وأما التصديق المعلوم أولا: فكالحكم بأن الاثنين أكثر من واحد وأن الأشياء المساوية لشىء واحد متساوية ويضاف إليه الحسيات والمقبولات وجملة من العلوم التى تشتمل النفوس عليها من غير سبق طلب وتأمل فيها وينحصر في ثلاثة عشر نوعا وسيأتى فى موضعه* وأما الذى يدرك بالتأمل: فكالتصديق بحدوث العالم وحشر الأجساد والمجازات على الطاعات والمعاصى وأمثالها وكل ما لا بد فى تصوره من طلب فلا ينال إلا بذكر الحد وكل ما لابد فى تصديقه من طلب فلا ينال إلا بالحجة وكل واحد منهما من ضرورته أن يتقدم عليه علم لا محالة فانا إذا أنكرنا معنى الانسان وقلنا ماهو فقيل لنا هو حيوان ناطق فينبغى أن يكون الحيوان معلوما عندنا وكذلك الناطق حتى يحصل لنا بهما العلم بالانسان المجهول، ومهما لم نصدق بأن العالم حادث فقيل لنا العالم مصور وكل مصور حادث فاذا العالم حادث فهذا لا يفيدنا العلم بما جهلناه من حدوث العالم إلا إذا سبق لنا التصديق بأن العالم مصور وبان المصور حادث فعند ذلك نقتنص بهذين العلمين العلم بما هو مجهول عندنا فيثبت بهذا أن كل علم مطلوب فانما يحصل بعلم قد سبق ثم لا يتسلسل الى غير النهاية فلا بد وأن ينتهى الى اوائل هى حاصلة فى غريزة العقل بغير طلب وفكرة هذا تمهيد القول فى المنطق * (أما فائدة المنطق): فلما ثبت أن المجهول لا يحصل الا بمعلوم وليس بخفى أن كل معلوم لا يمكن التوصل به إلى كل مجهول بل لكل مجهول معلوم مخصوص يناسبه وطريق فى إيراده وإحضاره فى الذهن يفضى ذلك الطريق إلى كشف المجهول فما يؤدى منه إلى كشف التصورات يسمى حدا أو رسما، وما يفضى إلى العلوم التصديقية يسمى حجة فنه قياس ومنه استقراء وتمثيل وغيره.
وينقسم كل واحد من الحد والقياس إلى ما هو صواب ليفيد اليقين وإلى ماهو غلطولكنه شبيه بالصواب. فعلم المنطق هو القانون الذى به يميز صحيح الحد والقياس عن فاسدهما فيتميز العلم اليقينى عما. ليس يقينيا وكانه الميزان والمعيار للعلوم كلها وكل ما لم يوزن بالميزان لم يتميز فيه الرجحان عن النقصان، ولا الربح عن الخسران. فان قيل إن كانت فائدة المنطق تميز العلم عن الجهل فما فائدةالعلم ؟ قيل له الفوائد كلها مستحقرة بالاضافة إلى السعادة الأبدية وهى سعادة الآخرة وهى منوطة بتكميل النفس، وتكميلها بأمرين. الذكية والتحلية * (أما التذكية): فهى تطهيرها عن رذائل الأخلاق وتقديسها عن الصفات المذمومة * (وأما التحلية): فبأن ينتقش فيها حلية الحق حتى ينكشف لها الحقائق الالهية بل الوجود له على ترتيبه انكشافا حقيقيا موافقا للحقيقة لاجهل فيها ولا لبس. ومثالها المرآة التى كمالها فى أن يظهر فيها الصور الجميلة على ما هى عليها من غير اعوجاج وتغيير وذلك بتطهيرها عن الخبت والصدأ بأن يحاذى بها شطر الصور الجميلة.
