كتابة الإنشاء، فإنها رتبة جليلة، ومرتبة نبيلة، فقال له: يا بني لقد رمت مسلكًا وعرًا، لا ترى الراحة فيها الراحة إلا نزرا، مشحونًا بالشحوب، معصوبًا، بعصائب الحوب، تفتري على سالكه الأوغاد، وتقتري أثر هفواته الأضداد، وتفري أديم عرضه الحساد، ويقرى مخدومه الإسآد وتسري إلى نضاله الآساد، ويشري أدم إجلاله الإيساد اللهم إلا أن تكون ذا براعة مشهورة، وبلاغة مسجورة، ومهارة فاخرة، وعبارة زاخرة، وآلة كاملة، وإيالة متكاملة، وفكرة جائلة، وفطنة غير حائلة تنقاد لك المعاني انقياد العاني، وتتمكن تمكن الجاني من هذه المجاني، فحينئذ يذعن لك ما تشاء، كما يذعن للمساجل الرشاء، وتنحو بابك الحرشاء، وبين أنيابها الإرشاء، فقال له: إني وبك لعقاب هذا اللوح وعذاب هذه الحنانة الدلوح، وسرحوب هذا المضمار، وطخرور هذه الأمطار، فقال له: يا بني لاتك ممن يطبيه طبعه، ويطغيه طمعه، ويغره الجهام، ويستغره الكهام فتمسى حرضًا بهذي الظباة، وغرضًا لقذذ القاذف والشباة، وها أنا مقترح عليك، ومجترح لديك، فإن أنت ضاهيت ما ابتدعه وأتيت بمقل ما اخترعه، علمت أنك ممن يعوم بعباب هذا الحباب، ويقوم على قدم هذا الانتداب، ويستحق امتطاء هذا القارح، ويسترق أرباب الأدب بين هذي المسارح، فقال له: تالله لأنهضن بهذا الفادح، نهوض الأسد الكادح، ولأبيضن وجه ظنك الصادح، ولأغيضن يم عبوس وهنك الكالح، لتعلم أني فنن دوحتك، وزنن مزنتك، والشعاع المستنتج من بوحك، والشعاع المستخرج من يوحك فقال له أبوه: هبني أنني لك مخدوم، وأنت وعاء لجملة الأسرار مختوم، وقد ورد علي رسالة سرية، يحجم عنها من له روية جرية، لا يخامر سطور يراعها ألف، ولا يجاور خد إبداعها كلف، تتضمن تهنئة بقفولي من السفر، ووصولي بالفوز والظفر فخذ المثال، واحذ التمثال، واكتب لأمنيت ببينك ولا رميت بحجر حينك، خدين فخرك، وخزين سرك، ومخذم ملبسك، وخويدم مجلسك، مجد سمو سعدك وتسرمد، ووطد علو جدك وتجدد، وجللت غصون صولتك وقرت، وتهللت غضون دولتك وفرت، وطغت بحور سورتك وطمت، وسرت سير سيرتك ونمت، وسمقت همم برك وعلت، وتدفقت برم برك وغلت، وزكت سيوف نصرتك، وقلت وذكت سعير سطوتك وقلت، ووحمت خلك خيولك وحمت، وسمت سبلك سيولك وسمت، يخدم بنثر وقريض، وشكر مستفيض، وحمد يبوح، ومدح يفوح، يطيب عرفه ذو شرد، ويجلبب سوفه من له سرد، ويلذ نفحه ويفوق، ويشده من نشقه ويشوق، وبعد فعبد علي منتك، ومتقلد در سطور منحتك، متع ربه ربه ونصره، وزعزع بزعزع قهره من قهره يجهر بحمده عز جل مذ قدم قدم قفولك وحل، وقرب بمن ترب من وفر قربك وخل، فلقد تشوف بجلي وصوله وترشف وتشوق بحلي حلوله وتشرف: الطويل:
قدوم له طيب رطيب وكوكب ... يسير فيسرى فيه شرق ومغرب
يحل فيحيى جوده كل معسر ... ويسني فيجني منه فدم ومعرب
1 / 31