Maquinaciones de Amor en los Palacios de los Reyes
مكايد الحب في قصور الملوك
Géneros
وكثيرا ما كانت هذه الرسائل تتضمن وصف ما يعانيه من تباريح الغيرة واليأس. فقد كتب في واحدة منها يقول: «لقد ساءني ما آنسته في كتابك من الفتور، وقضيت ليلي في أرق وحزن ويأس، فجثوت على ركبتي والدموع تنهال من سحب أجفاني، وابتهلت إليه تعالى أن يريحني من حياتي إذا صح أنك هجرتني ونسيتني.»
ثم كتب إليها في رسالة أخرى: «لا يسعني أن أصف لك شدة حزني وأسفي عندما علمت أنك كنت بين ذراعي غيري. إن محبتي لك أشبه بالعبادة، بل هي العبادة نفسها. ومع هذا كله لا يمكنني أن أراك لغيري. إن عذابي من جراء هذا الأمر يفوق جميع أنواع العذاب التي في جهنم. فمتى ترأفين بي وتعطفين علي؟ متى أتغلب على ما أراه فيك من فتور وقلة اهتمام؟ أأظل إلى الأبد محروما التمتع بلذة مسرة تامة خالية مما يكدر صفاءها؟ إن مسرة كهذه أنشدها عندك، فإن لم تسعديني بالحصول عليها فعلى الدنيا كلها السلام.» ولما رقت الأميرة له وضربت له موعدا لاجتماعهما كتب إليها يقول: «أرى الدقائق في عيني أطول من السنين. فمتى تحين الساعة الثانية عشرة؟ متى يأتي الأجل المضروب؟ الليلة! نعم، نصف الليل أعانق أجمل غادة، وأقبل أعذب ثغر. حقا إن سروري يكاد يقتلني!»
ولم تكن رسائل الأميرة إليه تقل عن رسائله إليها من حيث وصف لواعج الشوق وتباريح النوى؛ فقد كتبت إليه مرة تقول: «جرعني فراقك مرارة لا أنساها إلا إذا ذقت حلاوة لقائك. إن احتمال فراقك فوق طوقي، ووقتي أقضيه بالبكاء حتى يغشى علي. لقد أحببتك حبا يفوق جميع ما عرفه الناس من حب النساء للرجال. والحق أقول لك إن حبي هذا سينتهي بحياتي.» ولما كان كونغسمارك في ساحة القتال ساورتها المخاوف فكتبت إليه: «إن كنت تحبني فابذل ما تستطيعه من العناية بنفسك والمحافظة على حياتك. وأقل مكروه تصاب به يكون سببا للقضاء على حياتي. ولكن ... يا لسروري وابتهاجي حين ألقاك عائدا إلي سالما! حينئذ يتعذر علي أن أملك قياد نفسي، فيفتضح أمري لدى كل من يراني. ولكن هذا لا يهمني؛ لأنك أهل لأن أضحي في سبيل هواك بكل عزيز وغال.»
وكتب إليها كونغسمارك جوابا عن إحدى رسائلها يقول: «طلبت إلي أن أزيدك إثباتا وتوكيدا لحبي لك. فاعلمي أني لن أحول عن عهد ولائي ما دام في عروقي قطرة دم، وما دام في صدري نفس يتردد. فأنت أغلى ذخر عندي وأنفس كنز. وإني لأبذل كل ما في العالم ثمن قبلة من شفتيك الحلوتين. إني أكره الحرب وأمقت كل ما يقضي بفصلي عنك. فمن لي بأن أكون دائما معك في الحياة والموت؟»
وبعدما وصلا إلى هذه الحالة من شدة شغف كل منهما بالآخر، لم يبق في إمكانهما أن يظلا في مأمن من عيون الرقباء والعذال. وخافت الأميرة على الكونت من كيد الكائدين، فتوسلت إليه أن يكف عن المجيء إليها فأجابها: «لا أنقطع عن زيارتك إلا إذا انقطعت عن العالم بأسره وصرمت حبل حياتي بيدي.»
وقد تلاقيا عدة مرات خلسة، وكانا في كل دقيقة منها عرضة لخطر الوقوع في أيدي الرقباء والجواسيس. وكتبت إليه الأميرة مرة عن موعد لقاء، فقالت: «أتوقع طروقك من الساعة العاشرة مساء إلى الساعة الثانية بعد نصف الليل. ولست تجهل العلامة أو الإشارة التي اتفقنا عليها، وباب السور يبقى دائما مفتوحا. فلا تنس إبداء الإشارة الأولى. وسأنتظرك تحت الأشجار. وبفروغ صبر أتوقع قدومك. ولو كان الفرح يقتل لم يبق علي. ولسوف تجدني كما تعهدني مستعدة لأن أمتعك بقبلات حارة فتأسف أشد الأسف على ارتيابك في صدق مودتي.» أما شدة ابتهاجهما بهذه الاجتماعات السرية على رغم المخاطر المحدقة بهما فقد فاقت الوصف، وأشار إليها الكونت غير مرة في رسائله إلى الأميرة؛ من ذلك قوله: «لا أستطيع أن أنسى تلك الدقائق الحلوة اللذيذة. فما كان أعظم سرورنا وأشد اغتباطنا. ليت تلك الدقائق تحولت إلى شهور وسنين وصارت العمر كله، أو ليتها على الأقل تعود من وقت إلى آخر. بل ليتني قضيت نحبي في آخر دقيقة منها ثملا براح حبك ورحيق ثغرك.»