فالنفس مرآة تنطبع فيهاصور الوجود كلها مهما ذكيت وصقلت بتخليتها عن رذائل الأخلاق ولا يمكن التميز بين الأخلاق المذمومة والمحمودة إلا بالعلم ولا معنى لتحصيل نقش الموجودات كلهافى النفس إلا بالعلم ولا طريق إلى تحصيله إلا بالمنطق فاذا فائدة المنطق اقتناص العلم. وفائدة العلم حيازة السعادة الأبدية فاذا صح رجوع السعادة إلى كمال النفس بالتذكية والتحلية صار المنطق لا محالة عظيم الفائدة أما أقسام المنطق وترتيبه فيتبين بذكر مقصوده ومقصوده الحد والقياس وتميز الصحيح منهما عن الفاسد وأهمهما القياس وهو مركب إذ لا ينتظم قياس إلا من مقدمتين كما سيأتى وكل مقدمة فيهاموضوع ومحمول وكل موضوع ففيه لفظ ويدل لا محالة على معنى ومن أراد تحصيل المركب إما فى الوجود أو فى العلم فلا سبيل له إلا بتقديم المفردات والأجزاء المفردة أولا كما أن بانى البيت يفتقر إلى اعداد الخشب واللبن والطين وإحضار المفردات والأجزاء أولا ثم الاشتغال بالبناء ثانيا فكذلك العلم يحذو حذو المعلوم فانه مثال مطابق للمعلوم فطالب العلم بالمركب ينبغى أن يحصل العلم أولا بالمفردات فلزم من ذلك أن نتكلم فى الألفاظ ووجه دلالتها على المعانى ثم فى المعانى وأقسامها ثم فى القضية المركبة من محمول وموضوع وأقسامها ثم فى القياس المركب من قضيتين . ونتكلم في القياس فى حين أحدهما فى مادته والآخر في صورته كما سيأتى فعلى هذا يشتمل ما نريد إيراده من المنطق على فنون * (الفن الاول فى دلالة الالفاظ) ويتضح المقصود منها بتقسمات خمسة: (الأول ايساغوجى): اعلم بأن دلالة اللفظ لى المعنى من ثلاثه أوجه: (أحدها) بطريق المطابقة كدلالة لفظ البيت على معناه.
(والآخر): بطريق التضمن كدلالة لفظ البيت على الحائط.
المخصوص فان لفظ الحائط موضوع للمسمى به بالمطابقة فيدل عليه بذلك ولفظ البيت أيضا يدل عليه ولكن يفارقه في وجه الدلالة.
(والثالث): بطريق الالتزام كدلالة السقف على الحائط فانه يباين طريق المطابقة والتضمن فلم يكن بد من اختراع اسم ثالث والمستعمل فى العلوم والمعول عليه فى التفهيمات طريق المطابقة والتضمن أما الالتزام فلا فان اللوازم أيضا لها لوازم ويتداعى إلى أمور غير محدودة ولا يحصل التفاهم بها * (قسمة ثانية): اللفظ ينقسم إلى مفرد ومركب.
