايا قائمة لم تزد على الثلاث وهو الطول والعرض والعمق * والزاوية القائمة هى التى تحصل بقيام خط منتصبا على وسط آخر بحيث لا يميل الى أحد الجانبين وبحيث يتساوى الزاويتان.
الحاصلتين من الجانبين فاذا تساويتا سميت كل واحدة قائمة مثل هذا فاذا ميل به الى جانب اليمين مثلا مثل هذا صارت الزاوية من الجانب الذى اليه الميل أضيق من مقابلتها فتسمى حاده وتسمى الواسعة المقابلة منفرجة * وقد قيل فى حد الجسم أنه الطويل العريض العميق وهذا فيه نوع تساهل فان الجسم ليس جسما باعتبار ما فيه من الطول والعرض والعمق بالفعل بل باعتبار قبوله للطول والعرض والعمق والابعاد الثلاثة بدليل أنك لو أخذت شمعة فشكلتها بطول شبر وعرض أصبعين وسمك أصبع واحد فهى جسم لا لما فيه من الطول والعرض إذ لو جعلته مستديرا أو على شكل آخر زال ذلك الامتداد المعين وذلك الطول المعين وحدث امتدادان آخران بدلا عنهما والصورة الجسمية لم تتبدل أصلا فاذا المقادر الموجودة فى الجسم أعراض خارجة عن ذات الجسمية وقد تكون لازمة لا تفارق كشكل السماء ولكن العرضى قد يكون لازما وكذا العرض كالسواد للحبشى فاذا الذاتى للجسم الذى هوالصورة الجسمية كونه بحيث يقبل فرض الامتدادات لا وجود الامتدادات بالفعل بل المقدار الحاصل بالفعل عرض ولذلك يجوز أن يقبل جسم واحد مقدارا أصغر وأكبر فيكبر مرة ويصتغرأخرى من غير زيادة من خارج بل فى نفسه من حيث أن المقدار عرض فيه وليس.
بعض المقادير متعينا له لذاته ويدل على كون المقدار غير حقيقة الجسمية أن الأجسام متساوية فى الصورالجسمية لا يتصور بينها فرق وهى مختلفة فى المقادير لا محالة (القول فى الاختلاف الذى فى تركيب الجسم): قد اختلف الناس فى تركيب الجسم ولا يحصل الوقوف على حقيقة الجسم إلاببيان صحيح المذاهب فيه* وقد اختلفوا على ثلاثة مذاهب فقائل يقول إنه متركب من أجزاء لا تجزأ لا بالوهم ولا بالفعل ويسمى كل من تلك الآحاد جوهرا فردا والجسم هو المتألف من تلك الجواهر* وقائل يقول إنه غير مركب أصلا بل هو موجود واحد بالحقيقة والحد* وليس فى ذاته تعدد* وقائل يقول إنه مركب من الصورة والمادة أما دليل بطلان المذهب الأول فابطال الجوهر الفرد وبيان استحالته بستة أمور.
(الأول): أنه لو فرض جوهر بين جوهرين فكل واحد من الطرفين يلقى من الأوسط ما يلقاه الآخر أو غيره فان كان غيره فقد حصل الانقسام إذ ما شغله هذا الطرف بالمماسة غير ما شغله الآخر وإن كان عينه فلا شك فى أنه محال ثم يلزم عليه أن يكون كل واحد من الطرفين مداخلا للوسط بكليته إذ لقى جميعه وليس له جميع بل هو واحد وقد لقى منه شيئا فقد لقى كله ولقى الآخر كله فيلزم أن يكون مكان الكل ومكان الوسط واحدا وإلاصار الوسط حائلا بين الطرفين وصار ملاقيا لكل واحد من الطرفين بغير ما يلاق الآخر ولا يمكنه أن يلافيه بعين مايلاقى الآخر إلا بالتداخل ثم إن جاء ثالث ورابع فهكذا يلزم فيجب أن لا يزيد حجم ألف جزء على جزء واحد ولا شك فى استحالة هذا.
(دليل ثانى): وهو أنا نفرض خمسة أجزاء رتبت صفا واحدا كأنه خط ووضعنا جزئين على طرفى الخط فالعقل يقبل تقدير حركة الجزئين حتى يلتقيا لا محالة ويقبل تقديرالتقائهما بحركة متساوية من الجزئين وإذا فرض ذلك كان كل واحد من الجزئين قد قطع جزءا من الوسط فيكون الوسط قد انقسم والا فيلزم أن يقال ليس فى مقدور الله إيصال أحدهما إلى الآخر بحركة متساوية بل اذا ابتدأ بتحريكهما وانتهى أحدهما إلى الثانى وقفت القدرة عن تحريكه حتى يتحرك الآخر إلى الثالث* وليت شعرى هل يكون وقوف القدرة فى الجوهر المتيامن أو المتياسر ولم يتعذر على القدرة ذلك فى أحدهما بعينه دون الآخر وذلك الآخر مثله فى قبول الحركة.
(دليل ثالث): هو أنا نفرض خطين كل واحد منهما من ستة أجزاء أحدهما خط.
(اب) : والآخر خط (ج د): على هذا المثال وفرصنا جزئين أحدهما.
يريد أن يتحرك من (ا) آلى (ب) والآخر من (د) الى (ج) ليكونا متقابلين فلا شك فى أنهما يتقابلان أولا ويتحاذيان ثم يجاوز أحدهما الآخر ويمكن أن نفرض ذلك بحركة متساوية من الجزئين وإن ثبت الجوهر الفرد صار ذلك محالا لأن تحاذيهما لا يمكن إلا على ثلاثة أوجه.
(أحدها): أن يكون على نقطتى (ه ح) فيكون أحدهما قطع أربعة أجزاء والآخر جزئين* والثانى أن يكون على نقطتى (رط) فيكون أحدهما أيضا قد قطع جزئين والآخر أربعة فلاتكون الحركة متساوية* والثالث أن يكون أحدهما على نقطة (ح) والآخر على نقطة (ط) وقد قطع كل واحد جزئين ولكن تقطتا (ح) و(ط) ليستا بمتحاذيتين فاستحال التحاذى مع تساوى الحركة فاستحال التجاوز ولا شك فى أن ذلك غير محال وإنما صار محالا بفرض الجوهر الفرد بل يتحاذيان على الوسط فان كل طول فيقبل التنصيف بنصفين متساويين فيكون المنتصف هو الوسط وهما متحاذيان.
Página desconocida
(دليل رابع): وهو أنا نفرض ستة عشرجوهرا فردا وصنعت متلاصقة متجاورة على شكل مربع وهى ذات أربعة أضلاع هكذا وقد وضعناها متفرقة فلنفرضها متلاصقة لا فرجة فيها فلا شك فى أن أضلاعها متساوية لأن كل ضلع مركب من أربعة أجزاء وقطره أيضا مركب من أربعة أجزاء.
فيجب أن يكون قطره مثل ضلعه وذلك محال فان القطر الذى.
يقطع المربع بمثلين متساويين أبدا يكون أكبر من الضلع وذلك معلوم بالمشاهدة من جميع المربعات ودل عليه البرهان الهندسى وذلك محال مع الجوهر الفرد.
(دليل خامس): اذا فرضنا خشبا منتصبا فى الشمس وقع له ظل لا محالة وامتد من الشعاع خط مستقيم من حد الظل كرأس الخشبة الى الشمس وواجب أن يتحرك مهما تحرك الشمس فان الشعاع لا يقع إلا مستقيما فان تحركت الشمس ولم يتحرك الظل كان لخط مستقيم طرفان طرف إلى الجزء الذى كان الشمس فيه أولا وطرف إلى الجزء الذى انتقل اليه ثانيا وذلك محال فان فرضنا تحرك الشمس جزءا واجدا فان تحرك الظل أقل من جزء فقد انقسم الجزء وإن تحرك مثل ما تحرك الشمس فهذا محال إذ يقطع الشمس فراسخ والظل لا يتحرك مقدار شعرة.
(دليل سادس): أن الرحا من الحديد أو الحجر إذا دارت فلا شك فى أنه إذا تحرك طرفه تحرك أجزاء وسطه أقل من ذلك لأن دوائر الوسط أصغر من دوائر الظرف وإذا تحرك الطرف جزءا فاما أن يتحرك الوسط أقل منه فينقسم الجزء أولا يتحرك فيلزم أن ينفصل جميع أجزاء الرحا حتى يتحرك البعض ويسكن وهو محال من الحس فان أجزاء الحديد ليست تنفصل البتة.
