وعندما أقارن بين نهرو وبين ساستنا القدامى، الصبيان الذين يحبون هيه، هيه، أحس كأني أقارن بين أرسطوطاليس وبين صبي يعدو بدراجته في الشوارع وهو يطرب بزمارتها.
لقد حاولت أن أعلم ساستنا القدامى، وألفت عشرات الكتب، وكتبت مئات المقالات كي أوضح لهم قيمة العلم، وقيمة الصناعة، وقيمة المرأة في الارتقاء الاجتماعي، ولكني لم أجد غير الاضطهاد والنفور.
إني أنصح لساستنا، الذين أرجو ألا يعود أحدهم إلى الحكم في المستقبل، أن يشتغلوا فيما بقي لهم من أعمار بدراسة الهند أيام الاستعمار وأيام الاستقلال، وأنا واثق بأنهم لن يندموا؛ لأنهم سيتغيرون من الصبيانية إلى الرجولة، ومن فجاجة التفكير إلى النضج.
كيف نكون عبقريين؟
قبل أن نشرح هذا الموضوع نحتاج إلى أن نشرح نقيضه وهو: كيف نكون غير عبقريين؟
والجواب سهل، بل في غاية السهولة، وهو: أننا نكون غير عبقريين إذا كانت الظروف الاجتماعية تمنعنا بالقوانين أو بقوة وضعها الاجتماعي عن ذلك؛ كأن تكون هذه القوانين تقاليد فقط.
إن تاريخ مصر وأوروبا، بل جميع الشعوب يدل على أنه وضعت قوانين لمنع التفكير البكر الأصيل، وسنت قوانين تنص على عقوبة المفكرين، فقد كان في فرنسا مثلا قبل الثورة قانون يعاقب كل من يجرؤ على مخالفة أرسطوطاليس، وكلنا يعرف أن قوانين الكنيسة كانت تطالب بمعاقبة كل من يخالف تقاليدها ونصوصها بفكرة جديدة تنقض هذه النصوص أو تزيد عليها أو تنقص منها.
وأسوأ ما في القوانين المانعة للتفكير أن يؤيدها المجتمع حين تكون العامة هي الكثرة الغالبة في هذا المجتمع، بل أحيانا يكون بحاله من التقاليد، وبلا حاجة إلى قوانين، هو الذي يمنع التفكير البكر الأصيل، ولكن حين يجتمع الاثنان، التقاليد والقوانين، فإن الطامة تفدح والشعب يركد وييأس.
إن مؤلفاتنا العصرية، وأعني تلك التي تحمل الروح العصرية التطورية، لا تدخل اليمن الآن، وليس هذا لأن الإمام يمنع دخولها فقط، بل لأن المجتمع اليمني، بتقاليده وغيبياته، ينفر منها، وفي مثل هذه الأحوال لا يمكن أن ننتظر من اليمن مؤلفا عبقريا يفكر التفكير الأصيل البكر.
والذي يجب ألا ننساه أن العبقرية ليست هبة موروثة، وإنما هي كفاءة يطلبها المجتمع، بحيث إذا لم يطلبها لم توجد، وهذه هي الحال المؤسفة في بعض الشعوب العربية الآن.
Página desconocida