(أمالمفرد): فهو الذى لا يراد بأجزائه أجزاء من المعنى كالانسان فانه لا يرادبان ولا بسان معنى من أجزاء معنى الانسان بخلاف قولك غلام زيد. وزيد يمشى إذيراد بالغلام الذى هو جزء من الكلام معنى وبزيد معنى وإذا قلت عبد الله وكان اسم لقب كان مفردا لأنك لاتقصد به إلا ما تقصد بقولك زيد. وان أردت النعت فهو مركب وإذ كان كل مسمى بعبد الله عبد الله لا محالة صار هذا الاسم فى حقه كالمشترك تارة بطلق لقصد التعريف فيكون اسما مفردا وتارة يراد به الوصف فيكون مركبا * (قسمة ثالثة): اللفظ ينقسم إلى جزئى وكلى، فالجزئى ما يمنع نفس مفهومه من الشركة فيه كقولك زيد وهذا الفرس وهذه الشجرة والكلي مالا يمنع نفس مفهومه من وقوع الشركة فيه كالفرس والشجروالانسان وان لم يكن فى العالم إلا فرس واحد فقولك الفرس كلى لأن الاشتراك فيه نمكن بالقوة وان لم يوجد بالفعل وإنما يصير جزئيا بأن تقول هذا الفرس. ولهذا لوقلت الشمس فهو كلى لأنه لو قدرت شموس لدخلت تحت الاسم بخلاف قولك هذه الشمس (قسمة رابعة): اللفظ ينقسم إلى فعل واسموحرف، والمنطقيون يسمون الفعل كلمة وكل واحد من الاسم والفعل يفارق الحرف فى ان معناه تام بنفسه فى الفهم بخلاف الحرف فانه إذا قيل لك من الداخل فقلت زيد فهم وتم الجواب. واذا قيل ماذا فعلت فقلت ضربت تم الجواب ولوقيل أين زيد فقلت فى أوقلت على لم يتم الجواب مالم تقل فى الدار أوعلى السطح فيظهر معنى الحرف فى غيره لا في نفسه ،ثم يفارق الكلمة الاسم فى انه يدل على معنى وعلى زمان وقوع ذلك المعنى كقولك ضرب فانه يدل على الضرب الواقع فى الماضى والاسم كقولك الفرس فانه لا يدل على الزمان . فان قيل فقولك أمس وعام أول يدل على الزمان فليكن فعلا. قيل الفعل ما دل على معنى وعلى زمان ذلك المعنى، وقولك أمس يدل على زمان هو نفس المعنى لاهو زمان المعنى فلو كان يدل أمس على معنى الأمس وعلى زمان هو غير معنى الأمس لقيل انه فعل ولكان لازما ومنطبقا على حد الفعل.
(قسمة خامسة ): الألفاظ من المعاني على خمسة منارل؛ (المتواطئة والمترادفة والمتباينة والمشتركة والمتفقة) أما المتواطئة فكقولك حيوان فانه ينطبق على الفرس والثور والانسان بمعنى واحد من غير تفاوت في القوة والضعف ولا تقدم ولا تأخر بل الحيوانية للكل واحد وكذلك الانسان على زيد وعمرو وخالد وأما المترادفة فهى الاسامى المختلفة المتواردة على مسمى واحد كالليث والأسد والخمر والعقار، والمتباينة هى الاسامى المختلفة للمسميات المختلفة كالفرس والثور والسماء لمسمياته . والمشتركة هى اللفظ الواحد المطلق على مسميات مختلفة كلفظ العين للذهب والشمس والميزان وعين الماء، والمتفقة هى المترددة بين المشتركة والمتواطئة كالوجود للجوهر والعرض فانه ليس كلفظ العين إذ مسمياتها لا تشترك فى أمر والوجود حاصل للعرض كما أنه حاصل للجوهر وليس كالمتواطئة لأن الحيوانية للفرس والانسان ثابت على وجه واحد من غير اختلاف والوجود يثبت للجوهر أولا. ثم يثبت للعرض بواسطته فهو ثابت بتقدم وتأخر. وقد يسمى هذا مشككا لتردده، ولنقتصر من فن الألفاظ على هذا الفن * (الفن الثانى فى المعانى الكلية واختلاف نسبها واقسامها) إذا قلنا هذا الانسان حيوان وأبيض أدركنا تفرقة بين نسبة الحيوانية اليه وبين نسبة الأبيضية اليه فما نسبته إلى الموضوعات نسبة الحيوانية يسمى ذاتيا. وما نسبته يشبه نسبة الأبيضية يسمى عرضيا فيقال كل معنى كلى نسب إلى جزئى تحته فاما أن يكون ذاتيا واما أن يكون عرضيا ولا يكون المعنى ذاتيا مالم يجتمع فيه ثلاثة أمور: (الأول): أنك مهما فهمت الذاتى وفهمت ما هو ذاتى له لم يمكنك أن يخطر بالك الموضوع أوتفهمه إلا أن تفهم أولا حصول الذاتى له ولا يمكنك فهمه دون ذلك الذاتى فانك اذا فهمت الانسان والحيوان لم يمكنك فهم الانسان دون فهم الحيوان أولا. واذا فهمت العدد وفهمت الأربعة لم يمكنك أن تقدر الأربعة داخلة فى فهمك دون أن تفهم العدد اولا ولو أبدلت الحيوان والعدد بالموجود والأبيض امكنك أن تفهم الأربعة من غير ان يدخل فى فهمك انها موجودة ام لا وانها ابيض اولا بل ربما يشك فى ان فى العالم أربعة أم لا وذلك لا يقدح في فهم ذات الأربعة وكذلك تفهم ماهية الانسان بعقلك من غير أن تحتاج الى فهم كونه أبيض أو فهم كونه موجودا ولا يمكن دون كونه حيوانا، وان لم يساعدك الذهن فى فهم هذا المثال لأنك انسان موجود ولكثرة وجود الانسان فابدله بالتمساح أو بما شئت من الحيوانات وغيرها فبذلك يظهر أن الوجود عرضى للماهيات كلها، وأما الحيوان للانسان فذاتى وكذلك اللون للسواد والعدد للخمسة.