(فأما دليل بطلان المذهب الثانى): وهو قول من قال إن الجسم ليس مركبا أصلا بل هو موجود واجد بالحقيقة والحد فهو أن الشىء الواحد من كل وجه لا يتصور أن يعبر عنه بعبارتين يصدق على إحداهما مالا يصدق على الأخرى* ونحن نبين أن العقل يثبت فى كل جسم أمرين يصدق على أحدهما ما لا يصدق على الآخر فان الصورة الجسمية عبارة عن الاتصال لا محالة وهذا الجسم المتصل قابل للانفصال الا محالة والقايل لا يخلو إما أن يكون عين الاتصال أو غيره فان كان عين الالصال فهو محال لأن القابل هو الذى يبقى مع المقبول إذ لا يقال المعدوم قبل الوجود فالاتصال لا يقبل الانفصال فلا بد من أمر آخر هو القابل للاتصال والانفصال جميعا وذلك القابل يسمى هيولى بالاصطلاح* والاتصال المقبول يسمى صورة ولا يتصور جسم لا اتصال فيه ولا يتصور اتصال إلا فى متصل ولا امتداد إلا فى ممتد والمتصل عين الاتصال بالحد والحقيقة وليسا يتباينان بالمكان ولا يمكن أن يتميز أحدهما عن الآخر باشارة الحس ولكن باشارة العقل يتميزان إذ يحكم العقل على أحدهما بما لا يحكم به على الآخر وهو قبول الانفصال الذى حكم باستحالته على الاتصال وقد حكم العقل بثبوته على شىء فذلك الشىء هو غير الاتصال فقد أدرك العقل لا محالة تغايرا والشىء لا يغايرنفسه بحال فهذا برهان إثبات الهيولى والصورة فى كل جسم. وأما ذات الاله وذات العقل وذات النفس فلا يمكن أن يفرض فيها اتصال وانفصال فلم يلزم أن يكون فيها تركيب وإنما الأجسام هى المركبة بالضرورة من الصورة والهيولى لا محالة فاذا تحصل من مجموع ماسبق أن الحق هو الرأى الثالث وهو أن الجسم غير مركب من أجزاء لا تتجزء إلا متناهية ولا غير متناهية إذ لو كان أجزاء غير متناهية لاستحال قطع الجسم مسافة من طرف إلى طرف إذ لا ينتهى إلى النصف ما لم ينته إلى نصف النصف وكذلك نصف.
نصف النصف ويكون ثم أنصاف لانهاية لها فلا يمكن قطعها ولكن الجسم ليس له جزء بالفعل ولكن بالقوة وإنما يحصل له جزء إذا جزىء ويحصل فيه قطع إذا قطع ويحصل فيه قسمة إذا قسم. وقول القائل الجسم منقسم إن لم يعن به أنه مستعد لأن يحدث فيه الانقسام فهو خطأ كقوله إنه منقطع ومنفصل فان الجسم الواحد المتصل كيف يكون منقطعا ومنفصلا. نعم.
يكون مستعدا له والانقسام والانقطاع والتجزؤ عبارات مترادفة وكلها ثابتة فى الجسم الواحد بالقوة لابالفعل وإنما يصير بالفعل بأحد أمور ثلاثة إما قطع بتفريق الأجزاء. وإما بأن يختلف فيه العرض كالخشب الملون إذ يكون الأبيض غير الأسود. وإما بالوهم وهو أن تصرف وهمك إلى طرف دون غيره فيكون ما صرفت إليه توهمك غير ما قطعت الوهم عنه ويكون وضع الوهم عليه كوضع الأصبع ومهما وضعت الأصبع على طرف كان المماس لأصبعك غير المباين فيحدث به انقسام فكذا يتعلق وهمك بتميز عما لم يتعلق به فمن هذا يعسر على الوهم أن يتصور الجسم واحد الأجزاء له لأنه سباق إلى تعيين الأطراف وتخصيص بعض الأجزاء بالتقديرات فيكون الجسم عند ذلك منقسما انقساما حاصلا من الوهم ولم يكن له فى حد نفسه انقسام بل حدث بفعل الوهم. نعم كان مستعدا لفعل الوهم ولظهور هذا الاستعداد وسهولة حصول المستعد له وعجز انفكاك الخيال عنه لا يكاد الوهم يطمئن إلى التصديق بأن الجسم الواحد المتشابه الأجزاء كالماء الواحد واحد بل نقول اعلم أن الماء الذى فى أسفل الكوز غير الماء على سطح الكوز وهذا صدق لأن الانقسام قد حصل باختلاف عرض المماسة.
ثم نقول: الوهم يفرض جزئين غير مماسين للكوز فماعلى جانب اليمين بالضرورة غير ما على جانب اليسار وهذا أيضا صدق وقد حصل الانقسام باختلاف عرض الموازاة لليمين واليسار والقرب من سطح الكوز أو وسطه وكل ذلك يوجب انقساما ولكن إذا نفى هذه الاختلافات كلها واعتبر جسم واحد متشابه من كل وجه حكم العقل بأنه واحد وليس له جزء بالفعل ولكنه قابل للتجزئة فهذا كشف الغطاء فيه.
(القول فى ملازمة الهيولى والصورة) الهيولى ليس لها وجود بالفعل بنفسها دون الصورة البتة بل يكون أبدا وجودها مع الصورة وكذلك الصورة لا تقوم بنفسها دون الهيولى* والدليل على أن الهيولى لا توجد خالية عن الصورة أمران.
Página desconocida
(الأول): أنه لو وجدت لكان لا يخلو إما أن تكون مشارا إليها فى جهة باليد إشارة حسية أولم تكن فان كانت مشارا إليها فلها إذا جهتان فما يلقى منها ما يأتيها من جهة غير الذى يلقى منها ما يأتيها من الجهة الأخرى فتكون منقسمة وتكون صورة جسمية إذ لا معنى للصورة الجسمية وحقيقتها إلا قبول القسمة وإن لم تكن مشارا إليها فهو باطل من حيث أنه إذا حلت بها الصورة فاما أن تكون فى كل مكان أولا تكون أصلا فى مكان أو تكون فى مكان دون مكان والأقسام الثلاثة باطلة فالمفضى إليها باطل* أما بطلان كونها فى كل مكان أولا فى مكان فظاهر* وأما بطلان اختصاصها بمكان دون مكان فمن حيث أن الصورة الجسمية من حيث أنها جسمية لا تستدعى مكانا معينا بل سائر الأما كن بالنسبة إليها واحدة فيكون الاختصاص بأمر زائد على الجسمية وذلك بأن يقال الهيولى كانت فى مكان مشار إليه فصادفتها الصورة فيه واختصت به فاذا لم تكن الهيولى مشارا إليها استحال فيها اختصاص بمكان دون مكان* فان قيل فهذا يلزم فى أصل الجسم فانه لم يختص بمكان دون مكان وهو من حيث أنه جسم يناسب سائر الأماكن على وجه واحد قيل لا جرم نقول أنه كما لا يتصور وجود هيولى قائمة بالفعل من غير صورة حالة فيها لا يتصور وجود جسم مطلق ليس له إلا صورة الجسمية مالم ينضم إليه أمر زائد على صورة الجسمية يتمم نوعه كما لا يتصور حيوان مطلق لا يكون فرسا ولا إنسانا ولا غيرهما بل لابد وأن ينضاف الفصل إلى الجنس حتى يتم النوع ويحصل الوجود فاذا ليس فى الوجود جسم مطلق أصلا بل جسم خاص كسماء وكوكب ونار وهواء وأرض وماء وما هو مركب من هذه فيكون استحقاقها بعض الأماكن دون بعض بصورتها كالأرض بصورة الأرضية استحقت المركز والنار بصورة النارية استحقت مجاورة المحيط وكذا سائر الأنواع* فان قيل فيبقى الالزام فى أحد أجزاء مكان نوع واحد وهو أن يشار إلى جزء من الماء فى البحر ويقال هذا من حيث إنه ماء ليس يستحق هذا الجزء من المكان بل لوكان إلى وسط البحر أقرب أو أبعد اكن ممكنا فما الذى خصصه به فيقال إن صورة المائية التى فى ذلك الماء صادفت الهيولى التى حلت فيها فى ذلك المكان لأن الهواء مثلا هو الذى ينقلب ماء وقد كان ذلك الهواء موجودا ثم ملاقاة السبب كالبرد هو الذى أحاله ماء فبقى ماء ثم ولم تكن الهيولى ثم من غير صورة بل مع صورة الهوائية فخلعتها ولبست صورة المائية فهذا أحد الأسباب ومن الأسباب أن ينتقل اليه بسبب محرك أوغيره فأما محض المائية فلا يقتضى جزءا معينا من أجزاء حيز الماء بل أمر زائد عليه من جنس ما ذكرناه فاذا بان أن الهيولى لا تقوم بنفسها دون الصورة.
