(والثالث): الضوء فانه إذا صار جسم مضيئا حمى كما أن المرآة الحراقة تحرق بضوئها وقد خالف قوم فى هذا فقالوا إن الماء لا يحمى والأرض كذلك وإن الهواء لا يبرد فتكلفوا لهذه الأقسام وجها فقالوا إذا جاور الماء النار انفصل من أجزاء النار ما يمتزج بأجزاء الماء ن فيكون الحار أجزاء النار ورودة الماء تصير مستورة لكون أجزاء النار غالبة والا فهو فى نفسه بارد كما كان ومهما انقطع مدد النار انفصلت منه أجزاء النار وعادت البرودة ظاهرة بعد أن كمنت لا أنها عدمت فاما الشىء فانما يحمى بالحركة لأن باطنه لا يخلو عن أجزاء من النار فالحركة تخرج الأجزاء إلى الظاهر وأما الضوء فانه لا يجعل غيره حارا فانه ليس بعرض بل هو جسم حار فى نفسه وهو لطيف ينتقل من موضع إلى موضع وإنما تكلفوا هذا لأنهم ظنوا أن هذه الأعراض صور فلم يجدوا وجها لزوال برودة الماء مع بقاء ~~صورته فتكلفوا هذا القول لذلك* وقد أبطلنا هذا الأصل ونتكلم على فساد استنباطهم فى هذه الثلاث.
(أما القسم الأول): وهو أن الحركة تخرج أجزاء النار من الباطن فيدل على بطلانه أنه إن كان صحيحا يجب أن يحمى ظاهره ويبرد باطنه بانتقال الحارمن باطنه وليس كذلك فان السهم إذا كان نصله من رصاص فرمى ذاب كله ولو خرجت الحرارة إلى ظاهره لازداد باطنه انعقادا وبقى كما كان كيف ولو كسر ولمس حال حرارته بالحركة وجد باطنه أحر مما كان قبل ذلك وكذا ظاهره وكذا الماء إذا حرك فى الزق زمانا طويلا وجد حارا بجميع أجزائه حرارة متشابهة فى الظاهر والباطن فدل أن الحرارة حدثت فى جميع الأجزاء ولم تنتقل* فان قيل الحركة جعلت أجزاء النار التى كانت فيها حارة بعد أن لم تكن* قيل فهذا اعتراف بالاستحالة وهو أنها كانت موجودة غير حارة أو ضعيف الحرارة ثم تجددت فان قيل النصل يذوب عن حرارة النار التى فى الهواء لا من حرارة فى باطن النصل وكذلك يذوب أجزائه* قيل هذا باطل لأن الهواء لا يزيد الحرارة على النار الصرف واللابث فى النار أشد احتراقا من المتحرك فيها بسرعة لأن المؤئر يحتاج إلى زمان حتى يؤثر فكأن المتأثر في الهواء أولى باحتراقه من حركة خفيفة فيه فان قيل إذا تحرك فهو بسرعة حركته يجتذب نيران الهواء إلى نفسه فيدخل فى باطنه فيجتمع فيه نيران كثيرة قيل خروج أجزاء النار منها إلى الهواء أسهل من الدخول فيه فكان ينبغى ان يصير أبرد وأشد انعقادا لخروج النار منها فان النار تدخل فى مسامه لا محالة وتلك المسام يحتمل خروج النار منها كما يحتمل الدخول فيها بل انفلات النار فى موضع غريب أيسر من تولجها فى موضع غريب فان كانت الحركة تمنع من الخروج فلتمنع من الدخول.
(وأما القسم الثانى): وهو دخول أجزاء النار في الماء والخشب عند المجاورة فذلك لا يمكن إنكاره إذ يجوز أن يكون الاختلاط أحد الأسباب ولكن إذا ثبت بما سبق جواز الاستحالة لم يبعد أيضا أن يستحيل فى نفسه من غير دخول أجزاء النار فيه.
(وأما القسم الثالث): وهو دعوى كون الشعاع جسما حارا فهو باطل بأمور.
(الأول): أنه كان ينبغى أن لو كان حارا كلهيب النار أن يستر كلما وقع عليه كما يستر النار ومعلوم أنه يظهر الأشياء ولا يسترها بخلاف النار.
(والثانى): أنه كان ينبغى أن يتحرك إلى جهة واحدة والضوء يتفشى فى سائر الجهات.
(والثالث): أنه كان ينبغى أن يكون وصوله من موضع بعيد أبطأ من وصوله من موضع قريب ولو أسرج سراج وقت انجلاء كسوف الشمس وصل ضوئهما إلى الأرض فى وقت واحد من غير تفاوت.
(الرابع): أنه إذا أشرق البيت من روزنه ثم سد فجأة ودفعة واحدة كان ينبغى أن يبقى البيت مضيئا بتلك الأجسام التى كانت فيه إذ منعت من الانفلات بسد الرزونة فان زعموا أنه زال ضوءها لما سد الروزن فهو إذن جسم يقبل الضوء تارة والظلمة أخرى فصار الضوء عرضا لجسم فلا حاجة اليه بل ينبغى أن يعترف بالحق وهو أن الأرض يقبل الضوء مرة والظلمة أخرى بمقابلة الشمس ومفارقتها. (الخامس): أن تلك الأجسام إن كانت متفرقة فكيف يتواصل الضوء فى جميع الهواء والأرض وإن كانت متواصلة غير متفرقه فكيف تداخل أجسام الهواء وإذا لم تداخل كانت متفرقة فكيف يتواصل الضوء على وجه الأرض.
(السادس): أنه لو كان ينتقل من الشمس أو السراج أجسام مضيئة لكانت أجزاء الشمس تتحلل وينقص ضوءها فى ثانى الحال لفارقة الأجزاء المضيئة إياها فان قدر أن تلك الأجسام لا تخرج منها بل هى ثابتة فيها ملازمة لها يتحرك معها عند حركتها وإنما تقع على الأرض فى مقابلتها فقد تقدم الجواب عنه من موضعين حيث قلنا أنها كانت تستر ما وراءها وأنها تكون مداخلة لأجسام الهواء فينبغى أن لا يكون منها شىء فى الهواء لأن جسما واحدا لا يجوز أن يبعد عن الأرض ويقرب منها فينبغى أن لا يخلو الهواء عنه فلو أخرج جسم فى الهواء لكان يجب أن لا يقع الضوء عليه إذ يستحيل أن يقال أن الضوء الذى على الأرض علم اعتراض جسم فانتقل اليه.
(السابع): أنه لو كان جسما لكان انعكاسه عن الأشياء الصلبة كالحجر لا عن اللينة كالماء فظهر بهذه العلامات ان الشعاع عرض ومعناه أن الشمس سبب لحدوث عرض فيما يقابلها إذا كان بينهما جسم شفاف ويكون الجسم المستضىء أيضا سببا لحدوث الضوء فيما يقابله مرة أخرى بالعكس أو بالانعطاف ومهما قبل الشىء الضوء وكان قابلا للحرارة حدثت الحرارة فيه وهى عرض آخر.
Página desconocida