قال: إن لم يكن هو القيم عليها، فإن أهالي زوجك الأول يهتمون بأمرها.
قالت: يا ليت لزوجي أهل في قيد الحياة، ولكن قد توفاهم الله جميعا لتمام نحسها وتعاستها، فليس لها راحم ولا ناصر.
فاضطرب خاطر غانم وعلم أن الكلام موجه إليه في الوصاية على الابنة اليتيمة.
فقال: ما أعلم كيف يؤول أمر الأيتام، فالله يبعث رزقهم ويتولى أمرهم.
قالت: إني لا أجد لي في الكون ناصرا إلا رجلا أثق به، وأجعله وصيا على ابنتي بعد مماتي. إنه عضدي المتين وسندي المكين، ومحط رجائي، واعتمادي واتكالي عليه ثابت، ألا وهو أنت يا أخي وعزيزي المحبوب الشفوق، فإليك أعهد أمر ابنتي اليتيمة.
فانخطف لون غانم واضطرب جنانه، وأراد أن يتكلم فانعقد لسانه، ورجفت أركانه، فلم يكن برهة من الزمن حتى عادت أخته إلى الكلام، فقالت: أوصيك خيرا بتلك اليتيمة، وأستحلفك أن تنظر إليها بعين الشفقة والرأفة، فمن أجلها حضرت إليك غير طالبة منك إحسانا، وإنما سألتك أن تكون كفيلا لها بعد وفاتي تجعلها في حضانتك، وتوسع لها محلا في منزلك، وتسندها وتعضدها، فهي على الأخلاق اللطيفة والصفات المحمودة، ولا شك أنها تجد السعادة عندك بعد مقاساتها مر الشدائد عندي، وأخاف عليها أن يصيبها مكروه، وأما منزلك فواسع رحيب، فإن شئت جعلتها كأبنائك، وإن شئت فهي من إحدى جواريك.
فغلبت طبيعة البخل على عقل غانم، وتأمل في النفقة التي يغترمها في الوصاية على ابنة أخته، فقال: تتكلمين كأنك على فراش النزاع ومفارقة الحياة الدنيا، وأنت - بحمد الله - صحيحة الجسم، لو سألنا الأطباء عني وعنك، واتبعنا القواعد العمومية في مسائل الطب والأجسام لرأيتني أقرب منك إلى الوفاة؛ لكوني أكبر منك بست سنوات، وفضلا عن ذلك فالنساء على الغالب يعشن فوق ما يعيش الرجال، فلا محل لرهبتك ولا صحة لتصورك وتوهمك وتنغيص عيشك بدون موجب، والاهتمام بشأن ابنتك قبل الأوان، والواجب عليك أن تكوني حزومة، وتجانبي هذه الأفكار وتطرحيها، ولو كان في قولك مسوغ لأجبتك بالإيجاب، ولكنني لا أرى داعيا إلى ذلك.
قالت: لك يا أخي أولاد، وأنت تعلم مقدار حنو الوالدين وعطفهم على أولادهم، وشدة اهتمامهم بأمرهم، وكل رجائي عندك أن تسكن حرقتي، وتريح بالي، وتخبرني هل تجد ابنتي من يتولى أمرها بعد وفاتي؟
فحار غانم في أمره، وجعل يضرب أخماسا في أسداس، ويتدبر كيف يتخلص من هذه الورطة التي وقع فيها، فرأى أن يوافق أخته، فلا يخالفها في النظر، وأن يعدها بما شاءت لتسكين بالها، وناهيك من وعد البخيل، فقال لها: إن حصل الأمر الذي تخشينه، وقدر الله أن يحين أجلك قبل أجلي فلك العهد علي أن لا أهمل شأن ابنتك، وأن أعتني بها، وأبذل لها الجهد في الخدمة، فتكون مرتاحة مطمئنة مقيمة عندي كالابنة في بيت أبيها، فسكني الخاطر ولا تجزعي، والله سبحانه يرحم كل ضعيف.
فأشرق جبين كريمة عند سماع هذا القول، وانتعش فؤادها فقالت: تعدني يا أخي بأنك تجعل عفيفة ابنتي في منزلك، وتتولى أمرها والحفاظ عليها؟
Página desconocida