(الدليل الثانى): أن الهيولى إذا فرضت مجردة عن الصورة فلا تخلو أما أن تنقسم أو لا تنقسم فان كانت تنقسم فاذا فيها الصورة الجسمية وإن كانت لا تنقسم فلا تخلو إما أن تكون نبوتها عن قبول القسمة طبعا لها ذاتيا أو عرضاغريبا فان كان ذاتيا استحال أن تقبل الانقسام كما يستحيل أن ينقلب العرض جسما والعقل جسما وإن كان ذلك عارضا غريبا فيها فاذا فيها صورة وليست خالية عن الصورة ولكن تلك الصورة مضادة للصورة الجسمية هذا مع أن الصورة الجسمية لاضد لها كما سيأتى عند ذكر التضاد فان قيل فبم تنكرون على من يسلم أن الصورة الجسمية تلازم الهيولى ولكن يقول هى عرض فيها لازم لها يقال له هذا محال لأن الموضوع متقوم بنفسه دون العرض فى العقل وإن كان قدلا يفارق فى الوجود فللعقل طريق إلى أن يعتبر ذات ذلك الموضوع ويقول هل هو مشار إليه أم لا وهل هو منقسم أم لا ويرجع الدليلان المذكوران بعينهما مع زيادة أشكال وهو أن الهيولى فى نفسها إذا لم تكن مشارا اليها وصارت الاشارة إلى الصورة التى هى عرض والعرض قائم فى ذات الموضوع فان لم يكن الموضوع مشارا إليه فينبغى أن يكون مباينا للعرض المشار اليه ولا يكون محلا له ولا يكون العرض قائما به بل قائما فى ذاته إذ يصير مشارا اليه وذلك كله محال فلاح أن الهيولى لا توجد دون الصورة وأن الصورة الجسمية والهيولى أيضا لا توجدان دون أن ينضاف اليهما الفصل المتمم لنوع ذلك الجسم لأن كل جسم إذا خلى وطبعه طلب موضعا يستقرفيه وليس ذلك له لكونه جسما بل لزائد وكل جسم فاما أن يكون سريع الانفصال أو عسره أو ممتنعه وكل ذلك ليس بمحض الجسمية بل بزائد عليه فاذا لا بد من الزائد أيضا حتى يتم الوجود وقد تحصل من ذلك أن الجسم جوهر مركب من جزئين صورة وهيولى ليس تركيبهما بطريق الجمع بين مفترقين هما موجودان دون التلفيق بل هو تركيب عقلى كما وقعت الاشارة اليه.
(القول فى الأعراض) لا بد من قسمة الأعراض بعد قسمة الجوهر وهى منقسمة أولا إلى قسمين.
(أحدهما): مالا يحتاج فى تصور ذاته إلى تصور أمر خارج منه.
(والثانى): ما يحتاج* فأما الأول فنوعان الكمية والكيفية.
(أما الكمية): فهى العرض الذى يلحق الجوهربسبب التقدير والزيادة والنقصان والمساواة مثل الطول والعرض والعمق والزمان فان هذا لا يحتاج فى تصوره إلى الالتفات إلى أمر خارج منه ويقع بسببه قسمة الجواهر* والنوع الثانى الكيفية وهى التى لا يحوج تصورها إلى تصور أمر خارج ولا يقع بسببها قسمة للجوهر ومثالها من المحسوسات المدركات بالحواس الألوان والطعوم والروائح والخشونة والملاسة واللين والصلابة والرطوبة واليبوسة والحرارة والبرودة* ومن غير المحسوسات ما هواستعداد لكمال أو نقيضه كقوة المصارعة والمصحاحية والضعف والممراضية ومنها ما هو كمال كالعلم والعفة وأما القسم الآخر المحوج إلى الالتفات إلى أمر خارج فهو سبعة.
(الاضافة وأين ومتى والوضع والجدة وأن يفعل وأن ينفعل).
(أما الاضافة): فهى حالة للجوهرتعرض بسبب كون غيره فى مقابلته كالأبوة والبنوة والأخوة والصداقة والمجاورة والموازاة وكونه على اليمين والشمال إذ الأبوة ليست للأب إلا من حيث وجد الابن فى مقابلته.
(وأما الاين): فهو كون الشىء فى مكان مثل كونه فوق وتحت.
(وأما متى): فهو كون الشىء في الزمان ككونه بالأمس وعام أول واليوم.
Página desconocida
(وأما الوضع): فهونسبة أجزاء الجسم بعضها إلى بعض ككونه جالسا ومضطجعا وقاعدا إذ باختلاف وضع الساقين من الفخذين يختلف القيام والقعود.
(وأما الجدة): وتسمى الملك أيضا فهو كون الشىء بحيث يحيط به ما ينتقل بانتقاله ككونه متطلسا ومتغمما ومتقمصا ومتنعلا وكون الفرس مسرجا وملجما فان لم يكن محيطا وكان منتقلا بانتقاله لم يكن منه فان من وضع القميص على رأسه لم يكن متقمصا وإن كان محيطا ولم يكن متنقلا بانتقاله لم يلزم الملك فان البيت محيط بالشخص والاناء بالماء ولكنهما لا ينتقلان بانتقال المحاط.
(وأما أن يفعل): فهو كون الشىء فاعلا فى حالة كونه مؤثرا فى الغير بالفعل ككون النار محرقة فى وقت حصول الاحراق بالفعل وكونها مسخنة.
(وأما الانفعال): فما يقابله وهو استمرار تاثر الشىء بغيره كتسخن الماء وتبرده وتسوده وتبيضه والتسخن غير السخونة والتسود غير السواد فان السخونة والسواد من الكيفية التى لا تحتاج فى تصورها إلى الالتفات إلى الغير وإنما نعنى بالانفعال التأثر والتغير والانتقال من حال إلى حال حيث تتزايد السخونة أو تنتقص فان كان مستقرا كان متكيفا بالسخونة فلم يكن منفعلا فليفهم هذا الفرق (القول فى أقسام آحاد هذه الأعراض) (وإقامة الدليل على أنها أعراض) (أما الكمية): فهى نوعان متصلة ومنفصلة والمتصلة أربعة أقسام الخط، والسطح، والجسم، والزمان.
(أما الخط): فهو الطول وهو الذى لا يوجد فيه الامتداد والمقدار إلا فى جهة واحدة ويكون فى الجسم بالقوة فاذا صار بالفعل يسمى خطا.
(والثانى): ماهو امتداد من جهتين وهو الطول والعرض وهو فى الجسم بالقوة وإنما يحصل بالفعل بقطع فيسمى سطحا ونعنى بالسطح الوجه الظاهر من الجسم وهو منقطعه.
(والثالث): أن يكون له ثلاثة امتدادات وهو الجسم فالوجه الذى يلاقيه المماس إذا لم يعتبر شىء من باطن الجسم سواه هو السطح وهو عرض لأنه لم يكن وكان الجسم موجودا فلما قطع الجسم ظهر فى الجسم وهذا معنى العرض وكما أن السطح عبارة عن منقطع الجسم فالخط عبارة عن طرف السطح ومنقطعه والنقطة عبارة عن طرف الخط ومنقطعه ومهما كان السطح عرضا فلا يخفى أن النقطة والخط أولى بالعرضية نعم النقطة لا مقدار لها إذ لو كان لها قدر وامتداد واحد صارت خطا فاذا كان لها قدران صارت سطحا وإن كان لها قدر فى ثلاث جهات صارت جسما ويمكن أن يتصور الخط والسطح والجسم بتوهم الحركة فالنقطة إذا تحركت حصل الخط * والخط إذا تحرك لافى جهة امتداده حصل السطح* وإذاتحرك السطح لا فى جهة امتداده حصل الجسم وهذا ربما يظن أنه تحقيق وأن الخط يحصل من حركة النقطة وهو محال بل هو أمر توهمى إذ النقطة لا تحرك مالم يكن مكان ولا يكون مكان ما لم يكن جسم فيكون الجسم سابقا فى الحصول على السطح والسطح على الخط والخط على النقطة والنقطة على فرض الحركة فى النقطة.