(والثانى): أنك تفهم أن الكلى لا بد أن يكون أولا حتى يكون الجزئى الموضوع تحته حاصلا إما في الوجود أو فى الذهن اذ تفهم أنه لا بد من حيوان أولا حتى يكون انسانا أو فرسا ولا بد من عدد أولا حتى يكون أربعة أو خمسة ولا يمكنك أن تقول لا بد من ضحاك أولا حتى يكون انسانا بل لا بد من انسان أولا حتى يكون ضحاكا. وكون الانسان ضحاكا بالطبع وصف له عرضى تابع لوجوده وهو مساو لكونه حيوانا فى أنه لازم لا يفارق ولكن الفرق بينهما مدرك اذ لا بد من اتصال الروح بجسد الانسان أولا ليكون انسانا ولا يمكن ان يقال لا بد من ضحاك أولا ليكون انسانا بل لا بد من انسان أولا ليكون ضحاكا. ولا نعنى بهذه الأولية ترتيبا زمانيا بل ترتيبا عقليا وان كان مساويا فى الزمان * (والثالث): ان الذاتى لا يمكن أن يعلل فلا يمكن أن يقال أى شىء جعل الانسان حيوانا والسواد لونا والأربعة عددا بل الانسان حيوان بعينه وذاته لا بجعل جاعل اذ لو ان بحعل جاعل لتصور أن يجعله انسانا ولا يجعله حيوانا ولا يمكن ذلك فى الوهم كما يمكن فى الوهم أن يجعل انسانا ولا يجعل ضحاكا * وأما العرضى فمعلل اذ يقال ما الذى جعل الانسان موجودا فيصح السؤال ولا يصح أن يقال ما الذى جعله حيوانا بل كان قولك ما الذى جعل الانسان حيوانا كقولك مالذى جعل الانسان انسانا فيقال هو انسان لذاته وكذلك هو حيوان لذاته لأن معنى الانسان حيوان ناطق فلافرق بين قوله ما الذى جعل الحيوان الناطق حيوانا ناطقا وبين قوله ما الذى جعل الانسان حيوانا الا أنه اقتصر فى أحد السؤالين على ذ كر احدى الذاتيين دون الأخرى وبالجملة مهما لم يكن المحمول غير الموضوع وخارجا عن ذاته بالكلية لم يمكن ان يطلب له علة فلا يقال لم كان الممكن ممكناوالواجب واجبا ويقال لم كان الممكن موجودا * (قسمة أخرى للعرض خاصة): العرض ينقسم إلى لازم لا يفارق أصلا كالضحاك للانسان، وكالزوجية للاثنين، وككون الزوايا من المثلث مساوية لقائمتين فانه لا يفارق المثلث وهو لازم وليس بذاتي والذى يفارق ينقسم إلى ما هو بطئ، المفارقة ككونه صبيا وشابا وإلى ما هو سريع المفارقة كصفرة الوجل وحمرة الخجل. والذى يفارق ينقسم إلى ما يفارق فى الوهم دون الوجود كالسواد للزنجى والى مالا يتصور ان يفارق أيضا في الوهم كالمحاذاة للنقطة والزوجية للاربعة وقد يفارق فى الوهم دون الوجود ككون الزوايا من المثلث مساوية لقائمتين إذ قد يفهم المثلث من لا يفهم ذلك ولا يمكن فهم الأربعة إلا وان يقترن به فهم الزوجية وإن كانت من اللوازم. ولما كان مثل هذا اللازم قريبا من الذاتي وملتبسا به جمعنا تلك المعانى الثلاثة لتعتبر