--- وأما قسمك أنك تحب خلاصنا عند الله عز وجل، فنعم ما فعلت, وأنت مجازى على ما أضمرت، ونحن نصدق قسمك, ونعرف بقديم نصيحتك، ونقسم لك بالله تعالى أنا نحب خلاصك أيضا، وخصوصا مما يتعلق منك بنا من الظنون, وقبول الأقوال وغير ذلك، وذلك بأن لا تحملنا على أقبح الوجوه، ولا تقبل فينا الكلام، ولا تتطلب العثرات، بل تفرح بما يستتر عنك منا، ولا تحملنا أيضا ذنوب غيرنا من ولاتنا وخدمنا متى وقع ذلك بغير علمنا، ولا تطلب بهذا إلا خلاصك لأجل التقريع لك, ولا التوهين لأمرك, ولا السخط عليك، فأنت عندنا بالمنزلة الرفيعة, والدرجة العالية، ولا أحب إلينا من مناصحنا في ديننا, والمعين لنا في طاعة ربنا عز وجل.
فأما قولك: إنه ما حصل لنا منهم برأ تعني الضامنين بالعقوبة, فهو خوف وحياء، فذلك مما نعتبه عليك، لأنا نعلم أنك لا تعلم باطن ضمائرهم, ولا تتحقق ما تكنه جوانحهم، ولا ينبغي لك أن تأخذ مما تحدسه وتظنه، ولا أن تعتمد على ما لا تعلمه، فبعض الظن إثم، فحكم على الجهل العلم، واستعمل الورع والحلم، فليس أحد فوق أن يؤمر بتقوى، فإن الكل عبيده وأهل خدمته، فلا حرج عليهم فيما يؤمرون به من طاعته, مع أن الحال في الضمانة ما ذكرناه أولا.
Página 55