[صفات الأحمق]
وإن من المنكرات، فيمن يسمنفسه بميسم الخيرات، أن يضرب بطرفه صاعدا، ويكون على غيره واجدا، ولزناده زاندا، كأنه قد تهذب من الأدناس، وأمن منمعيبة الناس، واستقام على سوق الزيادة للمستزيد، أو ما عرف المعدوم من الموجود، والحاضر من المفقود، والخير من الشر، والنفع من الضر، والحر من القر، حيث سلك في أحشائه، واتصل بحوآسه وأجزآئه، ثم أدبه الأركان إلى الأركان، والروح إلى الجثمان، ثم صرفته تلك العوارض الخاطرة، والنوازل السائرة، فاستفزته إلى السخط مرة، وإلى الرضى أخرى، فأسرف في الخلتين، ومال عن النجدين، فأين مستقر القديم منه، لم يدرأ به عنه، النوازل الممضة، والآفات العارضة، ويستدع لنفسه بدرئه لذلك عاجل السلوة، وينف عنها بوادر الشقوة، ويعاود ما يديم له السرور، ويدفع عنه المحذور، ولو ألهم نفسه أحسن ما يلهم، لزاح عنه خواطر الهمم، ولم يعدم محمود العاقبة وعلو الذكر في الفئام، والصوت الرفيع في محافل الأقوام، ولأقصر عن شقشقته، وشهد بالفضل لمزايل طريقته، ولكنه لم يحم أنفه، وقل عن مزايلة ما تهواه نفسه أنفه، فامتشجت الأدواء في آرابه، واستلبته رصين آدابه، فابتغى السلامة من غير جهتها، والراحة بعد فوتها .
كلا لن يكون فرع من غير أصل، ولا جود إلا ببذل، ولا زكاء مخلوق إلا بفضل، يجشم فيه نفسه المجهود، ويستدعى به لها الثناء المحمود، ويجنبها الموبقات، والشهوات المرديات، وليس من نفس إلا وهي تراود صاحبها على الهوى، وتدعوه إلى موارد الردى، فمن أعطاها زمامه، أركبته ردعه، ومن منعها ما تهوى، فاز بالرغبى. ففي هذا لكم يا بني: بيان ومعتبر، ومن لم يستظهر، بالحزم على مذآقالأخلاق ودنآءتها، ويزجر النفس عن شهواتها، قصر دون رميته، ولم يدرك الثناء الذي سما إليه بأمنيته.
Página 188