وأنت تعلم أني حين أكون ذاهبا إلى البرلمان لا أكترث للدائنين؛ إذ لا يستطيعون إيقاف مركبتي والحراس محدقون بها.
وقد فتحت النافذة وجعلت أبتسم للناس الذين كانوا يحيونني من الجانبين.
وفيما أنا على ذلك، رأيت تلك الفتاة التي وصفتها لك وقد وقفت تنظر إلي وإلى مركبتي فابتسمت لها وأرسلت إليها قبلة في الهواء بيدي؛ فاحمر وجهها حياء وانصرفت مسرعة.
وكان يصحبني خادم ذكي رأى ما كان، فاندفع في أثرها، وأخبرني في هذا الصباح عن كل ما عرفه من شأنها. - أين تقيم يا مولاي؟ - إنها تقيم في شارع لا يخطر لأحد أني أذهب إليه، ثم ضحك وقال: إنها تقيم في وينغ. - هو ذاك يا مولاي؛ فإن دائنيك لا يمكن أن يخطر لهم أنك تتجول عند انتصاف الليل وفي مثل هذه الليلة الباردة في شارع لا يقيم فيه غير الرعاع واللصوص. - إذن أسرع الخطى؛ فإني أريد أن أصل إلى هذه الحسناء التي فتنتني.
فحك دلتون أذنه، ووقف موقف المتردد، فقال له البرنس وهو يضحك: ألعلك تأنف من الذهاب إلى وينغ؟
قال: كلا يا مولاي. ولكني لا أرى من الحكمة أن تخاطر بنفسك في هذا الشارع الذي لا يقيم فيه غير قطاع الطرق والبحارة السكارى، وفوق ذلك فإن هذه الفتاة لا بد أن يكون لها أب أو إخوة أو عشيق. - كلا. فإنها تقيم في بيت صغير مع أختها المريضة وعمتها العجوز كما أنبأني خادمي، وإني متقلد حسامي تحت وشاحي، وأظن أني أحسن استخدامه عند مسيس الحاجة. - اسكت اسكت يا مولاي. - ماذا؟ - أظن أنهم يتبعوننا. - ماذا تقول؟ - إني أسمع منذ بضع دقائق وقع خطوات من ورائنا ، وهي متناسبة مع خطواتنا.
فوضع البرنس يده على قبضة حسامه ووقف مصغيا، فسمع حديثا لم يتبينه؛ إذ كان يصل إلى مسمعه شبه الهمس فقال: إنهما رجلان يتحدثان في شئونهما، فلنهتم نحن في شأننا.
ومشى فتبعه دلتون وهما يصغيان فيسمعان وقع خطوات الرجلين، فقال البرنس: لقد بدأت أن أضجر منهما، فقف إلى أن يمرا ونرى ما يكون.
ولكنهما حين وقفا وقف الرجلان، فمشى البرنس إليهما وهو لا يراهما لتلبد الضباب إلى أن لاح له أشباح سوداء، فصاح بهم دلتون قائلا: إنكم إذا كنتم من قطاع الطرق فقد أخطأتم بتعقبنا فإننا لا نملك غير سيفين صقيلين.
فأجيب بضحك الساخر، ورأى أن الاثنين أصبحا ستة، فتراجع إلى الوراء وقال للبرنس: جرد حسامك يا مولاي فقد طوقونا.
Página desconocida