مجموع رسائل الإمام الشهيد المهدي أحمد بن الحسين
(صاحب ذيبين)
روائع تراث الزيدية
تأليف الإمام أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبد الله بن القاسم بن
أحمد بن أبي البركات إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
[612 - 656 ه]
---
Página 1
حليفة القرآن في نكت من أحكام أهل الزمان
? ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ?.
أما بعد:
فإن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو وقوله: (( إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام وليا من أهل بيتي، يعلن الحق وينوره, ويرد كيد الكايدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار )) ، حملنا على ما يحق لمثلنا أن نتكلم فيه, وننشر أنوار الحق من مثانيه، فإن الحجة بنا اتضح دليلها, ولاحت سبيلها, وأنارت غررها وحجولها، فإن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة، لئلا تبطل حججه وبيناته، وتلتبس آياته، وتظلم من الحق مشكاته، ويعمى من الهدى واضحاته، وإن أهل بيت النبوة هم سفن نجاة العالمين، وشهداء الله على خلقه يوم الدين، قال تعالى: { ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول عليكم شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس } . وقال النبي صلى الله عليه: (( مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح, من ركبها نجا ،ومن تخلف عنها غرق )). وقال: (( إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )).
وأئمة الهدى هم النمرقة الوسطى، إليها يرجع الغالي ، وبها يلحق التالي، وهم لب اللباب, ونظراء السنة والكتاب، وقدوة أولي الألباب, والسابقون إلى الخيرات، والمتوقلون أعلا الدرجات، صفو[ة] الذرية النبوية, وخلاصة الثمرة الزكية.
Página 2
ولما تقلدنا قلائد الزعامة، وتحملنا أثقال الإمامة، سار العلماء إلينا أرسالا من كل فج عميق, ومكان سحيق، قياما بما يلزمهم من إجابة الواعية, وإخالة لبارق كانوا فيه على الرجاء والطماعية، وكانوا يغدون في ميدان الاختبار, ويجاروننا صباح مساء في ذلك المضمار، فسبقنا سوابق فرسانه, واستبددنا برهانه في طويل ميدانه، وقامت من الإمامة دلائلها، وسارت فضائلها، فحينئذ اتضح الحق, وتعين فرض الإمامة على كافة الخلق، وازدحموا على البيعة ازدحام الإبل الهيم على حياضها، والحدابير المسنة على رياضها، وكانوا عند ذلك بين متنكب قوسا، أو متقلد سيفا، أو معتقل رمحا, يمشي إلى صف, أو يتقدم في رجف, وبين قارع منبرا, أو قارئ دفترا، هذا يقوم بجمعتها، وهذا يدعو إلى جماعتها، وهذا يتحدث في فضائل صاحبها، وهذا متبطئ إلى الآفاق بدعوتها مطاء نجايبها.
ولما رأتهم الدهماء كذلك قلدوهم فيما لا يعرفونه إلا من جهتهم, وضموه إلى ما تتناوله معرفتهم من خصالها التي تستوي في معرفتها العالم والجاهل، والنبيه والخامل، وأعطونا صفقتهم طائعين، وأنفقوا أموالهم متقربين، وساروا في مقامات الجلاد كأنهم إلى نصب يوفضون, حتى قمعنا نواجم الضلالة، وطمسنا رسوم الجهالة، وصار أنف الإسلام كله لنا، ونحن في خلال ذلك ندعو بني عمنا إلى النصرة، ونقول: أنتم وجوه الأسرة، وأعلام العترة، وهم مرة ينتقصون الإمام والإمامة، ومرة يقولون: نحن أولى بالزعامة، ومرة يصدون عن أمر الله ويبغونها عوجا، ومرة يكاتبون سلطان اليمن نظما ونثرا، ويلتمسون من لديه فرجا ونصرا، بغيا وحسدا،? أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } .
هذا أميرهم أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام يقول (( لعمر سلطان اليمن في أحد مكتوباته المصونة, وأسراره المخزونة:
رقدت وطاب النوم لي وكفيتني ... وكل فتى يكفى الهموم ينام
وقال:
--- إذا أيقظتك صعاب الأمور ... فنبه بها عمرا ثم نم
Página 3
ويقول عقيب ذلك: يا عمراه يا عمراه، ويعرفه كيف يكيدنا, ومن أين يأتينا، فلما ولى عمر, وظهر أمرنا واستمر، دخلوا في الإمامة كما دخلت بنو أمية في النبوة، إما رغبة وإما رهبة، وكانوا كما قال الله تعالى: { لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون } . وقبلناهم عند ذلك وقلنا: لعل ما ظهر من ألسنتهم يبطن, وما قبح من بواطنهم يحسن، وكانوا مرة يسلقوننا بألسنة حداد، وتارة ينظروننا بأعين الحساد، وآونة يذكرون علينا قديم الأوتار والأحقاد، ويدلون على عوراتنا الأعداء والأضداد، ونحن في خلال ذلك ما غمص من كيدهم أوليناه اصطبارا، وما ظهر أوسعناه صفحا واغتفارا، ثم حلفوا لنا مرارا, وأكدوا البيعة أسفارا، ثم تركونا حتى نال العدو من أطرافنا ما نال، وآل ألا مر بنا إلى أضيق مآل ،ومالوا علينا يسرون حسوا في ارتغاء، ويحلبون شخبا في الأرض وشخبا في الوعاء، ثم صرحوا بالحرب, وبرزوا للطعن والضرب، ورجعوا عن القول بالإمامة, ونسوا مناقشة يوم القيامة.
قلنا: أما كنتم قبل الإمامة تؤمنون بالإشارات إلينا, وتعولون في الزعامة علينا، فما بالكم لما سطع قيامها, وخفقت أعلامها, انقلبتم على أعقابكم؟!وخالفتم كريم نصابكم؟!? ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ?.
Página 4
--- ما أشبه ما نرى منكم بما حكى الله سبحانه عن نبيه محمد صلى الله عليه وآله وقوم يهودا حين كانوا يخوفون الأوس والخزرج بنيء قد أظلهم زمانه, ودنا أوانه، قال تعالى: { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يفتستحون على الذي كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكفرين بئس ما اشتروا أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكفرين عذاب مهين وإذا قبل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم ... } إلى آخرها.
فإن كان ما أظهروه من القول بالإمامة من قبل صحيحا، فقد صار ما قالوه من إنكارها كذبا، وإن كان ما أظهروه آخرا من إنكارها صحيحا، فقد بان أن الذي كانوا عليه منها أولا نفاقا.
فإن قالوا: دخلنا بدلالة وخرجنا بدلالة.
قلنا: غرقتم في بحار الجهالة, وتهتم في أودية الضلالة، كيف تكون المتنافيات أدلة توجب علما؟! أو تورث فهما؟!
فإن قلتم: كانا شبهتين جميعا في دخولنا وخروجنا.
قلنا: فقد أخطأتم في الدخول من غير يقين، وأخطأتم في الخروج من غير يقين, وأصبحتم بين الفريقين مذبذبين, وأنتم إلى الآن تجرون في ميدان الاشتباه. أفما لهذه النومة من انتباه؟! وإن كان الدخول شبهة والخروج يقينا.
قلنا: فشرائط الإمامة يفضى فيها إلى الاضطرار, ويستوي العلماء فيها والأغمار، فالمدعي لخلافها بعد الإقرار بصحتها يشهد على نفسه بالكذب, ويحجب من باطله مالا يحتجب, على أنه قد جعل على نفسه سلطانا، ومكن منها زماما وعنانا.
فإن أوضح على الإمام فسقا بينا, وضلالا قادحا متعينا، وإلا دخل فيما خرج عنه، فإن الإمامة لا تبطل بعد ثبوتها إلا بفسق ظاهر يقع عليه الإصرار, ويلازمه المتابعة والاستمرار، لأن الإمام لو أخطأ خطأ وتاب عادت له الإمامة, واستقرت أحكام الرياسة والزعامة.
Página 5
--- وإن كانت الشبهة في الخروج فذلك إقرار بالبقاء على الضلال، وتعلق بأسباب المحال, وعدول عن رقراق السلسال, إلى براق الآل، والذي بقي بعد هذا إما تدعون الإكراه في الإمامة عند دخولكم فيها كنتم مباهتين مكابرين، وإما أن تعتقدوها باطنا وتدفعوها ظاهرا، فكفى بذلك عذابا ونكالا عند رب العالمين، ولنا فلجا عليكم إن أظهرتم خلاف ما أبطنتم عند جميع المسلمين، بل العقلاء المميزين, ملحدين كانوا أو موحدين.
ومن عجائب,بلغنا عن الأمير شمس الدين أنه يقول: لم يرض قتل حميد, ولم يرض له هذه الميتة، وكان من طلبة الدنيا, ودلاه هذا الرجل يعنينا بغرور, وأوقعه في محذور، ولو أطاعنا ما كان الذي كان, وغيره يقول: اقتلوا الإمام والشيعة تصف لكم الدنيا.