(وأما الزمان): فهو عبارة عن مقدار الحركة وسيأتى فى الطبيعيات.
(وأما الكمية): المنفصلة فنعنى بها العدد وهوأيضا عرض لأن العدد يحصل من تكررالآحاد فان كان الواحد والوحدة عرضا كان العدد الحاصل منه أولى بالعرضية وإنما يفارق الكمية المنفصلة الكمية المتصلة بشىء وهو أنه لا يوجد بين أجزاء المنفصلة جزء مشترك يصل أحد الطرفين بالآخر إذ ليس بين الثانى والثالث اتصال ولا بيهما جزء مشترك بين الطرفين يصل أحدهما بالآخر كما تصل النقطة المشتركة الموهومة فى وسط الخط بين طرفى الخط وكما يصل الخط بين طرفى السطح وكما يصل السطح الموهوم بين طرفى الجسم وكما يصل الآن بين طرفي الزمان الماضى والمستقبل وآية أن الوحدة عرض أنها تكون إما فى ماء أو إنسان أو فرس ومعنى المائية شىء ومعنى الوحدة شىء ولذلك يصير الماء الواحد بالقسمة اثنين وبالجمع واحدا فيطرأ عليه الوحدة والاثنينية فهو موضوع وهذا عارض نعم الانسان الواحد لا يصير اثنين فان هذا عرض لازم له وذلك لا ينافى كونه عرضا فاذا الوحدة معنى موجود فى موضوع ذلك الموضوع متقوم فى ذاته بحقيقته دون فرض الوحدة وهو المراد بالعرض.
(وأما الكيفية): فنورد منها مثالين الألوان والأشكال فنقول السواد عرض لأنه لو فرض لا فى موضوع فلا يخلو إما أن يكون مشارا اليه ومنقسما أو غير مشار اليه ولا منقسم فان لم يقبل الاشارة والقسمة لم يقبل المقابلة ولم يدرك بالبصر وليس عبارة عن هيئة تقع من الرائى فى جهة مخصوصة ويدركه البصر ويقبل الانقسام وإن كان منقسما فكونه سوادا غير كونه منقسما إذ كونه منقسما يشترك فيه البياض والسواد ويختلفان فى السوادية والبياضية ونحن لانعنى بالجسم إلا المنقسم فهو إما أن يقال فى منقسم وهو العرض* وإما أن يقال هو عين المنقسم وهو محال إذ حقيقة الانقسام هو الجسمية إذ لانعنى بالجسمية سواه وحقيقة السواد غير حقيقة الانقسام لا عينه* نعم لا يتميز السواد عن محله بالاشارة الحسية ولكن يتميز باشارة العقل كما ذ كرناه فاذا هو عرض.
Página desconocida
(وأما الأشكال): فهى أيضا أعراض لأن الشمعة تختلف عليها الأشكال وهى مستمرة الوجود فاذا التدوير والتربيع والتثليث كل ذلك من الكيفية وهى أعراض* وقد ينازع فى وجود الدائرة ويقال لا يتصور شكل معين فى وسطه نقطة جميع الخطوط منها إلى المحيط متساوية ويدل على إثباتها أن الجسم مدرك وجوده بالحس وهو إما مركب وإما مفرد والمركب لا يكون إلا من مفرد ولا بد من إثبات المفرد* والمفرد هو الذى ليس فيه طبايع مختلفة بل طبع واحد متشابه كطبع الماء والهواء فهذا إذا خلى منه مقدار ونفسه فأما أن يكون له من ذاته شكل أو لا يكون وباطل أن لا يكون له شكل إذ يكون ذلك غير متناه وقد فرضنا قدرا متناهيا منه وإذا حدث له شكل فهو إما كرة أو مربع أوغيرهما ومحال أن يكون غير كرة لأن الطبع المتشابه فى محل متشابه لا يوجب شكلا مختلفا حتى يقتضى فى بعضه خطا وفى بعضه زاوية ولا متشابه فى الأشكال إلا الكرة فواجب أن يكون شكله كرويا ومهما قطعت الكرة قطعا مستقيما كان المقطع دائرة بالضرورة فقد ثبت إمكان الدائرة وهى أصل الأشكال فقد ثبت أن الكمية والكيفية عرضان* وأما السبعة الباقية فلا تخفى عرضيتها لأنها لا تخلو عن إضافة شىء إلى شىء ولا بد من شىء حتى يمكن إضافته فالفعل نسبة شىء إلى شىء بالتأثير فلا بد من شىء موجود أولا حتى يؤثر والانفعال نسبة شىء إلى غيره بالتأثير فلا بد من شىء أولا حتى ينفعل* وأما الأربعة البواقى فهى محتاجة إلى الموضوع أيضا لأنها نسب إما إلى زمان أو مكان أو إلى محيط أوجزء ولا بد من شىء حتى يكون إما فى زمان أو فى مكان أو على وضع أو هيئة فاذا هذه التسعة أعراض فاذا الوجود ينطلق على عشرة أشياء الأجناس العالية واحد جوهر وتسعة أعراض ولا يمكن تعريفها بالحد إذ لا جنس أعم منها* والحد مايجتمع فيه الجنس والفصل فهى مساوية للوجود فى أنها لا تقبل الحد ولكنها تقبل الرسم دون الوجود إذ لا شىء أشهر من الوجود حتى يعرف به* فأما هذه الأمور فغامضة فيمكن أن ترسم بما هو أشهر منها وتسمى هذه العشرة المقولات العشرة فان قيل فاسم الوجود لهذه العشرة بالاشتراك أو بالتواطؤ* قلنا لا بالاشتراك ولا بالتواطؤ وقد ظن ظانون أنه بالاشتراك وأن العرض لا يشارك الجوهر فى الوجود بل لا معنى لوجود الجوهر إلا نفس الجوهر ولا لوجود الكمية إلا نفس الكمية وإنما الوجود اسم واحد يتناول مختلفات لا تتشارك البتة في المعنى كلفظ العين لمسمياتها وهذا فاسد من وجهين.
(أحدهما): أن قولنا الجوهر موجود كلام مفيد مفهوم ولو كان وجود الجوهر عين الجوهر لكان كقولنا الجوهر جوهر* وإذا قلنا الفعل والافعال ليسا بموجودين ربما يصدق فى بعض الأحوال وقولنا الفعل والانفعال ليسا بفعل وانفعال لا يصدق قط فلو كان قولنا موجود هو كقولنا فعل كان قولنا الفعل ليس بموجود كقولنا الفعل ليس بفعل.
(والثانى): أن العقل قاض بأن القسمة لاتزيد فى كل شىء على اثنين إذ يقال الشىء إما أن يكون موجودا أو معدوما فان لم يكن للوجود معنى سوى هذه العشرة فلا تكون القسمة محصورة فى اثنين بل لا يكون هذا الكلام مفهوما بل ينبغى أن يقال الشىء إما جوهر وإما كيفية وإما كمية إلى بقية العشرة فتكون القسمة عشرة لا اثنين وهذا يظهر بما ذكرناه من قبل من أن الأنية التى هى عبارة عن الوجود غير الماهية ولذلك يجوز أن يقال ما الذى جعل الحرارة موجودة وما الذى جعل السواد فى الحيز موجودا ولا يجوز أن يقال ما الذى جعل السواد لونا وما الذى جعله سوادا ويعرف تغاير الأنية والماهية باشارة العقل لا باشارة الحس كما يعرف تغاير الصورة والهيولى فان قيل إن صح هذا فليكن متواطأ أعنى اسم الوجود على العشرة قيل إنما أطلق اسم المتواطىء على ما يتناول مسمياته تناولا واحدا من غير تفاوت ومن غير تقدم ولا تأخر كالحيوانية للانسان والفرس والانسانية لزيد وعمرو إذ ليس أحدهما اولى من الآخر فيه ولاهو فى أحدهما أقدم من الآخر والوجود يثبت للجوهر أولا وللكمية والكيفية بواسطته ولبقية الأعراض بواسطتهما فقد تطرق اليه التقدم والتأخر* وأما التفاوت فهو ان وجود السواد وهو هيئة قارة ليس كوجود الحركة والتغير والزمان إذ لاثبات ولا قرار لها بل وجود الحركة والزمان والهيولى أضعف من وجود غيرها فاذا هذه العشرة اتفقت فى الوجود من وجه واختلفت من وجه فكان بين المتواطىء والمشترك فلذلك سمى هذا الجنس من الاسم إسما مشككا أو يسمى متفقا اذا قد ثبت أن الوجود عرضى للأشياء كلها فالماهيات يعرض لها لوجود بعلة إذ ليس الوجود لها من ذاتها وكل ماليس من ذات الشىء فهو له بعلة وكذلك كانت العلة الأولى وجودا بلا ماهية زائدة كما سيأتى فليس الوجود إذا جنسا لشىء من الماهيات* والعرض أيضا بالاضافة إلى التسعة هو كذلك لأن لكل واحدة منها ماهية فى ذاتها وعرضيتها هى لها بالنسبة إلى محلها فاسم العرضية لها بازاء إضافتها إلى محلها لا بازاء ماهيتها ولذلك يمكن أن نتصور بعضها ونتشكك فى أنها أعراض أم لا ولا يمكن أن نتصور النوع ونشك فى وجود الجنس له إذ لا يتصور الانسان السواد ويشك فى كونه لونا أو الفرس ويشك فى كونه جسما أو حيوانا وكذا لفظ الواحد وإن كان له عموم كلفظ الوجود فليس ذاتيا لشىء من الماهيات فالوجود والعرض والوحدة ليست جنسا ولا فصلا لشىء من الماهيات العشرة البتة فاذا قد قسمنا الموجود إلى جوهر وعرض والجوهر إلى أربعة أقسام والعرض إلى تسعة أقسام وقسمنا بعض أحاد التسعة ودللنا على أنها أعراض فلنرجع إلى تقسيمات أخر للموجود.
