لأنه ما دامت بؤرة الثقافة البشرية هي الإنسان فإن جميع نشاطه الثقافي يجب أن يكون احتوائيا استعابيا يتناول كل ما يزيد الإنسان كرامة ورفاهية وفهما، ورجل العلم، إذا لم يكن فنانا فيلسوفا، قد يكون عرضة لأن يوجه نشاطه العلمي وجهة الشر. كما أن رجل الأدب عندما يجهل العلم، قد يكون عرضة للانتكاس الرجعي وللرهبنة في البرج العاجي.
وفي كلمة موجزة نقول: إن الأديب يجب أن يجعل مشكلات المجتمع موضوع أدبه، وهو حين يفعل ذلك يجد أنه يهتم بالموسيقى والرسم كما يهتم بنقابات العمال والمساكن الصحية، وهو يدرس الطبيعيات الذرية كما يدرس شعر المعري، وهو يشتبك في الحركات السياسية والاجتماعية يوليها من وقته وجهده مثلما يولي الأسلوب أو النقد الفني سواء بسواء.
إنه، أي: الأديب، بشري يدرس شئون البشر، فهو لا يترفع عن درس الغذاء البروتيني في الفول المدمس، وبحث الظروف الاجتماعية والزراعية التي تزيد هذا الغذاء أو تنقصه، كما يدرس فلسفة أرسطو طاليس، بل هو لا يفهم كيف يترفع عن ذلك، ثم هو بعد كل هذا يفهم القوة الروحية في الإنسان لا ينصرف معناها إلا إلى الارتقاء الاجتماعي والثقافي والشخصي، وإن معانينا الروحية هي معاني الأدب والفن والفلسفة والعلم لا أكثر.
وأخيرا رسالة الكاتب في مصر عامة وخاصة:
فأما العامة فهي أن يجعل الأدب وفق المبادئ البشرية، بحيث يغرس الكاتب في القارئ حب البشرية والطبيعة والفن والعلم والثقافة؛ لأن الأديب الحق هو صديق الإنسان لا يعرف التعصب أو العنصرية، ولا يقول بالقسوة أو الحرب، والأديب الحق هو الذي يعرف أن مهمة الأدب، مثل مهمة الفلسفة، تغيير المجتمع، بحيث يحمل القارئ على السخط ثم الرغبة في التغيير، والأديب الحق هو الذي يطلب المزيد من الحرية، فهو لذلك لا يمكن أن يكون فاشيا أو يرضى بالحكم العسكري الذي يقيد أو ينقص الحريات، والأديب الحق هو الذي يتأنق ويعين لنا مأربا فنيا في جميع نشاطنا.
وأما رسالته الخاصة، فهي خاصة لأنها تعالج شأنا من شئون مجتمعنا المصري الحاضر، مثل تعجيل التطور الاقتصادي نحو الصناعة، ومثل المساواة بين الجنسين، ومثل التعليم المجاني العام، ومثل التأميم.
وأخيرا، على الأديب أن يذكر أن في العالم العصري فريقين:
فريق الآراء أو العقائد الآفلة:
التي تقول بعجز الإنسان عن محو الفقر وعن التسلط على مستقبله، وهذا الفريق بتشاؤمه يؤمن بأن الطبيعة البشرية سيئة في أصولها وأنها تحتاج إلى القيود والحدود، ولذلك كثيرا ما ينساق إلى الفاشية وإلى القسوة حتى في تربية الصغار أو معاملة المجرمين، وإلى سوء الظن بالمرأة والحد من حريتها، وهذا الفريق يؤمن بالوراثة، وأنها هي العامل الأول في تكوين الإنسان، وفى تغيير كفاياته، وأنها جامدة لا تتغير، وكثيرا ما يرفض التغيير ويخشى المستقبل وينكفئ إلى الماضي لانغماسه في التشاؤم والخوف.
وفريق الآراء أو العقائد البازغة:
Página desconocida