وقوله: لم يرض بقتله ولم يرض له هذه الميتة, كلام متناقض، لأنه إن كان حميد محقا فلا ميتة أرضى من ميتته!! فقوله: لم يرض له هذه الميتة كلام فاسد، وإن كان حميد مبطلا فكيف لم يرض بقتله،? لا تأس على قوم كافرين ? ، وقوله: لم يرض قتله كلام لا يستقيم، لأنه قاتله. ألا ترى أنه أجلب عليه بخيله ورجله، وقتل بقوة سلطانه, والأمة مجمعة على أن يزيد بن معاوية قاتل الحسين بن علي, وهو بالشام والحسين بن علي قتل بالعراق, وللأمير في حميد أكثر مما ليزيد في الحسين، لأنه حاضر قتله, وجالب خيله ورجله، وإنما قالها تنزها وتسترا قبالة العامة, لما قالت: أكنت تمشي رويدا لتقتل حميدا، لقد جئتم شيئا إذا, تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا!! ويلك من الله ? يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء، تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ? . أتروم إعادة أمس؟! أو تنل الشمس باللمس؟!
وهبني قلت هذا الصبح ليلا ... أيعمى الناظرون عن الضياء
Página 6
--- رادفت الغمة, وراكمت سحايب الظلمة، وقتلت رباني هذه الأمة, رجلا أفنى عمره في الذب عند الدين، ونشر علوم أهل بيت محمد الأمين, ولأبيك أمير المؤمنين من مقاماته غررها, ومن أكاليمه شذورها ودردها, ومن تصانيفه روائقها وطرائفها، ومن رسائلها سوابقها وشرائفها.
ننشدك الله ومن سمع كلامنا هذا لو بعث أبوك وجدك رسول الله صلى الله عليه أكانا مع حميد أو عليه؟! أو سعيا إليك أو إليه؟! أو كانا يؤثران نصرنا أو نصرك؟! أو يعضدان أمرنا أو أمرك؟!
فإن قلت: معنا ومع حميد، كان رسول الله صلى الله عليه وأبوك الثائرين لنا منك، وإن قلت: معك أكذبك قول والدك:
لا أعرف الخمر إلا حين أهرقها ... ولا الفواحش إلا يوم أنفيها
أليس في عسكرك هذا فعل المنكرات؟! وشرب المسكرات؟! وقتل النفوس المحرمات؟! ومن ينفيك من محمد وعلي؟! من يرى بولاية كل عدو وعداوة كل ولي؟! وأما لحمتك الواشجة، وقرابتك القريبة، فإنها لا تفيدك أكثر من النسب، ولغيرك المذهب، قال الله تعالى: { يا نوح أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح } . وقال تعالى: { أن أولى الناس يا إبراهيم للذين ابتغوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } .
وأما قوله: بأنه أخلد إلى الدنيا. فكيف يخلد إليها من عمر عمرا طويلا متمكنا منها وهو تارك لها؟! ولما توفي لم يدع دينارا ولا درهما؟! ولا هتك في حياته محرما ! ولا ارتكب مأثما! ولا ظلم مسلما! ولا سفك في غير الحق دما! ثم سفكت دمه, وعفيت كرمه.
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يقطع الليل تسبيحا وقرءانا
Página 7
--- وأما قولك: إني اغتررته. فكيف يغر رباني الكلام؟! وعين عيون أهل الإسلام؟! وهو يصنف من قبل أن نولد نحن، أمثل حميد يختلس في دينه؟! أو يلوى عن يقينه؟! وأنت مع ذلك تدعي لنفسك البصيرة!! وتدعو إلى الصراط السوي والطريقة المنيرة!! ? فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ? ، { أمن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } ؟! أم من كان بصفة من نزل فيه قوله تعالى: { كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكفرين ما كانوا يعملون } ؟!
كلام الزهاد، وقلوب قوم عاد,? ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا، وشهد الله على ما قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته الغرة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد ?.
وأما قول القائل: اقتلوا الإمام والعلماء. فأي عصابة حق يكون هذا أميرها أو من أمرائها؟! وما سمعنا لقوله شبها إلا قول الملاحدة في عهودهم إلى أوليائهم: اقتلوا الدبوك والملوك. يعنون بالدبوك: العلماء, وبالملوك: ملوك الإسلام, محقين ومبطلين. وقد زاد عليهم لأنه اختص الإمام وحده من الملوك, حتى يكون بقتله أونية قتله كأنه قتل الناس جميعا, كما ذكر الله في قوله: { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } . وهذا في أئمة الحق عند المفسرين.