(قسمة ثانية): الموجود ينقسم إلى كلى وجزئى أما حقيقتهما فقد ذكرناها فى أول المنطق* ونذكر الآن أحكامهما ولواحقهما وهى أربعة.
(الأول): أن المعنى المسمى كليا وجوده فى الأذهان لا فى الأعيان ولما سمع قوم قولنا أن كل إنسان فهو واحد في الانسانية وأن كل سواد فهو واحد فى السوادية ظنوا أن السواد الكلى معنى واحد موجود والانسان الكلى معنى واحد موجود* والنفس الكلى معنى واحد بالعدد موجود فى أشخاص متعددة كالأب الواحد لعدة من البنين والشمس الواحدة لعدد من البقاع وهو خطأ محض إذ لو كانت نفس واحدة بالعدد هى بعينها لزيد وهى بعينها لعمرو وكان زيد عالما وعمرو جاهلا لزم أن تكون النفس الواحدة عالمة وجاهلة بأمر واحد فى حالة واحدة وهو محال ولو كان الحيوان الكلى موجودا واحدا فى أشخاص لكان ذلك الواحد بعينه ماشيا وطائرا وماشيا برجلين وبأربع وهو محال ولكن الكلى وجوده فى الأذهان ومعناه أن الذهن يقبل لا محالة صورة الانسان وحقيقته بمشاهدة شخص واحد يسبق اليه فلو رأى بعد ذلك إنسانا غيره لم يتجدد فيه أثر بل يبقى على ما كان وكذا إذا رأى ثالثا ورابعا ويكون النقش الحاصل فى الذهن أولا من زيد نسبته إلى كل إنسان فى عالم الله تعالى واحدة فان أشخاص الانسان لا تختلف فى حد الانسانية البتة فلو رأى بعد ذلك سبعا حصل فيه ماهية أخرى ونقش يخالف الأول فالحاصل من شخص زيد هو صورة شخصية فى الذهن ومعنى كونه كليا أن نسبته إلى كل شخص كائن من الناس وما سيكون وما كان واحدة وإن أى واحد سبق إلى الذهن حصل منه هذا النقش وأن الآخر بعده لا يزيد عليه ومثاله إذا فرضت خواتم على النقش الواحد فوضع واحد على شمعة فحصلت منه صورة فلو وضعت الثانية والثالثة على ذلك الموضع بعينه لم يتغير النقش الأول ولم يتأثر المحل فيقال النقش الذى فى الشمعة هو نقش كلى أى هو نقش كل الخواتم بمعنى أنه يطابق الكل مطابقة واحدة فلا يتميز بعضها بالنسبة اليه عن بعض فهذا معقول وإما أن يفرض نقش واحد بعينه هو فى خاتم الذهب وفى خاتم الحديد وفى خاتم الفضة فهذا محال إلا أن يقال هو واحد بالنوع وأما بالعدد فنقش كل خاتم غير نقش الآخر* نعم تأثيراتها فى الشمعة تأثير واحد والنقش الحاصل من جميعها فى الشمع واحد فهكذا ينبغى أن يفهم انطباع حدود الأشياء فى الذهن ومعنى كليتها فاذا الكلى من حيث أنه كلى موجود فى الأذهان لا فى الأعيان فليس فى الوجود الخارج إنسان كلى وأما حقيقة الانسانية فموجودة فى الأعيان والأذهان جميعا.
(الحكم الثانى): أن الكلى لا يحوز أن يكون له جزئيات كثيرة مالم يتميز كل جزئى عن الآخر بفصل أو عرض فان لم يفرض إلا مجرد الكلى من غير أمر زائد ينضاف إليه لم يتصور فيه التعدد والتخصص فالسوادان فى محل واحد فى حالة واحدة محال بل السواد المطلق يصير اثنين بأن يكون بين الاثنين تغاير لا محالة اما فى المحل كسوادين فى محلين أو فى الزمان كسوادين فى محل واحد فى زمانين وأما إذا اتحد المحل والزمان لم يتصور التعدد وكذا لا يتصور إنسانان إلا أن يفارق أحدهما الآخر بمعنى يزيد على مجرد الانسانية الكلية من مكان أوصفة أو غيرهما لأنه لو لم يكن بينهما مغايرة بوجه وكانا اثنين لجاز أن يقال لكل إنسان أنه إنسانان بل خمسة بل عشرة ولم يتميز عدد عن عدد وكذا فى كل سواد وهو ظاهر الاحالة ولكن برهانه أنه إذا فرض فى محل واحد سوادان حتى قبل ذلك السواد وهذا السواد تميز كل واحد منهما عن الآخر فقولنا لذلك السواد بعينه إنه سواد وإنه هو ذلك السواد بعينه هل هما واحد أم لا فان كانا واحدا كان معنى قولنا هو ذلك السواد بعينه هو سواد بعينه فاذا كل ما قلنا له أنه سواد فقد قلنا أنه ذلك السواد بعينه فاذا السواد الذى فرض للآخر هو أيضا ذلك السواد بعينه فليس ثم تعدد وان كان تحت قولنا هو ذلك السواد بعينه معنى يزيد على ما تحت قولنا سواد فقد انضاف إلى السوادية أمر زائد لا محالة فصار غير الآخر بالمغايرة فى ذلك المعنى الذى انضاف اليه وظهر أنه يستحيل أن تتعدد جزئيات كل واحد إلا بأن ينضاف إلى الكلى أم زائد إما فصل وإما عرض فان كانت العلة الأولى واحدة مجردة لا تركيب فيها بفصل وعرض فلا يتصور فيها اثنينية البتة.
(الحكم الثالث): إن الفصل لا يدخل فى حقيقة الجنس وماهية المعنى الكلى العام البتة وإنما يدخل فى وجوده والوجود غير الماهية بيانه إن الانسانية لا مدخل لها فى حقيقة الحيوانية بل حقيقة الحيوانية بكمالها تثبت فى العقل دون الانسانية والفرسية وسائر الفصول لا كالجسمية فانها لو غابت عن الذهن بطلت ماهية الحيوانية عن الذهن ولوكانت الانسانية شرطا لتكون الحيوانية حيوانية كما كانت الجسمية شرطا لها لما كانت الحيوانية ثابتة للفرس فانه لبس بانسان كما ليست الحيوانية ثابتة لما ليس بجسم والحيوانية للفرس كاملة كما للانسان فلا مدخل إذا للفصل فى ماهيات المعانى الكلية نعم لها مدخل فى صيرورة المعنى الكلى موجودا حاصلا إذ لا يكون الحيوان موجودا إلا أن يكون فرسا أو إنسانا أو غيره ويكون الحيوان حيوانا دون الفرسية والانسانية والوجود غير والماهية غير كما سبق وإذا ثبت هذا فى الفصل فهو فى العرض أظهر لا محالة فان الانسانية إذا لم تدخل فى حقيقة الحيوانية فبأن لا يدخل الطول والعرض أولى.