جميعها فتعرف باجتماعها كون الشىء ذاتيا ولا يعول على آحادها ، وينقسم العرضى إلى ما يخص موضوعه كالضحاك للانسان ويسمى خاصا وإلى ما يعم غيره كالأكل للانسان ويسمى عرضيا مطلقا وعرضا عاما * (قسمة أخرى للذاتى): الذاتي ينقسم باعتبار العموم والخصوص الى ما لا أعم فوقه ويسمى جنسا والى ما لا أخص تحته ويسمى نوعا والى ما هو متوسط ويسمى نوعا بالاضافة الى ما فوقه وجنسا بالاضافة الى ماتحته و يسمى الذى لا نوع تحته نوع الأنواع والذى لا جنس فوقه جنس الأجناس، والأجناس العالية التى لا جنس فوقها عشرة كما سيأتى ، واحد جوهر وتسعة أعراض. فالجوهر جنس الأجناس إذ ليس شىء أعم منه إلا الوجود وهو عرضى وليس بذاتى ، والجنس عبارة عن الذاتي الأعم ، ثم ينقسم إلى الجسم وغير الجسم، والجسم ينقسم إلى النامى وغير النامى . والنامى ينقسم إلى الحيوان وإلى النبات والحيوان ينقسم الى الانسان وغيره فالجوهر جنس الأجناس والانسان نوع الأنواع وما بينهما من النبات والحيوان يسمى نوعا وجنسا بالاضافة، وإنما قيل للانسان نوع الأنواع لأنه لا ينقسم إلا الى معان عرضية كالصبى والكهل والطويل والقصير والعالم والجاهل وهذه عرضيات ليست بذاتيات اذ الانسان يفارق الفرس بذاته. والسواد يفارق البياض بذاته وهذا السواد لا يفارق ذلك السواد بذاته وطباعه ولكن يكون هذا فى المداد وذلك فى الغراب واضافته الى الغراب عرضى له وزيد لا يفارق عمرا فى الانسانية ولافى أمر ذاتى بل فى كونه ابن شخص آخر ومن بلد آخر أوعلى لون آخر وقديوجد فيه حرفة وخلق آخر. وكل هذا عرضيات للانسان كما سبق ذكره بتعريف العرضى* (قسمة أخرى): الذاتى باعتبار آخر ينقسم الى ما يقال فى جواب ماهو مهما كان مطلب السائل بقوله ما هو حقيقة الذات والى ما يقال فى جواب أى شىء هو فالأول يسمى جنسا أونوعا. والآخر يسمى فصلا، فمثال الأول الحيوان المقول فى جواب قول القائل بعد اشارته الى فرس أو ثور أو انسان ماهو وكذا الانسان المقول فى جواب من أشار الى زيد وعمرو وخالد وقال ماهم، ومثال الثانى الناطق فانه اذا أشار الى انسان وقال ماهو فقلت حيوان لم ينقطع السؤال فان الحيوان يشمل غير الانسان بل يحتاج الى مايفصل ذاته عن غيره فيقول أى حيوان هو فجوابه انه الناطق فيكون الناطق فصلا ذاتيا مقولا فى جواب أى شىء هو، ومجموع الحيوان والناطق حد حقيقي اذ الحد عبارة عما يصوركنه ماهية الشىء فى نفس السائل فان أبدلت الناطق بعرضى يفصله عن سائر الحيوانات كقولك حيوان مديد القامة عريض الأظفار ضحاك بالطبع فان هذا يميزه ويفصله عن سائر الحيوانات ولكن يسمى رسما، وفائدته التمييز