Página 8
--- وبلغنا تشدق في المقال, واستهزاء بالدين وأهله، وسخري برؤوس العلماء, وتهجين بالشيعة، فعجبنا!! وتأسينا في ذلك بقول الله سبحانه: { زين للذين كفروا الحيوة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب } . فقد كنتم أهل هذه الدولة من قبل قيامنا تلتمسون إماما تقاتلون معه, فلما قام الإمام قلتم نحن أحق بالملك منه ولم يؤت سبعة من المال، فكنتم كالملأ من قوم موسى حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة.
وأما قول قائلكم: لو أطاعنا حميد ما قتل, ولا كان الذي كان. فقد دخل جوابه نحت قوله:? لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا ? ، فكيف يطيعك حميد إلى ما أنت عليه؟! وأنت بالأمس أنت وهو مجتمعان على تضليل من فعل أدنى فعلك!! وقاضيان عليه بتحريم المناكحة, والموارثة وأكل الذبيحة, ولم يبدل حميد شيئا مما كنتما عليه، إلا أن يكون حكمك حكم دابة القاضي!!
ألم تعلم أن الإمام المنصور بالله عليه السلام كفر أهل حقل بمواصلة كانت هينة يعرفونها؟! وكفر شريفا من بني الهادي مر بأهل مخرفة وفسخ بينه وبين زوجته النكاح؟! فكيف تدعون الناس إلى ما أنتم عليه وأنتم بالأمس تكفرون من أتاه؟! ? ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم لاحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره، إن الله على كل شيء قدير ?.
Página 9
--- أما تستحيون من الله؟! أما تخافون عاجل النقمة, بترك التناهي وكفر النعمة؟! أما سمعتموه تعالى يقول لقوم: { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم، أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إيه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون } . انظر في هذه الآيات هل بعدت منكم في معانيها؟! أو سلمتم مما فيها. ألم تعلم أن الله سبحانه يحكم على بقية بني إسرائيل في وقت رسول الله صلى الله عليه بأنهم قاتلون للأنبياء الذين قتلهم أسلافهمو فقال تعالى: { فلم يقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } . وزمانهم غير زمانهم, ومكانهم غير مكانهم, لما كانوا مطابقين لهم على الرضاء بتلك الأفعال، فكيف تنكرون قتل العلماء وأنتم مباشرون لذلك؟! وسالكون في قتلهم أوضح المسالك؟!
ومن العجائب أنه بلغنا أنهم ربما ينتقصوننا، والنقص علينا وعليهم واحد، لأن القاسم بن إبراهيم يجمعنا, وإن كانوا يقولون من هنالك: إنهم جادوا وذللنا!! فإن كان الكلام في شرف الدنيا فنحن قبل قيام المنصور كما تعرفون إن لم نزد عليهم لم ننقص عنهم, إلا أن يكابروا فبيننا في ذلك قبائل همدان, فالكل بين أظهرهم حاسدنا ومحسودنا, وناشئنا ووليدنا, وما غطى ولا كتم, من استشهد السواد الأعظم, وإن كانوا في شرف الأخوة، فالإمام المنصور بالله عليه السلام يقول ليس بينه وبين محمد صلى الله عليه إلا من هو من أهل الجنة, ونظم ذلك فقال:
والله ما بيني وبين محمد ... إلا امرئ هادي نماه هادي
وهذا لعمر الله شرف عميم, وكرم جسيم, لا ننكره ولا نرده ولا نحسده عليه، وكذلك ما قال في نفسه نطما ونثرا من حملها على الفضائل, ورفعها عن الرذائل, كما قال:
--- فلا والله ما قارفت ذنبا كبيرا ... مذ ملكت جفون عيني
Página 10
وهذا نعترف به أيضا وهو خليق به صلوات الله عليه، ولكن نقول نحن ندلي به وندعي مثل دعواه, ولا يمكن أحد تكذيبنا إلا مباهت, كما لم يكذبه سلام الله عليه من الفرق الضالة في قبيلة إلا مكابر فنقول والله ما عرفنا كذبة, ولا تدنسنا برذيلة, نقول ذلك تعريفا لا افتخارا, وتبصرة لمن يريد أن يكتسب في أمرنا استبصارا.
فالحمد لله الذي طهرنا من الأدناس, وقضى لنا بالفضل والبسطة على كافة الناس, وهو ? الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ? ، وكذلك نقول كما قال المنصور بالله عليه السلام: ما بيننا وبين محمد صلى الله عليه وآله إلا مثل ما ذكره من أب أو أم، وكان ذلك الصف مستقيما, فردناه ترصيصا وتقويما, وشيدنا بنيانه تكريما وتعظيما، فإن جاء بعدنا ولد يخالف معتادا, أو جعل في الثوب الأبيض سوادا, فلا بلغه الله ولا بارك فيه ولا جعل له في آل محمد نسلا، لأن من تقدمه من أبوته قد أخرجه بفعله عن أن يكون له أهلا.