(الحكم الرابع): إن كل عرضى للشىء فهو معلل وعلته إما ذات الموضوع كالحركة إلى أسفل للحجر والتبريد للماء* وإما خارج من ذاته كالسخونة للماء والحركة إلى فوق للحجر وإنما قلنا ذلك لأن هذا العرض للذات إما أن يكون معللا أو لم يكن معللا فان لم يكن معللا فهو إذا موجود بذاته وكل موجود بذاته فلا ينعدم بعدم غيره ولا يشترط وجود غيره لوجوده والعرض يحتاج فى الوجود إلى ما هو عرض له لا محالة فلا يكون موجودا بذاته فيكون معللا * ثم علته لا تخلو إما أن تكون فى ذات الموضوع أوخارجة عنه. وهذا تقسيم حاصر لا محالة فكان برهانا وكيفما كان السبب إما داخلا فى الموضوع أو خارجا منه فلا بد أن يكون وجوده حاصلا أولا حتى يكون سببا لغيره ولذلك يستحيل أن يكون الماهية سببا لوجود نفسها فكل ماهية لها وجود زائد عليها فعلته غير الماهية إذ العلة لا بد وأن تكون موجودة حتى توجب لغيرها وجودا والماهية قبل الوجود لا تكون موجودة فكيف تكون علة للوجود* فيلزم من هذا أنه إن كان فى الوجود ما ليس بمعلل فلا تكون إنيته غير ماهيته بل تكون الانية هى الماهية إذ لو كان غيرها لكان عرضيا لها ولكان معللا بأم سوى الماهية فيكون معلولا وقد وضعنا أنه غير معلل وهذا محال* فان قيل المعنى الكلى للجزئيات قد يكون نوعيا كالانسان لزيد وعمرو وقد يكون جنسيا كالحيوان للانسان والفرس فبم يدرك الفرق وبم يعلم أن هذا الكلى هو النوعى الذى الذى لا يقبل الانقسام إلا بالاعراض أو إنه هو الجنس الذى يقبل الانقسام بالفصول الذاتية فيقال كل ما عرض عليك من الكليات فأردت أن تقدره موجودا حاصلا معينا وافتقرت فى تقديره الى أن تضيف اليه معنى غير عرضى فهو جنسى وإن لم تفتقر إلا إلى العرضى فهو نوعى فكان إدراك التفرقة بين النوعى والجنسى موقوفا على إدراك التفرقة بين الذاتى والعرضى كما سبق* مثاله أنه إذا قيل لك أربعة أوخمسة لم تفتقر فى تقدير وجود الأربعة إلا أن تضيف اليها كونها جوازا أو فرسا أو إنسانا وهذه الأمور عرضية للأربعة بل للأعداد وليست ذاتية فيها فانا ذكرنا أن معنى الذاتى ما لا يتم المعنى الذى له في الفهم إلا بفهم الذاتى أولا وأنت فى فهم الأربعة لا تفتقر إلى أن يخطر ببالك الجوز والفرس وغيره من المعدودات وإذا قيل لك عدد لم يمكنك أن تفرض العدد موجودا حاصلا بل يتقاضى الطبع أن يعلم أنه أى عدد هو الموجود خمسة أو عشرة أوغيرهما فاذا صارخمسة لم يفتقر بعده إلى شىء سوى تنويع المعدودية وهو عرضى بالاضانة الى العدد لا ككونه خمسة فانه ليس زائدا على العددية عارضا طارئا عليها بل هو حاصل عددية هذا العدد وهذه المعانى هى جلية في النفس وربما يعسر طلبها من العبارات المستعملة فى شرحها حتى توجب فيها تعقيدا فليكن الالتفات إلى المعنى لا إلى اللفظ فهذا حكم الكلى* (قسمة ثالثة للموجود): الموجود ينقسم إلى واحد وكثير فلنذكر أقسام الواحد والكثير ولواحقهما* فأما الواحد فانه يطلق حقيقة ومجازا والواحد بالحقيقة هو الجزئى المعين ولكنه على ثلاث مراتب.
(المرتبة الأولى): هى الجزئي الواحد الذى لا كثرة فيه لا بالقوة ولا بالفعل وذلك كالنقطة وذات البارى جلت قدرته فانه ليس منقسما بالفعل ولا هو قابل له فهو خال عن الكثرة بالوجود والامكان والقوة والفعل فهو الواحد الحق. (الثانية): الواحد بالاتصال وهو الذى لا كثرة فيه بالفعل ولكن فيه كثرة بالقوة أى هو قابل للكثرة كما إذا قيل لنا هذا الخط واحدا أو اثنان وهذا الجسم واحد أو جسمان فان كان فيه انقطاع حكمنا بالاثنينية وإن كان واحدا بالاتصال على سبيل التشابه قلنا هو خط واحد وجسم واحد وماء واحد إذ ليس فيه كثرة وانفصال بالفعل إلا أنه قابل للكثرة فمن هذا الوجه ربما يظن أنه ليس بواحد حقيق لأن القوة القريبة من الفعل يظن أنه بالفعل وإلا فهو بالحقيقة واحد وإنما الكثرة فيه بالقوة.
(الثالثة): أن يكون واحدا بنوع من الارتباط وفيه كثرة بالفعل كالسرير الواحد والشخص الواحد المركب من أجزاء مختلفة كتركب أجزاء الانسان من العظم واللحم والعروق فهذا واحد إذ يقال سرير واحد وإنسان واحد وفيه كثرة حاصلة بالفعل باعتبار الأجزاء لا كالماء الواحد والجسم الواحد المتشابه فبين الرتبتين فرق هذا فى الجزئى الذى اسم الواحد عليه حقيقة.
Página desconocida
(أما المجاز): فهو اطلاق اسم الواحد على أشياء كثيرة لاندراجها تحت كلى واحد وذلك خمسة.
(الأول): الاتحاد بالجنس كقولك الانسان والفرس واحد بالحيوانية.
(الثانى): اتحاد النوع كقولك زيد وعمرو واحدا بالانسانية.
(الثالث): الاتحاد بالعرض كما يقال الثلج والكافور واحد بالبياضية. (الرابع): الاتحاد فى النسبة كقولك نسبة الملك الى المدنية ونسبة النفس الى البدن واحدة.
(الخامس): فى الموضوع كقولك فى السكر انه أبيض وحلو فتقول الأfيض والحلو واحد أى موضوعهما واحد فصار الواحد مطلقا على ثمانية معان ثم الاتحاد فى العرض ينقسم بانقسام الأعراض فان كان اتحادا فى عرض الكمية فيقال له المساواة وإن كان فى الكيفية فيقال له المشابهة وإن كان بالوضع فيقال له الموازاة وإن كان بالخاصية فيقال له المماثلة ومهما عرفت أن الواحد يطلق على ثمانية أوجه فالكثير أيضا فى مقابلته يتعدد بتعدده لا محالة ومن لواحق الواحد.
(ألهو هو): فان الشىء إذا كان واحدا فى نفهسه واختلف لفظه أو نسبته فيقال هو هو كما يقال الليث هو الأسد ويقال زيد هو ابن عمرو وأما لواحق الكثرة فالغيرية والخلاف والتقابل وكذا التشابه والتوازى والتساوى والتماثل فان ذلك لا يعقل إلا فى اثنين أوأكثر منه فهى من لواحق الكثرة ولا بد من بيان أقسام التقابل وهى أربعة.
(أحدها): تقابل النفى والاثبات كقولك إنسان لا إنسان.
(والثانى): تقابل الاضافة كالأب والابن والصديق والصديق إذ أحدهما يقابل الآخر.
