[صفات الغافل]
يا بني: ومن أعجب العجائب، ذو شيبةمرتد بالنوآئب، متسربل بالمصائب، يستنكر ريب التصاريف، ويفجر أمامه بالتسويف، وذلك لضعف نحيرته، ونسيانه لما يتصرف من أزمنته، وكثرة سهوه وغفلته، عما قد أفهمته خبرته، وانتظمته تجربته. ولو - غيب عنالعاقل اللبيب، كل أمر عجيب، مما فطر عليه المفطورون، وقصر عن الإحاطة بخبره العالمون - لكان فيما طبع عليه في ذات نفسه، وما يمر به في يومه وأمسه، من الفقر والغناء، والسرآء والضرآء، والشدة والرخاء، والأخذ والإعطاء، والبذل والإكداءوكثرة السكوت، وطول الصموت، والاكثار في المنطق، والهدوءوسرعة القلق، والجد والهزل، وغلبة الجهل على العقل - له أشغل شاغل عن الفكرة في خلائق الانسان، وتضآد ما يختلف فيه من الجهل والعرفان، فالموموقمنها معروف، والمقلي منها مشفوف. فمن جنح إلى الأقل، كبحواستوحل، وذم غب المصدر، وكان من أمره على خطر، وأندمته آخريته، لما قد دلتهعلى علمه أوليته، وليس بحكيم، من مال إلى الأمر المذموم، والخيلاء بالفضل، مجانب لسبيل العقل. ومن جعل غيره لعينه نصبا، وأظهر على من سواه في شيء من أفعاله عتبا، وكان الذي فيه لطالب عثرته أعيب، كان الواجب عليه أن يكون على نفسه أعتب، لأن من استنكر أمرا من غيره، يرضى في نفسه بمثله، فقد دل على جهله، ومن سها عما يعنيه، كان مالا يعنيه أجدر أن لا يواتيه.
فافهموا يا بني: ما عبرته لكم، وأوضحته من شأن زمانكم.
Página 187