ووجه أخر: وهو أن ما يدعيه المنصور بالله عليه السلام نحن شركاؤه فيه، فإن كثيرا من جداته الطاهرات هن جداتنا, فهو ثوب نحن نتجاذبه, شرف تلوح فينا كواكبه.
ووجه أخر: وهو أنا ورثته دونهم، لأنا منه, وما كان من شرف الدنيا والآخرة فقد ورثناه قولا وفعلا, ونسبا ومذهبا, وعلما وعملا,? أن أولى الناس بإبراهيم للذين ابتغوه، وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ? وهم معه كولد نوح صلى الله عليه، حذو المثال بالمثال, وما زلنا نطرز المنابر بذكره, ونحلي المقامات بذكره وشكره، ما قصدنا بذلك إلا الخروج عن عهدة ما يجب علينا من حقه, ولو عقلتم ولن تعقلوا لشكر تمونا على ذلك، فإن رجلا لو ورد بقصيدة يمدحكم بها لعظمتم من شأنه, ورفعتم من مكانه, ومدح أبيكم أشرف لكم, وحقه أوجب عليكم, ولكن لا تمييز!!
Página 11
--- ووجه رابع: وهو المصيبة الكبرى, والفافرة العظمى, انظروا إلى الصف الذي كان فيه هل بقي بعده, أو سعيتم في نقض ذلك البيان المرصوص؟! فهل يشده ويشيد بنيانه وتأتون فتخربونه وتهدمونه؟! ثم تكونون معه يوم القيامة!! فلماذا أرسل الرسول, وأنزل الكتب, وأرصد الوعد والوعيد, وأعد الثواب والعقاب؟! إن ألحق المسيء بالمحسن, والكافر بالمؤمن؟!! ? ليس بأمانتكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سواء يجزيه ?.
فأما الذي تدعونه علينا من قلة الوفاء، فإن كان هذا عذرا فيما فعلتموه من الأفعال القبيحة، فإن الإنسان لا يكون معذورا فيما يفعله من المعاصي لأجل إساءة غيره إليه, وقلة وفائه له، الكفر لا ينباح بما ذكرتم لو صح، ? أحسنوا حيث أساء الناس ? كما ورد في الخبر مع أنا لم نفعل شيئا مما ذكرتم, بل فعلنا أفعالا نعرضها على الكتاب الكريم والسنة الشريفة والعقول التي ركبها الله تعالى حجة على الخلق، وجعلها وما تقدم من الأدلة آية للحق، وهو أنا نقول: شرطنا وحرمتم شروطنا فتركنا مشروطكم, فلو وفينا مع الإخلال بالشروط التي جعلناها فارقة بين عقود المسلمين وعقود غيرهم, لكنا قد نصحنا من غش المسلمين, وقربنا من أبعده رب العالمين, مع أن العقود التي يجب الوفاء بها هي عقود الذمم, والعقود اللازمة في الإصلاح. فأما الولايات والإقطاعات وما يجرى مجراها فليست بعقود عند من عقل الصواب, وفهم مضمون ما انطوت عليه السنة ونطق به الكتاب، إذ لو كانت عقودا لما رجع النبي صلى الله عليه عنها في مجلسه وللزمت الولايات, وما كان لنبي ولا إمام أن يعزل ولا يولي غير من ولاه، وضرورة الدين وما علم من أمور المسلمين يقضى ببطلان ذلك.
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه رجع عن (( إقطاع الأبيض بن جمال حبل الملح بمأرب!! حين قيل: يا رسول الله أعلمت ما أقطعته؟! قال: لا. قال: إنما أقطعته العد الذي لا ينفذ فرجع في الحال عن ذلك )).
Página 12
--- وكذلك في قصة الدهناء, ومن المعلوم الذي لا يشك فيه أن الإنسان لو وكل وكيلا على عمل من الأعمال ثم عزله قبل أن يفعل الفعل أو بعد فعله, وكانت وكالته عامة أنه لا حرج عليه ولا عتب في الدين ولا في الدنيا، والوكالة ولاية، والولاية في معنى الوكالة لا فرق بينهما عندنا، وقد روينا عمن نثق به عن الإمام المنصور بالله عليه السلام أنه اتفق له ثلاثة ولاة لموضع واحد في يوم واحد في مكان واحد، وذلك جائز تبيين ذلك أن مبنى ولايات أولي الأمر على نحو ما يقضي به النظر في اعتبار الأصلح والأقوم بأعباء ما حمل, ومن الجائز أن يقع نظر المولى على واحد ثم يتجدد نظره على الأصلح منه, فيفسخ ثانيا ما فعله أولا لأجل المصلحة، أو مصادفة الموافق, وهذا نوح ألحقه الناس بباب العقود وليس منها وطعنوا به جهلا بمواقع العلم وإيثار الهوى, على ما قضى بصحته العقل والشرع.