فقط. وأما الحد فيطلب به حقيقة ذات الشىء فلا يحصل الا بذكر الفصول الذاتية. وأما التمييز فيحصل تبعا لها وقد يحصل التمييز بفصل واحد وقد لا تتصور الحقيقة الا بذكر فصول فرب شىء له فصول تزيد على تواحد، فيجب على المطلوب منه تصوير ماهية الشىء فى النفس ان يذكر تلك الفصول فمن قال فى حد الحيوان انه جسم ذو نفس حساس فقد أتى بأمور ذاتية مميزة مطردة منعكسة ولكنه ينبغي أن يضيف اليه المتحرك بالارادة حتى يتم به ذكر الفصول الذاتية ويتم بسببه تصور الحقيقة. واذا عرض الكلام فى الحد فلننبه على مثارات الغلط وهى بعد الجمع بين الجنس الأقرب وجميع الفصول الذاتية على الترتيب رجع الى تعريف الشىء بما ليس أوضح منه بأن تعرف الشىء بنفسه أو بما هو مثله فى الغموض أو بما هو أغمض منه أو بما لا يعرف الا به. مثال الأول قولهم فى حد الزمان انه مدة الحركة لأن الزمان هو مدة الحركة ومن أشكل عليه الزمان فلم يشكل عليه الا مدة الحركة وان معنى المدة ما هو. ومثال الثانى ان تقول فى حد البياض البياض ما يضاد السواد فيعرف الشيء بضده، ومهما أشكل الشىء أشكل ضده فضده فى الخفاء مثله فليس تعريف البياض بالسواد بأولى من عكسه، ومثال الثالث قول بعضهم في حد النار انه العنصر الشبيه بالنفس، ومغلوم أن النفس أغمض من النار فكيف تعرف به.
ومثال الرابع: أن يعرف الشىء بما لا يعرف إلا به كقولك فى حد الشمس أنه الكوكب المضىء الذى يطلع نهارا فيذكر النهار فى حد الشمس ولا يعرف النهار إلا بعد معرفة الشمس إذ حده الصحيح هو أن تقول هو زمان كون الشمس فوق الأرض فهذه أمور مهمة فى الحد يجب الاحتراز منها * وقد تحصل مما سبق أن الذاتى ثلاثة أقسام: (جنس، ونوع، وفصل) والعرضى قسمان: (خاصة وعرض عام) فثبت أن أقسام الكليات خمسة يسمى المفردات الخس وهى: (الجنس والنوع والفصل والعرض العام والخاصة) (الفن الثالث فى تركيب المفردات واقسام القضايا) المعاني المفردة إذا ركبت حصلت منها أقسام ولسنا نقصد من جملتها إلا قسما واحدا وهو الخبر، ويسمى قضية وقولا جازما وهو الذى يتطرق إليه التصديق أو التكذيب, فانك إذا قلت العالم حادث أمكن أن يقال إنك صادق، وإذا قلت الانسان حجر أمكن أن تكذب، وإذا قلت إن كانت الشمس طالعة فالكوا كب خفية صدقت، فان قلت فالكواكب ظاهرة كذبت، وإن قلت العالم إما حادث وإما قديم صدقت، وإن قلت زيد إما بالعراق وإما بالحجاز كذبت إذ قد يكون بالشام وهذه هى أقسام القضايا * واما إذا قلت علمنى مسألة. أو قلت هل توافقنى فى الخروج إلى مكة لم يمكن أن تصدق أو تكذب فهذا معنى القضية ولنشرحها بذكر تقسيمات.
Página desconocida