الثَّانِي السن الْمُسْتَحبّ فِيهِ التصدي لإسماع الحَدِيث فَعَن أبي مُحَمَّد بن خَلاد أَن تستوفي الْخمسين لِأَنَّهَا انْتِهَاء الكهولة وفيهَا مُجْتَمع الأشد قَالَ وَلَيْسَ بمنكر أَن يحدث عَنهُ اسْتِيفَاء الْأَرْبَعين لِأَنَّهَا حد الاسْتوَاء ومنتهى الْكَمَال وَأنكر القَاضِي عِيَاض على ابْن خَلاد ذَلِك لِأَن جمَاعَة من السّلف وَمن بعدهمْ نشرُوا علما لَا يُحْصى وَلم يبلغُوا ذَلِك كعمر بن عبد الْعَزِيز لم يبلغ الْأَرْبَعين وَسَعِيد بن جُبَير لم يبلغ الْخمسين وَجلسَ مَالك للنَّاس وَله نَيف وَعِشْرُونَ سنة وَقيل سبع عشرَة وَأخذ عَن الشَّافِعِي الْعلم وَهُوَ فِي سنّ الحداثة قَالَ ابْن الصّلاح ﵀ مَا ذكره ابْن خَلاد مَحْمُول على من تصدى للتحديث بِنَفسِهِ من غير براعة فِي الْعلم لِأَن السن الْمَذْكُور فِي مَظَنَّة الْحَاجة إِلَيْهِ وَمَا ذكره عِيَاض عَمَّن ذكرهم فَالظَّاهِر أَنه لبراعة مِنْهُم فِي الْعلم تقدّمت فَظهر لَهُم مَعهَا الْحَاجة إِلَيْهِم فَحَدثُوا أَو لأَنهم سئلوا ذَلِك بِصَرِيح السُّؤَال أَو بِقَرِينَة الْحَال وَالْحق أَنه مَتى احْتِيجَ إِلَى مَا عِنْده اسْتحبَّ لَهُ التصدي لنشره فِي أَي سنّ كَانَ كمالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا وَمَتى خشِي عَلَيْهِ الْهَرم والخرف والتخليط أمسك عَن التحديث وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف النَّاس وَكَذَا إِذا عمي وَخَافَ أَن يدْخل عَلَيْهِ مَا لَيْسَ من حَدِيثه فليمسك عَن الرِّوَايَة وَمَال ابْن خَلاد إِلَى أَنه يمسك فِي الثَّمَانِينَ لِأَنَّهُ حد الْهَرم إِلَّا إِذا كَانَ عقله ثَابتا بِحَيْثُ يعرف حَدِيثه وَيقوم بِهِ وَوجه مَا قَالَه أَن من بلغ الثَّمَانِينَ ضعف حَاله غَالِبا وَخيف عَلَيْهِ الْإِخْلَال وَأَن لَا يفْطن لَهُ إِلَّا بعد أَن يخلط كَمَا اتّفق لقوم من الثِّقَات كَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة حَتَّى كَانَ عبد الرَّزَّاق فِي آخر عمره ضعف فَكَانَ يلقن وَضعف أَحْمد حَدِيثه بِأخرَة وَإِلَّا فقد حدث خلق بعد مُجَاوزَة الثَّمَانِينَ لما ساعدهم التَّوْفِيق وصحبتهم السَّلامَة كأنس بن مَالك وَسَهل بن سعد وَعبد الله بن أبي أوفى من الصَّحَابَة وكمالك وَاللَّيْث وَابْن عُيَيْنَة وَابْن الْجَعْد وَحدث قوم بعد المئة كالحسن بن عَرَفَة وَأبي
1 / 106