والنوع الآخر الذي ألحقوه بالعقود وليس منها: الرقاعات التي تتضمن الصلات والهبات، وليس الأمر كما اعتقدوه, ولا حكم الله يقف على ما توهموه، لأن هذا ليس بعقد لازم، بل إن حصل ذلك فهو المطلوب، وإن لم يحصل لم يقتض تعذره فسقا ولا كفرا, ولا قلة وفاء، لأن الفاعل لذلك قد يتوهم أن هناك شيئا حاصلا وليس به، أو يتصور أن شيئا يحصل فيتعذر بعض أسبابه وصاحبه محسن، وقد قال سبحانه: { ما على المحسنين من سبيل قدمهم } لأجل ذلك ذم لمن لا يستحق الذم، وهذا عند كافة أهل الإسلام لا يسمى: عقدا، وأكثر ما في ذلك أن الفاعل لذلك والتارك للعطاء غير ممتثل للأمر، فهو العاصي دون الآمر إن كان المأمور به حاصلا.
Página 13
--- وأما العقود التي هي الذمم فنحن أكثر الناس محافظة عليها, وأعظمهم تأكيدا في تمامها على شروطها، والله تعالى قد قيد الوفاء بالشرط فقال تعالى: { فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم } فشرط التمام بالمدة وهي أحد الشروط، وجعل ذلك سبحانه مشروطا بوفائهم، فالوفاء لهم لا يجب إلا بشرط الوفاء منهم، فقال تعالى في أول الآية: { إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا } فشرط في الوفاء عدم النقصان وترك المظاهرة, وهذه شروط على الحقيقة، فقد ثبت: (( أن الشرط أملك )) وأن الإخلال بالشروط في هذه العقود يرفع حكم المشروط.
Página 14
--- ونحن نوضح طرفا من أفعالكم معنا ليعلم الناس صدق مقالنا, وسلامة أحوالنا، فنقول: إنكم بعد دعوة الإمامة تربصتم بصاحبها كما علمه الخاصة والعامة، فكان أول ذلك منعكم للناس عن إجابتها, وصدكم للخلق عن سماعها، وانتهى بكم الحال في ذلك إلى خراب ديار المجيبين, وإخافة من بادر إليها باليقين، فلما غلبتكم الدهماء, وذهب عنكم جمهور العلماء, استكبرتم حينئذ الخلاف ظاهرا, وأسررتم المكائد باطنا، كما حكيناه آنفا من استدعاء سلطان اليمن والانتصار به، فلما لم يشف ذلك عليلا, ولا نقع غليلاو شمرتم عن ساق الجد في الشقاق, ونسيتم أمر الواحد الخلاق، حيث قال: { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم } وقال تعالى: { يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويخركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء } الآية. فقهركم سلطان الحق، ودمغكم نصر الله لولي الأمر، فجنحتم إلى السلم, وامتطيتم مطية النفاق، وصاحبكم يؤثر التقريب على الإبعاد، وما يدنيكم إلى الصلاح ويصرفكم عن الإفساد، فكان أول الغدر وإن تقدمه ما وقع من آحادكم تقدم موسى وداود لسدادة الثغر, والإقامة بوادي ظهر، وهما على الحقيقة يضمران خلاف الأمر، فأقاما أياما ينقضان الذمم، ويحرفان الكلم، ثم نكصا على أعقابهما من غير تعريج على ثغر الإسلام، ولا التفات على أمر إمام، فكانا أحق ببيت الشاعر حيث يقول:
لحى الله قيسا قيس عيلان إنها ... أضاعت ثغور المسلمين وولت
Página 15
--- ونحن في خلال ذلك نعلن بالانتصار, وندعو الكافة إلى طاعة العزيز الجبار، فكان الجواب أنهما عادا بعد مدة إلينا يزحيان جيشا حشو الغدر, وشعاره ودثاره النفاق والمكر، فوصلوا لتشتيت الشمل, ووقوع الخبل, كما قال تعالى في قصة المنافقين: { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولا وضعوا خلائكم يبغونكم الفتنة } . فكانت هذه حالهم بغير مرية, حتى جد أمرنا في الخروج إلى نحو الشهابية، فخرجوا للفساد معنا بعد أن مضى جمهورهم، وتفرقت أمورهم، وتسللوا لواذا، واتخذوا الخداع اتخاذا، فلما وصلنا قرب البلاد، أرسلوا إلى إخوانهم من أهل العناد، ألا لا يهولنكم ما نحن عليه من الإبراق والإرعاد، فهو حظنا مع صاحبنا لا نريد القتال ولا الجلاد، وأخذوا في التخذيل, وتزهيد الناس فيما نحن عليه جيلا بعد جيل، حتى تضعضعت أمور المسلمين، وظهرت سماة الغلب على الصالحين، وخالفوا قوما على قتلنا ونحن وهم في مكان واحد، فذرنا بهم, وأحسسنا ما قد أعملوه من مكرهم، فصدوا خاذلين, وولوا على أعقابهم متقلبين، وهذه خليقة لم يرضها مسلم, ولا تظاهر بمثلها مجرم، لأن كثيرا من الكفار بأعمال أهل النار, يتنزه عن أن يكون بصفة الغدار.
