--- وأما أنه لا يجوز تولية وال في المسلمين من هو خير منه، فذلك لا يصح ولا ينبغي إطلاقه، ولا يقول به أحد أبدا، وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وآله قوما كثيرا وفي أصحابه من هو أفضل منهم في الورع والكفاية، وإلا لزم أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام واليه في جميع الأمصار وجميع الغزوات، كتوليته صلى الله عليه وآله لعمرو بن العاص على جلة المهاجرين والأنصار، وسوى ذلك مما يطول تفصيله، وكذلك غيره من كبار الصحابة رضي الله عنهم وهو محال، فالإطلاق لذلك لا يصح ولا يصلح، والخبر الذي رواه وهو قول النبي صلى الله عليه وآله: (( من استعمل عاملا وهو يعلم أن في المسلمين من هو أولى بذلك منه، وأعلم بكتاب الله وسنة نبيه، فقد خان الله ورسوله وجميع المسلمين )) فهو محمول على أن المراد بقوله: (( أولى بذلك منه وأعلم )) من قبل أنه جاهل بكتاب الله وسنة نبيه، وأنه ممن لا يكتفى به, ولا هو بأمين فيما ولي فيه، وذكره بلفظ أفعل مجازا واتساعا في الكلام، وإلا فعلي عليه السلام أعلم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله من ساير ولاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأعظم كفاية وأمانة، وإن كان قد قدم غيره في كثير من الولايات، ولا بد من حمله على ما ذكرنا.
وأما ما صوبه من تهذيب بالولاة وتأديبهم وإصلاحهم وإرشادهم، والتأكيد عليهم والوصية لهم بما يجب، وأجناس ذلك مما ذكره, فتلك هدية منه يجب قبولها والعلم عليها، ونحن إن شاء الله عاملون بها وعليها، بحسب قدرتنا واستطاعتنا، وليس نكلف إلا ذلك وبالله التوفيق.
Página 60