(والثالث): تقابل العدم والملكة كما بين الحركة والسكون (والرابع): تقابل الضدين كالحرارة والبرودة والفرق بين الضد والعدم أن يقال العدم هو عبارة عن عدم الشىء عن الموضوع فقط لاعن وجود شىء آخر فالسكون عبارة عن عدم الحركة ولو قدر زوال السواد دون حصول لون آخرلكان هذا عدما فأما إذا حصل حمرة أو بياض فهذا وجود زائد على عدم السواد فالعدم هو انتفاء ذلك الشىء فقط والضد هو موجود حصل مع انتفاء الشىء ولذلك يقال إن السبب الواحد لا يصلح للضدين بل لابد للضدين من سببين* وأما الملكة والعدم فسببهما واحد وذلك الواحد إن حضر أوجب الملكة وإن غاب أو عدم أوجب العدم فعلة العدم هو عدم علة الوجود فعلة السكون هو عدم علة الحركة وأما تقابل المضاف فخاصيته أن كل واحد يعلم بالقياس الى الآخر لا كالحرارة فانها معلومة دون القياس الى البرودة ولا كالحركة فانها معلومة دون القياس الى السكون* وأما تقابل النفى والاثبات فيفارق الضد والعدم فى أنه إنما يكون فى القول ويعم كل شىء وأما اسم الضد فلا يقع إلا على ما موضوعه وموضوع ضده واحد ولا يكفى هذا حتى يكون بحيث لا يجتمعان ويتعاقبان ويكون بينهما غاية الخلاف كالسواد والبياض لا كالسواد والحمرة فان الحمرة كانها لون سالك من البياض إلى السواد فهو بينهما وليس على أقصى البعد منه وربما يكون بين الضدين وسائط كثيرة بعضها أقرب الى أحد الطرفين من البعض وربما لا يكون بينهما واسطة فاذا الضد يشارك الضد فى الموضوع وكذا الملكة والعدم وهذا غير واجب فى السلب والايجاب وربما يكون بينهما مشاركة فى الجنس كالذكورة والأنوثة فانهما لا يتواردان على شخص واحد وربما يغلط فيوضع الجنس ويؤخد نفى المعنى الذى تحته ويقرن به فصل أو خاصة فيوضع له اسم إثباتى فيظن أنه ضد كما يقال العدد ينقسم الى زوج وفرد ويظن أنهما متضادان وهو غلط إذ ليس الموضوع واحدا إذ الزوج قط لا يكون فردا والعدد الموضوع لهذا لا يكون موضوعا لذاك بل بينهما تقابل النفى والاثبات فان معنى الزوج أنه ينقسم بمتساويين ومعنى الفرد أنه لا ينقسم بمتساويين* وقولنا لا ينقسم نفى محض ولكن وضع له اسم الفرد بازاء الزوج فيظن أنه مقابل كالضد فان قيل وهل يجوز أن يكون للشىء الواحد أكثر من ضد واحد* قيل مهما كان الضد عبارة عن المتعاقبين على موضوع واحد بشرط أن يكون بينهما غاية الخلاف فيلزم على هذا الاصطلاح أن لا يكون الضد إلا واحدا لأن الذى فى أقصى رتب البعد يكون واحدا لا محالة (قسمة رابعة): الموجود ينقسم إلى ماهو متقدم وإلى ماهو متأخر* والتقدم والتأخر أيضا من الأعراض الذاتية للوجود ويقال للمتقدم أنه قبل وللمتأخر إنه بعد* ويقال إن الله تعالى قبل العالم والقبلية تطلق على خمسة أوجه إذ المتقدم ينقسم إلى خمسة أقسام. (الأول): وهو الأظهر المتقدم بالزمان وكان اسم قبل له حقيقى فى اللغة.
(والثانى): المتقدم بالمرتبة إما بالوضع كقولك بغداد قبل الكوفة إذا قصدت مكة من خراسان وهذا الصف قبل هذا الصف بمعنى أنه أقرب إلى الغاية المنسوبة اليه من القبلة أو غيرها* وإما بالطبع كقولنا الحيوانية قبل الانسانية والجسمية قبل الحيوانية إذا ابتدأنا من جهة الأعم* وخاصية هذا أنه ينقلب إذا أخذت من جانب الآخر فان أخذت الاعتبار من جانب الأخص أولا صارت الحيوانية قبل الجسمية وإن أخذت الاعتبار من مكة صارت الكوفة قبل بغداد.
Página desconocida
(والثالث): المتقدم بالشرف كقولنا أبو بكر ثم عمرو وإن أبا بكرقبل سائر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم بالشرف والفضل. (والرابع): المتقدم بالطبع وهو الذى لا يرتفع بارتفاع المتقدم عليه ويرتفع المتقدم عليه بارتفاعه فانك تقول الواحد قبل الاثنين فانه لو قدر عدم الواحد فى العالم يلزم عدم الاثنين إذ كل اثنين فهو واحد وواحد وإن قدر عدم الاثنين لم يلزم عدم الواحد وقولك الواحد قبل الاثنين لا نعنى به تقدما زمانيا بل يجوز أن يكون مع الاثنين وتعقل قبليته مع ذلك.
(والخامس): المتقدم بالذات وهو الذى وجوده مع غيره ولكن وجود ذلك الغير به وليس وجوده بذلك الغير وذلك كتقدم العلة على المعلول وكتقدم حركة اليد على حركة الخاتم فانه يستحسن أن يقال تحركت اليد فتحرك الخاتم ولا يستحسن أن يقال تحرك الخاتم فتحركت اليد والفاء للتعقيب* ومعلوم أنهما معا فى الزمان ولكن هذه القبلية بالعلية والايجاب.
(قسمة خامسة): الموجود ينقسم إلى سبب ومسبب أى معلول وعلة وكل شىء له وجود فى نفسه لا عن وجود شىء آخر معلوم وذلك المعلوم لاوجود له إلا بالشىء فانما يسمى ذلك الشىء علة ذلك المعلوم وذلك الشىء المعلوم معلول ذلك الشىء وكل ما هو حاصل من أجزاء فلا يكون وجود الجزء بسبب وجود الجملة بل وجود الجملة بسبب وجود الاجزاء واجتماعها.
(فالسكنجبين): ليس علة السكر بل السكرعلة السكنجبين إذ به يحصل السكنجبين وهذا فيما يتقدم فيه الجزء على الجملة بالزمان ظاهر فان كانا لا يفترقان فى الزمان كاليد بالاضافة إلى الانسان فهو أيضا كذلك فاذا كل ما هو جزء الجملة فهوعلة الجملة فالعلة تنقسم إلى ما يكون جزءا من ذات المعلول وإلى ما يكون خارجا* والذى هو جزء من المعلول ينقسم إلى ما لا يلزم بوجوده وجود المعلول كالخشب للكرسى وإلى ما يلزم عند تقدير وجوده ذات المعلول كصورة الكرسى فانها إذا فرضت موجودة كان الكرسى لا محالة موجودا لا كالخشب مع أن الكرسى جملة لا يتقوم وجودها إلا باجتماع الصورة والخشب * فما نسبته إلى المعلول نسبة الخشب إلى الكرسى يسمى علة عنصرية* وما نسبته نسبة الصورة يسمى علة صورية* وأما الخارج فينقسم إلى ما منه الشىء كالنجار للكرسى ويسمى علة فاعلية وكذا الأب للابن والنار للحرارة* وإلى ما لأجله الشىء وليس منه ويسمى علة تمامية وغائية وهو كالاستكنان للبيت والصلوح للجلوس للكرسى* ومن خاصية العلة الغائية أن سائر العلل بها تصير علة فانه ما لم يتمثل صورة الكرسى المستعد للجلوس والحاجة إلى الجلوس فى نفس النجار لا يصير هو فاعلا ولا يصير الخشب عنصر الكرسى ولا يحل فيه الصورة فالغائية حيث وجدت فى جملة العلل هى علة العلل * والعلة الفاعلية إما أن تفعل بالطبع كالنار تحرق والشمس تنور وإما أن يكون فعلها بالارادة كالانسان يمشى وكل فاعل له في الفعل غرض فيجب أن لا يكون وجود ذلك الغرض وعدمه له بمثابة واحدة إذ الغرض عبارة عما يجعل وجود الفعل أولى بالفاعل من عدمه فان لم يكن كذلك لم يسم غرضا فان ما كان وجوده وعدمه بمثابة واحدة فى حق الفاعل لم يكن اختيار وجوده على عدمه لفائدة وغرض وكل ماهو كذلك فلا يكون غرضا* ويبقى السؤال فى أنه لم اختار الوجود على العدم ولا ينقطع إلا بذكر الغرض ولا غرض إلا ما يجعل وجود الفعل في حق الفاعل أولى من العدم فان لم يكن أولى ساوى الوجود والعدم فيستحيل الميل إلى أحدهما وكل ماله غرض فهو ناقص لأن حصول ذلك الغرض هو خير له من لا حصوله فاذا له شىء فى نفسه من الخيرات مفقود ويحصل له بالفعل فيكمل بحصوله فلا يكون كاملا بنفسه دون ذلك* وقول القائل إنه يفعل لا لفائدة يرجع اليه بل إلى غيره غلط إذ يقال حصول الفائدة لغيره هل هو فى حقه أولى من لا حصوله فان كانت إفادته أولى وأليق به فقد استفاد فى نفسه بافادة غيره ما هو أولى به وأليق فكان منفكا عنه قبله فكان ناقصا وإن لم يكن له في الافادة فائدة رجع السؤال بأنه لم أفاد رجوعا لا محيص عنه فاذا كل فاعل له غرض والغرض مكمل له ومزيل نقصا كان فيه بالكمال الحاصل بحصوله فان كان فى الامكان ذات يلزم منه المعلول لذاته من حيث إن ذاته ذات يفيض منه وجود غيره لا محالة من غير غرض فهذه العلة الفاعلية أعلى وأجل من الفاعلية بغرض واختبار وكل مالم يكن فاعلا فصار فاعلا فلا بد وأن يكون لطريان أمر وتجدده من شرط أو طبع أو إرادة أو غرض أو قدرة أوحال أية حال شئت وإلا فان كان أحوال الفاعل كما كان ولم يتجدد أمر لا فى ذاته ولا خارجا من ذاته الى الآن لم يكن وجود الفعل منه أولى به من العدم بل كان العدم هو المستمر والأحوال كما كانت فيلزم أن يستمر العدم فان كان العدم قبل هذا مستمرا لأنه لم يكن مرجح للوجود عليه والآن فقد وجد فينبغى أن يكون سببه هو حصول المرجح وإن كان لم يتجدد مرجح وانتفى المرجح كما كان استمرالعدم بالضرورة كما كان* وسيأتى زيادة شرح لهذا * ومما لا بد من ذكره أن العلة تنقسم إلى علة بالذات وإلى علة بالعرض وتسمية العلة بالعرض علة مجاز محض وهو الذى لم يحصل المعلول به بل بغيره ولكن ذلك الغيرلم يتهيأ له إيجاب المعلول إلاعنده كما أن رافع العماد من تحت السقف يسمى هادما للسقف وهو مجاز لأن علة سقوط السقف كونه ثقيلا إلا أنه كان ممنوعا عن فعله بالعماد فرافع العماد مكنه من الفعل ففعل فعله وكما يقال.