وقبل هذه ماسود ولد أميرهم, وسليل رئيسهم وكبيرهم, ثوب الإسلام, بما فعل مع أهل تنعم الأباة الكرام، من بيع ثغره بألف مثقال، وصدوره عنه على أقبح حال، يتبختر في ثوب الغدر, ويتحلى بحلية أهل المكر، ويجيب عند عتابه أن أباه أرسل إليه, وخرج في تخليه سد ذلك الثغر عليه، فهذا هو النكث على الحقيقة, والبوار العاجل عند هذه الخليقة، أتأمرون الناس بالوفاء, وشيمتكم مع المسلمين ما ذكرنا ظاهر لا عن خفاء؟! ? أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ?، أتعيرونا بقلة الوفاء بالعقود, ولكم ما تقدم من الفعلات بعد العهود المؤكدة, والأيمان المغلطة؟!
Página 16
--- ولما توجهتم معنا نحو صنعاء، تريدون النصرة على الدين, والإدالة بما مضى منكم في حرب المسلمين، واجتمعنا في البلد بملازمة الثغر, نجم من نفاقكم, وظهر مر سيء أخلاقكم, ما تحقق معه الناس خبث سرائركم, وفساد ظواهركم, لم تتركوا عمولة في روح, ولا مواصلة لعدو, ولا دلالة على عورة لمسلم، يشهد بذلك ما كان من طلوع علي روهاس ليلا إلى براش, وهو بزعمه الناصح الناصر، وما فعله داود في الملاقاة للأسد ومماليكه في مثنى الغواير, من غير مانع ولا حاجرو وأظهر من ذلك خلافا ما عمل مع المشطوب, من سلامته من تحت السيوف, وإخراجه لا عن أذن أحد بل على رغم الأنوف، وأثبتوا العمولة فينا يوم الجبوب، فلم يسعدهم الجد ولا ساعفهم المطلوب, بل قصرت عساكر الحق من هممهم، وقلت عزائمنا غروب دعمهم, وصبرنا منهم بعد ذلك على أمر من العلقم, وآلم للأجسام من سم الرقم, ومضرتهم ممكنة لنا، واستئصال شأفتهم غير معجز لمثلنا, وإنما تركنا ذلك كرما في الطبيعة, وبعدا من الأفعال الشنيعة، وفي خلال الرباط منهم والصبر, تنزل عليهم تحف الصليحيات بالخمر, يتساقاها منهم أولوا الفخر, نقل منهم من شهد الأمر, واطلع على مكنون السر، ونحن نتجرع غصص الاصطبار, ونتخلق لتأليفهم وتقريبهم تخلق الأحرار، ونطمع في أن ينتقلوا عن عمل أهل النار, إلى أعمال المتقين الأبرار، وهيهات أن يجتنى من الشرى أريا شافيا, ويمترى من ذكران المعز حلبا صافيا.