ولكن من المعلوم أن سعادة كهذه لا يكتب لها طول البقاء، بل تكون دائما قصيرة العمر وسريعة التحول والزوال؛ لأنه كان لهذين العاشقين المستهامين كثيرون من الأعداء في بلاط هنوفر، وجميعهم واقفون لهما بالمرصاد يبثون عليهما العيون والأرصاد، ويخفون الحبائل والمصايد، وكان أشدهم اجتهادا في التنكيل بهما الكونتس بلاتن محظية دوق هنوفر، فإنها كانت قد سبقت وعرضت لفون كونغسمارك وراودته عن نفسها، فأعرض عنها مزدريا لها ومستخفا بها، ومضرما في قلبها نار ضغينة لا تعرف الخمود. وحدث أن كونغسمارك أقام حفلة ذات ليلة تنكر فيها الراقصون والراقصات وحضرتها الأميرة وغيرها من أعضاء الأسرة المالكة، وفيما كان المدعوون جالسين حول مائدة الطعام سقط قفاز الأميرة على غفلة منها، ورأته الكونتس بلاتن، فسولت لها نفسها الشريرة انتهاز الفرصة السانحة للانتقام، والتقطت القفاز وأخفته، ثم طلبت إلى كونغسمارك أن يخرج معها لقضاء بضع دقائق تحت خميلة في الحديقة، وهناك أوغلت في مداعبته ومغازلته وشغلته عن سماع وقع خطوات، حتى وقف رجلان أمامهما في ضوء القمر؛ وكانا الكونت بلاتن وجورج لويس زوج الأميرة، فاضطربت الكونتس وصاحت تنذر كونغسمارك وتستعجله في الهرب، وفي أثناء فرارها ألقت القفاز عمدا، فالتقطه جورج لويس وعرف أنه لزوجته، فحمي غضبه، وكان منذ وقت طويل يرى ما يريبه من العلاقات بين زوجته وكونغسمارك. والآن لم يبق عنده أقل شك في أنه هو ذلك الرجل الطويل القامة الذي أبصره في ضياء القمر يفر بالأميرة من أمامهما.
وقد اقترنت هذه المكيدة بالنجاح الذي توقعته الكونتس؛ فإنها أسفرت عن وقوع خصام شديد بين جورج لويس وزوجته. وأخذت الأمور تسير سيرا حثيثا نحو الخاتمة المحزنة، وظل العاشقان الوالهان ثملين براح الغرام وغافلين عن الخطر المحدق بهما.
ففي مساء يوم من شهر يونيو كتبت الأميرة إلى كونغسمارك تدعوه إلى موافاتها في جناح القصر المختص بها، فأسرع إليها مفتكرا ومتقلدا سيفا قصيرا تحت ثيابه، وأدخلته الوصيفة إلى حجرة الأميرة. وكان جواسيس الكونتس يراقبونه، فساروا في أثره حتى دخل الحجرة، وذهبوا على الفور وأخبروا الكونتس، فطيرت الخبر إلى دوق هنوفر، ففوض إليها أن تضع أربعة جنود من حملة الرماح والفئوس خارج غرف الأميرة ليعتقلوا كونغسمارك عند خروجه منها. ولم تبطئ بأن جاءت بأربعة الجنود وأقامتهم على أبواب الغرف، وأصدرت إليهم أمرها قائلة: «يجب أن تقبضوا عليه حيا أو ميتا.»
وبعد ساعات قبل الكونت الأميرة قبلة الوداع وانطلق جذلا مسرورا حتى وصل إلى الباب الذي دخل منه، وكان قد غادره مفتوحا، فإذا به مقفل! وفيما هو يدور ليعود من حيث أتى انقض عليه الجنود الأربعة من مكمنهم واصطادوه كالجرذ في الفخ. ولكنه عزم أن يموت موت الجندي الباسل في ساحة القتال، فاستل حسامه وحمي وطيس الكفاح بين أربعة هاجمين على واحد، وهذا الواحد أشد من الأسد بأسا وإقداما، ومن أبرع رجال أوروبا في استعمال السيف. فعاجل أحد الأربعة بضربة جندلته قتيلا وأتبعه الثاني، وإذ ذاك انشطر حسامه شطرين وأصابته ضربة فأس على رأسه فخر صريعا، وتلتها طعنة رمح اخترقت حشاه، ولكنه عند سقوطه صاح: «أبقوا على الأميرة! أبقوا على الأميرة البريئة!»
Página desconocida