(ألسقمونيا): يبرد بمعنى أنه يزيل الصفراء المانعة للطبيعة من التبريد فيكون المبرد هو الطبع ولكن بعد زوال المانع ويكون السقمونيا علة إزالة الصفراء لاعلة للبرودة الحاصلة بعدز والها بالطبيعة (قسمة سادسة): الموجود ينقسم إلى متناه وغير متناه وغير المنتاه يقال على أربعة أوجه.
(اثنان): منها محالان لا يوجدان.
(واثنان): منها دل القياس على وجودهما.
(أحدها): أن يقال حركة الفلك لا نهاية لها أى لا أول لها وهذا قد دل عليه القياس.
(وثانيها): أن يقال النفوس الانسانية المفارقة للابدان أيضا لا نهاية لها وهذا أيضا لازم بالضرورة على نفى النهاية عن الزمان وحركة الفلك أعنى نفى الأولية.
(وثالثها): أن يقال الأجسام لا نهاية لها أو الأبعاد لا نهاية لها من فوق ومن تحت وهذا محال.
Página desconocida
(ورابعها): أن يقال العلل لا نهاية لها حتى يكون للشىء علة ولعلته علة ثم لا ينتهى الى علة أولى لا علة لها وهذا أيضا محال * والضبط فيه أن كل عدد فرضت آحاده موجودة معا وله ترتب بالطبع وتقدم وتاخر فوجود مالا نهاية له منه محال لأن الترتيب بين العلة والمعلول ضرورى طبيعى إن رفع بطل كونه علة وكذلك الأجسام والأبعاد فانها أيضا مترتبة أى بعضها قبل البعض بالضرورة إذا ابتدأ من جانب إلا أنه يترتب بالوضع لا بالطبع كما سبق الفرق بينهما فى فى أقسام التقدم والتأخر* وأما ماوجد فيه أحد المعنين دون الآخر فنفى النهاية عنه لا يستحيل كحركة الفلك فان لها ترتبا وتعاقبا ولكن لا وجود لجميع أجزائها فى حالة واحدة* فان قيل حركة الفلك لا نهاية لها لم يعن بها نفى النهاية عن حركات هى موجودة بل فانية معدومة وكذلك النفوس البشرية المفارقة للأبدان بالموت بجوز نفى النهاية عن أعدادها وإن كانت موجودة معا إذ ليس فيها ترتب بالطبع بحيث لو قدر ارتفاعه بطل كونها نفوسا إذ ليس بعضها علة للبعض ولكنها موجودة معا من غير تقدم وتأخر فى الوضع والطبع وإنما يتخيل التقدم والتأخر في زمان حدوثها أما ذواتها من حيث إنها ذوات ونفوس لاترتب فيها البتة بل هى متساوية في الوجود بخلاف الأبعاد والأجسام والعلة والمعلول فأما إمكان نفوس لانهاية لها وحركة لا أول لها فسيأتى ما ذكر فى أدلتها.
(وأما استحالة نفى النهاية): عن الاجسام والأبعاد وما له ترتب بالوضع أو الطبع فنذكره الآن.
(أما استحالة نفى النهاية): عن الأبعاد فتعرف بدليلين.
(أحدهما): إنا لو فرضنا خط.
(زد) بلا نهاية فى جهة.
(ز) وحركنا خط (ا ب) فى دائرته إلى جهة (ز) من خط (د ز) حتى صار فى موازاته كان هذا تحريكا ممكنا بالضرورة فلو حركناه عن الموازاة إلى جهة القرب منه فلا بد وإن تسامت نقطة منه هى أول نقط المسامتة ثم بعد ذلك تسامت بقية النقط إلى أن يرجع عن المسامتة بالانتهاء إلى الموازاة من الجانب الآخر وذلك محال لأنه إن قدر ميل اليه عن الموازاة من غير مسامتة فهو محال والمسامتة محال لأن المسامتة تقع أولا على أول نقطة وليس على الخط الذى لا يتناهى نقطة هى أول وكل نقطة فرضت للمسامتة أولا فلابد وأن تكون قد سامتت ما قبلها قبل المسامتة لها بالضرورة فلا تسامتها ما لم تسامت مالا نهاية له ثم لا يكون فيها أول نقطة هى نقط المسامتة وهو محال وهذا برهان قاطع هندسى فى استحالة إثبات أبعاد لا نهاية لها سواء فرضت الملاء أو الخلاء.
(الدليل الثانى): هو أنه إن أمكن خط بلانهاية فليكن ذلك خط (ا ب) ا ز د ب ولا نهاية له فى جهة (ب) ولنشر الى نقطة.
(د) فان كان من.
(د) إلى.
(ب) متناهيا فاذا زيد عليه (زد) كان (زب) متناهيا وإن كان من (د) الى (ب ) غير متناه فان أطبقنا بالوهم (دب) على (ز ب) فاما أن يمتدا معا فى جهة (ب) بلا تفاوت وهو محال إذ يكون الأقل مساويا للأكثر فان (دب) أقل من (زب) وإن قصر (دب) عن (زب) وانقطع دونه وبقى (زب) مستمرا فقد تناهى (دب) فى منقطعه من جهة (ب) و (زب) ليس يزيد عليه إلا بمقدار (زد) المتناهى وما زاد على المتناهى بمتناه فهو متناه فاذا (زب) متناه بالضرورة* وأما استحالة علل لا نهاية لها إنها إذا فرضت مترتبة بحيث يكون بعضها علة للبعض فلا بد وإن ينتهى إلى علة ليست بمعلوله وهى طرف فتتناهى فان كانت لا تنتهى الى طرف بل تتهادى فلا شك فى أن جملة تلك العلل التى لا نهاية لها حاصلة فى الوجود من حيث هى جملة موجودة معا فلا تخلو تلك الجملة من حيث هى جملة إما أن تكون ممكنة معلولة أو واجبة وباطل أن تكون واجبة لأن الجملة حصلت بآحاد معلولة والحاصل بالمعلول لا يكون واجبا فلا بد وأن يكون معلولا فيفتقر إلى علة خارجة عن تلك الجملة فان كل ما هو من تلك الآحاد فقد أخذناه فى الجملة وثبت الحكم على الجملة المستوعبة للآحاد بأنها معلولة فافتقرت إلى علة خارجة ليست بمعلولة فيكون طرفا لا محالة ويصير متناهيا فهذا هو القول فى المتناهى وغير المتناهى.
Página desconocida