ودع عنك نهبا صيح في حجراته ... ولكن حديثا ما حديث الرواحل
Página 17
--- جعلناه زعيم جيوش المسلمين، وقلدناه سد الثغر المنفتح علينا من اليمن فباع ذلك بعرض من الدنيا يسير، وقدم إليهم خاتمه ذمه في كونه منهم، وذلك أمر ظاهر, وقد أقر به عند من يوثق به , ولما غنم المسلمون غنيمة من أعداء الدين، طلبهم بردها بعد رد ما وقع في يديه, وقبل بهم نحونا يهديهم هدى العروس, ويطأ بهم ربع الإسلام المأنوس، فلما طال عليه أمد النفاق في بيت رحال، شمر للغدر عن الأذيال، وفارق زافرة, يا لها من زافرة رافضة للدنيا مقبلة على الآخرة، فحل من الكفر في بحبوحته, وسكن من النكث في صميم أرومته، وكم من ذمة خرمها من صنعاء إلى يومنا هذا !!! من مأسور قتل بعد الذمة، ومعتق أوثق بعد المنة بإرساله, يشهد بذلك ما كان في صعدة من قتل ابن زيدان والعلم في يده, وأخذ ابن النجار وأمارته والذمة على إرساله وولد محمد بن فليته وما فعل معه، وجفر بن يحيى، وذمه حمزة بن حسين على روحه وما يملكه, وأخذه وهو في خيمته، وعلي بن صفى الدين بعد ذمة عز الدين عليه, وأخذ أحمد بن عواض بعد الذمة من علي بن عمرو، وما كان في شأن السويدي من أنواع التخليط, ونهب بيوت لا تحصى بعد الذمة وهي بيوت أهل سمارة كافة، فإنها ما أخذت إلا بعد الأمان الظاهر, وتأكيده بالعلم على السطوح.
Página 18
--- ثم أفعالهم الشنيعة, في رؤوس علماء الشيعة وتراجمة الشريعة، وذمتهم على دار الفقيه محمد بن أبي السعادات وأخذها بعد ذلك، والعلم على رأسها, ومن غدرهم الطري, ما جرى في دار الشريف المجزري، وإحراق علمهم الفري الزري، وكذلك القليعة وبنوال أحذتموهما بعد الأمان الأكيد، وكيف يمكنكم تدعون مثل ما ندعي وأنتم على خلاف ما تعلمون من مذهب أبيكم وآبائكم جميعا؟! بل كيف وأنتم تخوضون في أموال المسلمين ودمائهم بغير دعوة ولا كتاب ولا سنة؟! وبين أيديكم من فعل المنكرات ما لا يمكن دفعه!! بل كيف وتائبكم إذا وفق يتوب إلينا, ويقر بقبح ما هو عليه وبصحة مذهبنا، وهل تاب أحد منا إلى ما أنتم عليه عند مماته، أو جادل على صحة ما هو عليه في حياته، فهم كما قال الله تعالى في أهل الكتاب: { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا } .
وأصح مذاهبهم في هذا قولهم: نفسد عليه ونكدر عيشه كما كدر عيشنا، فهذا وجه بين ومذهب معقول دون غيره، ونحن في دنيا مشوبة بالتكدير, وطريق مقرون بالتغيير، لا نبالي فيها بتكدير عيش ما أطعنا الرحمن، وسلمت الأديان، ? قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ?.
Página 19
--- إنما يحزن على النعمة أهلها, ويتبرم بمفارقة اللذات من اعتادها, وكم عسى أن يكون نعيمها وهي إلى زوال؟! وراحتها وهي إلى تغير وانتقال؟! إنما المكدر للذاتها, من حمل أهلها على مفارقة عاداتها, من شرب القهوات، وإذهاب الأوقات, في غير الطاعات، وانتظار الصلوات بعد الصلوات، ونقل الخطى إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في السبرات, وهو لا يزال شجا في حلوقهم، وقذى في عيونهم، ما مد الله مدته, وبسط بسطته, فليموتوا بغيظهم كظما، وليستبدلوا بوجود ملكهم عدما, وعن قريب يظهر الحق على الباطل، ويتميز المستقيم من المائل، { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } بين من قرباؤه الصالحون المهتدون، وبين من خلطاؤه المردة المفسدون، وبين من ناصره رب العالمين، ومن يعتمد في نصرته على الكفرة الجاحدين, والباطنية الملحدين، وبين من عيون أنصاره العلماء، ومن عيون أصحابه المترفون, ? وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذين ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ? , ? الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكوة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ? ، وإن صال العدو صولة لا عن دولة, فكثيرا ما صغرته سيوف الحق وتركته خاسئا، وما كان أولا فمثله يكون ثانيا, ? لا يغرنك تقلب الذين كفورا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد، لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار ?.
ومن عجائب ما ألفوه, وجالب ما زخرفوه, أن قالوا: بأنا منعنا من بلادنا, وخلينا عن طريفنا وتلادنا، فاستعنا بالكفار, على بلوغ الأموال والديار. وقالوا يجوز لنا ذلك كما جاز للنبي المختار، حيث استعان بخزاعة الأنصار, على حرب قريش الأشرار.
Página 20